أَمَّا إذَا كَانَتْ مِنْ نَحْوِ ذَلِكَ نَحْوُ حُجَّ مُفْرَدًا وَادْخُلْ مَكَّةَ مُحْرِمًا فَهِيَ مَأْمُورٌ بِهَا، وَمَا هُنَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ
(قِيلَ وَحَلَالًا) فَلَا يُجْزِئُ عَلَى مَغْصُوبٍ وَمَسْرُوقٍ مُطْلَقًا، وَلَا عَلَى خُفٍّ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ حَرِيرٍ لِرَجُلٍ، لِأَنَّ الْمَسْحَ جُوِّزَ لِحَاجَةِ الِاسْتِدَامَةِ وَهَذَا مَأْمُورٌ بِنَزْعِهِ، وَلِأَنَّ الْمَسْحَ رُخْصَةٌ وَهِيَ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي.
وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ قِيَاسًا عَلَى الْوُضُوءِ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ، وَالصَّلَاةُ فِي مَكَان مَغْصُوبٍ لِأَنَّ الْخُفَّ يُسْتَوْفَى بِهِ الرُّخْصَةُ، لَا أَنَّهُ الْمُجَوِّزُ لَهَا بِخِلَافِ مَنْعِ الْقَصْرِ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ إذْ الْمُجَوِّزُ لَهُ السَّفَرُ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمُحْتَرَمِ وَلَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ ثَمَّ لِمَعْنًى قَائِمٍ بِالْآلَةِ بِخِلَافِهِ هُنَا.
وَلَوْ اتَّخَذَ خُفًّا مِنْ نَحْوِ جِلْدِ آدَمِيٍّ صَحَّ الْمَسْحُ عَلَيْهِ نَظِيرَ مَا مَرَّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اتَّخَذَ الْمُحْرِمُ خُفًّا وَأَرَادَ الْمَسْحَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا اعْتَمَدَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَبَعًا لِجَمْعٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ أَنَّ الْمُحْرِمَ مَنْهِيٌّ عَنْ اللِّبْسِ مِنْ حَيْثُ هُوَ اللِّبْسُ فَصَارَ كَالْخُفِّ الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَتَابُعُ الْمَشْيِ فِيهِ، وَالنَّهْيُ عَنْ لِبْسِ الْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُتَعَدٍّ بِاسْتِعْمَالِ مَالِ غَيْرِهِ
(وَلَا يُجْزِئُ مَنْسُوجٌ لَا يَمْنَعُ مَاءً) أَيْ نُفُوذَ مَاءِ الْغُسْلِ إلَى الرِّجْلِ مِنْ غَيْرِ مَحِلِّ الْخَرْزِ لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِعَدَمِ صَفَاقَتِهِ، إذْ الْغَالِبُ مِنْ الْخِفَافِ الْمُنْصَرِفِ إلَيْهَا نُصُوصُ الْمَسْحِ مَنْعُهَا نُفُوذَهُ فَيَبْقَى الْغَسْلُ وَاجِبًا فِيمَا سِوَاهَا.
وَالثَّانِي يُجْزِئُ كَالْمُتَخَرِّقِ ظِهَارَتُهُ مِنْ مَحِلٍّ وَبِطَانَتُهُ مِنْ آخَرَ مِنْ غَيْرِ تَحَاذٍ، وَلَا بُدَّ فِي صِحَّتِهِ أَنْ يُسَمَّى خُفًّا، فَلَوْ لَفَّ قِطْعَةَ أُدْمٍ عَلَى رِجْلَيْهِ وَأَحْكَمَهَا بِالشَّدِّ وَأَمْكَنَهُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهَا لَمْ يَصِحَّ الْمَسْحُ عَلَيْهَا لِعُسْرِ إزَالَتِهِ وَإِعَادَتِهِ عَلَى هَيْئَتِهِ مَعَ اسْتِيفَازِ الْمُسَافِرِ فَلَا يَحْصُلُ لَهُ الِارْتِفَاقُ الْمَقْصُودُ.
وَاسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ عَنْ ذِكْرِهِ اكْتِفَاءً بِقَوْلِهِ أَوَّلَ الْبَابِ يَجُوزُ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِيهِ يَعُودُ عَلَى الْخُفِّ فَخَرَجَ غَيْرُهُ
(وَلَا) يُجْزِئُ (جُرْمُوقَانِ فِي الْأَظْهَرِ) وَالْجُرْمُوقُ بِضَمِّ الْجِيمِ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ: شَيْءٌ كَالْخُفِّ فِيهِ وُسْعٌ يُلْبَسُ فَوْقَ الْخُفِّ، وَأَطْلَقَ الْفُقَهَاءُ أَنَّهُ خُفٌّ فَوْقَ خُفٍّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاسِعًا لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهِ، وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ أَنَّهُ يُجْزِئُ لِأَنَّ شِدَّةَ الْبَرْدِ قَدْ تُحْوِجُ إلَى لِبْسِهِ، وَفِي نَزْعِهِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ لِيَمْسَحَ عَلَى الْأَسْفَلِ مَشَقَّةٌ، وَمَنَعَ الْأَوَّلَ الْمَشَقَّةُ فِي ذَلِكَ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إدْخَالِ يَدِهِ بَيْنَهُمَا وَمَسْحِ الْأَسْفَلِ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا غَيْرَ صَالِحَيْنِ لِلْمَسْحِ لَمْ يَجُزْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَطْعًا، فَإِنْ صَلُحَ الْأَعْلَى دُونَ الْأَسْفَلِ صَحَّ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، وَالْأَسْفَلُ كَلُفَافَةٍ أَوْ الْأَسْفَلِ دُونَ الْأَعْلَى وَلَمْ يَصِلْ الْبَلَلُ لِلْأَسْفَلِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ وَصَلَ إلَيْهِ لَا بِقَصْدِ الْأَعْلَى صَحَّ وَحْدَهُ، وَيَجْرِي التَّفْصِيلُ أَيْضًا فِي الْقَوِيَّيْنِ بِأَنْ يَصِلَ لِلْأَسْفَلِ مِنْ مَحِلِّ خَرْزِ الْأَعْلَى، وَلَوْ تَخَرَّقَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ) كَأَنَّ قَوْلَهُ: إنَّ السَّاتِرَ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ نَوْعِ الْخُفِّ، وَأَنَّهَا أَوْصَافٌ لِلْخُفِّ الْمَأْمُورِ بِلِبْسِهِ بَعْدَ الطُّهْرِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ وَشَرْطُ الْخُفِّ لِبْسُهُ بَعْدَ طُهْرٍ فِي مَعْنًى: وَيَجِبُ لِبْسُ الْخُفِّ بَعْدَ الطُّهْرِ لِيَصِحَّ الْمَسْحُ عَلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ لِرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ) أَيْ فِي الْمَغْصُوبِ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ الذَّهَبِ إلَخْ.
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: نَظِيرُ الْخُفِّ الْمَغْصُوبِ غَسْلُ الرِّجْلِ الْمَغْصُوبَةِ وَصُورَتُهَا أَنْ يَجِبَ قَطْعُهَا فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ اهـ شَيْخُنَا الشَّوْبَرِيُّ عَلَى التَّحْرِيرِ.
أَقُولُ: وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِأَنْ يَقْطَعَ رِجْلَ غَيْرِهِ مَثَلًا وَيُلْصِقَهَا بِرِجْلِهِ وَتَحِلُّهَا الْحَيَاةُ فَيَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَيْهَا وَيُحْتَمَلُ عَدَمُ التَّقْيِيدِ بِحُلُولِ الْحَيَاةِ وَيُكْتَفَى بِاتِّصَالِ مَا وَصَلَهُ بِرِجْلِهِ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ عَلَيْهِ لِحَوَائِجِهِ لِتَنْزِيلِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَنْزِلَةَ الرِّجْلِ الْأَصْلِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: مِنْ نَحْوِ جِلْدِ آدَمِيٍّ) أَيْ وَلَوْ مُحْتَرَمًا (قَوْلُهُ: صَحَّ الْمَسْحُ عَلَيْهِ) قَدْ يُقَالُ يُشْكِلُ هَذَا بِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ لِبْسِهِ لِمَعْنًى قَائِمٍ بِهِ فَهُوَ كَالِاسْتِنْجَاءِ بِالْمُحْتَرَمِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: هُوَ وَإِنْ كَانَ لِمَعْنًى قَائِمٍ بِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ لِبْسِهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ لِبْسًا بَلْ مِنْ حَيْثُ إهَانَةُ صَاحِبِهِ فَهُوَ لِأَمْرٍ خَارِجٍ وَمَعَ ذَلِكَ فِيهِ شَيْءٌ (قَوْلُهُ: بِاسْتِعْمَالِ مَالِ غَيْرِهِ) أَيْ فِي الْمَغْصُوبِ وَبِاسْتِعْمَالِ مَا يُؤَدِّي إلَى الْخُيَلَاءِ وَتَضْيِيقِ النَّقْدَيْنِ فِي الذَّهَبِ وَنَحْوِهِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ فِي صِحَّتِهِ) أَيْ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ، وَيُمْكِنُ اسْتِفَادَةُ ذَلِكَ مِنْ الْمَتْنِ بِأَنْ يَجْعَلَ قَوْلَهُ مَنْسُوجٌ صِفَةُ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ، وَالْأَصْلُ وَلَا يُجْزِئُ خُفٌّ مَنْسُوجٌ، وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَاسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ عَنْ ذِكْرِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: عَنْ ذِكْرِهِ) أَيْ ذِكْرِ قَوْلِهِ وَلَا بُدَّ فِي صِحَّتِهِ أَنْ يُسَمَّى خُفًّا.
(قَوْلُهُ: لَا بِقَصْدِ الْأَعْلَى إلَخْ) بِأَنْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
وَالْجَوَابُ فِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى
(قَوْلُهُ: لِمَعْنًى قَائِمٍ بِالْآلَةِ) فِي هَذَا الْفَرْقِ وَقْفَةٌ ظَاهِرَةٌ
(قَوْلُهُ: وَأَطْلَقَ الْفُقَهَاءُ أَنَّهُ خُفٌّ فَوْقَ خُفٍّ إلَخْ)