بِمِنْهَاجِ دِينِهِ أَرْكَانَ الشَّرِيعَةِ الْغَرَّاءِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْإِسْلَامُ بِرَفْعِ الْبِنَاءِ وَتَقْوِيَتِهِ بِالشِّيدِ رَفْعًا تَامًّا، وَاسْتَعَارَ لَهُ اسْمَهُ وَهُوَ التَّشْيِيدُ. وَفِي الْمُخْتَارِ: الشِّيدُ بِالْكَسْرِ كُلُّ شَيْءٍ طُلِيَتْ بِهِ الْحَائِطُ مِنْ جِصٍّ وَبَلَاطٍ، وَشَادَهُ جَصَّصَهُ مِنْ بَابِ بَاعَ، وَالْمَشِيدُ بِالتَّخْفِيفِ الْمَعْمُولُ بِالشِّيدِ، وَالْمُشَيَّدُ بِالتَّشْدِيدِ الْمُطَوَّلُ اهـ.
وَمِنْهُ يُعْلَمُ صِحَّةُ كَوْنِهِ اسْتِعَارَةً مِنْ حَيْثُ إنَّهُ شَبَّهَ إظْهَارَهُ بِتَشْيِيدِ الْبِنَاءِ الَّذِي هُوَ تَطْوِيلُهُ، هَذَا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا مُرْسَلًا مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْمَلْزُومِ وَهُوَ التَّشْيِيدُ وَإِرَادَةٌ لَازِمَةٌ وَهُوَ التَّقْوِيَةُ (قَوْلُهُ: بِمِنْهَاجِ دِينِهِ) أَيْ بِالطَّرِيقِ الْمُوَصِّلَةِ إلَى دِينِهِ وَهُوَ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَالْمُرَادُ بِالطَّرِيقِ الْمُوَصِّلَةِ إلَيْهِ مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَالْأَئِمَّةُ الَّذِينَ قَامُوا بِإِظْهَارِ ذَلِكَ وَتَحْرِيرِهِ وَنَقْلِهِ، وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَادُ بِالشَّرِيعَةِ مُضَافَةً لِلْأَرْكَانِ هُوَ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ مِنْ الْأَحْكَامِ، فَهُوَ عَيْنُ الدِّينِ الْمُفَسَّرِ بِمَا مَرَّ، فَكَأَنَّهُ قَالَ الَّذِي أَظْهَرَ بِالطَّرِيقِ الْمُوَصِّلَةِ إلَى مَا شَرَعَهُ اللَّهُ مِنْ الْأَحْكَامِ أَرْكَانَ ذَلِكَ الشَّرْعِ، وَإِنَّمَا أَقَامَ الظَّاهِرَ الَّذِي مَرْجِعُهُ الدِّينِ مَقَامَ الْمُضْمَرِ وَهُوَ لَفْظُ الشَّرِيعَةِ لِيَصِفَهُ بِالْغَرَّاءِ.
وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَادُ بِالْأَرْكَانِ: الْأَجْزَاءُ الَّتِي اشْتَمَلَتْ الْأَحْكَامُ الْمَشْرُوعَةُ عَلَيْهَا كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ أَوْ الصَّلَاةِ نَفْسِهَا، وَيَكُونُ إطْلَاقُ الْحُكْمِ عَلَيْهَا مَجَازًا مِنْ بَابِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْكَسْرِ عَلَى اسْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْفَتْحِ (قَوْلُهُ: الشَّرِيعَةُ الْغَرَّاءُ) هِيَ فِي الْأَصْلِ تَأْنِيثُ الْأَغَرِّ وَهُوَ اسْمٌ لِلْفَرَسِ الَّذِي فِي جَبْهَتِهِ بَيَاضٌ
[حاشية الرشيدي]
أَعْيُنَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِوَافِرِ فُهُومِهِ عِنْدَ قِرَاءَتِهِ لِلْكِتَابِ الْمَرْقُومِ عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ، مَعَ مُذَاكَرَةِ إخْوَانِ الصَّفَاء وَخِلَّانِ الْوَفَاءِ مِمَّنْ عَادَتْ عَلَيْهِ بَرَكَةُ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ السَّعِيدِ بِثَغْرِ رَشِيدٍ، جَعَلَهُ اللَّهُ وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ دَارَ إسْلَامٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَحَمَاهُ مِمَّنْ قَصَدَهُ بِسُوءٍ وَرَامَهُ، دَوَّنْتهَا لِتُسْتَفَادَ وَيَعُمُّ نَفْعُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ الْعِبَادِ، أَقْتَصِرُ فِيهَا عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِأَلْفَاظِ الْكِتَابِ وَمَا فِيهِ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَأُوجِزُ الْكَلَامَ حَسْبَ الطَّاقَةِ إلَّا حَيْثُ اقْتَضَى الْمَقَامُ، لَا أَتَعَرَّضُ فِيهَا لِمَا تَكَلَّمَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا بَرَكَةُ الْوُجُودِ وَمَحَطُّ رِحَالِ الْوُفُودِ، الْمُجْمَعُ عَلَى أَنَّهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْجَوْهَرُ الْفَرْدُ وَالْإِمَامُ الْأَوْحَدُ، قَامُوسُ الْعُلُومِ وَقَابُوسُ الْفُهُومِ، الْبَصِيرُ بِقَلْبِهِ مَوْلَانَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ نُورُ الدِّينِ عَلِيٌّ الشبراملسي، أَمْتَعَ اللَّهُ الْوُجُودَ بِحَيَاتِهِ، وَعَادَ عَلَيَّ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَرَكَاتِهِ وَلَحَظَاتِهِ فِيمَا أَمْلَاهُ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَفْرُوغٌ مِنْهُ، وَالْغَرَضُ تَجْدِيدُ الْفَائِدَةِ لِلطُّلَّابِ إلَّا حَيْثُ سَنَحَ لِلْخَاطِرِ مَا تَظْهَرُ نُكْتَتُهُ لِلنَّاظِرِ. وَأَنَا أَقُولُ بَذْلًا لِلنَّصِيحَةِ الَّتِي هِيَ الدِّينُ وَإِرْشَادُ الْمُسْتَرْشِدِينَ، لَا تَبَجُّحًا وَافْتِخَارًا؛ لِأَنِّي دُونَ ذَلِكَ رُتْبَةً وَمِقْدَارًا: إنَّ هَذِهِ الْفَوَائِدَ وَالصِّلَاتِ وَالْعَوَائِدَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ مُرَاجَعَتُهُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ إلَى هَذَا الْكِتَابِ الَّذِي هُوَ عُمْدَةُ النَّاسِ فِي هَذَا الْحِينِ مِنْ الْمُسْتَفِيدِينَ وَالْحُكَّامِ وَالْمُفْتِينَ، فَإِنَّهَا مُتَكَفِّلَةٌ حَسْبَ الطَّاقَةِ بِتَتَبُّعِ مَوَادِّ الْكِتَابِ مَعَ التَّنْبِيهِ عَلَى مَا عَدَلَ فِيهِ عَنْ صَوْبِ الصَّوَابِ كَمَا سَتَرَاهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوَاطِنِهِ مِنْ الدُّرِّ الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ مَعَادِنِهِ.
وَاعْلَمْ أَنِّي حَيْثُ أَنْسُبُ إلَى التُّحْفَةِ فَمُرَادِي تُحْفَةُ الْمُحْتَاجِ الَّذِي هُوَ شَرْحُ خَاتِمَةِ الْمُحَقِّقِينَ الشِّهَابِ " ابْنِ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيِّ " سَقَى اللَّهُ ثَرَاهُ، وَاَللَّهُ الْمَأْمُولُ وَالْمَسْئُولُ فِي التَّفَضُّلِ بِالْإِثَابَةِ وَالْقَبُولِ.
(قَوْلُهُ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَنَا بِهِ: بِمِنْهَاجِ دِينِهِ) أَيْ طَرِيقِهِ بِمَعْنَى دَلَائِلِهِ بِقَرِينَةِ مُقَابَلَتِهِ بِالْأَحْكَامِ فِي الْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا جَمْعُ حُكْمٍ، فَالْمَعْنَى شَيَّدَ دِينَهُ بِدَلَائِلِهِ إذْ الشَّرِيعَةُ هِيَ الدِّينُ مَاصَدَقًا، وَهُوَ احْتِرَاسٌ إذْ الْمُشَيِّدُ لِأَرْكَانِ الشَّيْءِ بِغَيْرِ طَرِيقِهِ لَا يَأْمَنُ الْخَطَأَ، وَفِيهِ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ، شَبَّهَ الشَّرِيعَةَ بِالْبِنَاءِ، وَأَثْبَتَ لَهُ الْأَرْكَانَ تَخْيِيلًا وَالتَّشْيِيدَ تَرْشِيحًا، وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي نَظَائِرِهِ الْآتِيَةِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ جَعْلِ شَيْخِنَا لَهُ مِنْ الِاسْتِعَارَةِ الْمُصَرِّحَةِ التَّبَعِيَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى بَلْ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute