حِكَايَةُ وَجْهَيْنِ ثَانِيهِمَا الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُقِرِّ لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ لُزُومَ ذَلِكَ عِنْدَ تَلَفِ الْوَدِيعَةِ (قُلْت: فَإِذَا قَبِلْنَا التَّفْسِيرَ الْوَدِيعَةِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا أَمَانَةٌ فَتُقْبَلُ دَعْوَاهُ) وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ (التَّلَفَ) الْوَاقِعَ (بَعْدَ) تَفْسِيرِ (الْإِقْرَارِ) بِمَا ذُكِرَ (وَدَعْوَى الرَّدِّ) الْوَاقِعِ بَعْدَهُ أَيْضًا لِأَنَّ هَذَا شَأْنُ الْوَدِيعَةِ.
وَالثَّانِي أَنَّهَا تَكُونُ مَضْمُونَةً حَتَّى لَا تُقْبَلَ دَعْوَاهُ التَّلَفَ وَالرَّدَّ نَظَرًا إلَى قَوْلِهِ: عَلَيَّ الصَّادِقُ بِالتَّعَدِّي فِيهَا.
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِصِدْقِ وُجُوبِ حِفْظِهَا وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ الَّذِي هُوَ ظَرْفٌ لِلتَّلَفِ كَمَا تَقَرَّرَ مَا لَوْ قَالَ أَقْرَرْت بِهَا ظَانًّا بَقَاءَهَا ثُمَّ بَانَ لِي أَوْ ذَكَرْت تَلَفَهَا أَوْ إنِّي رَدَدْتهَا قَبْلَ الْإِقْرَارِ فَلَا يُقْبَلُ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ قَوْلَهُ عَلَيَّ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَجَرَى عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ. (وَإِنْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي أَوْ مَعِي أَلْفٌ صُدِّقَ) بِيَمِينِهِ (فِي دَعْوَى الْوَدِيعَةِ وَ) دَعْوَى (الرَّدِّ وَالتَّلَفِ) الْوَاقِعَيْنِ بَعْدَ تَفْسِيرِ الْإِقْرَارِ نَظِيرُ مَا تَقَرَّرَ فِي عَلَيَّ (قَطْعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) إذْ لَا إشْعَارَ لَعِنْدِي وَمَعِي بِذِمَّةٍ وَلَا ضَمَانٍ (وَلَوْ أَقَرَّ بِبَيْعٍ) مَثَلًا (أَوْ هِبَةٍ وَإِقْبَاضٍ) بَعْدَهَا (ثُمَّ قَالَ) وَلَوْ مُتَّصِلًا فَثُمَّ لِمُجَرَّدِ التَّرْتِيبِ (كَانَ) ذَلِكَ (فَاسِدًا وَأَقْرَرْت لِظَنِّي الصِّحَّةَ لَمْ يُقْبَلْ) لِأَنَّ الِاسْمَ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلِأَنَّ الْإِقْرَارَ يُرَادُ بِهِ الِالْتِزَامَ فَلَمْ يَشْمَلْ الْفَاسِدَ لِانْتِفَاءِ الِالْتِزَامِ فِيهِ.
نَعَمْ لَوْ كَانَ مَقْطُوعًا بِصِدْقِهِ بِمُقْتَضَى ظَاهِرِ الْحَالِ كَبَدَوِيٍّ جِلْفٍ فَالْأَوْجَهُ قَبُولُهُ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ وَإِقْبَاضٍ عَمَّا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْهِبَةِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُقِرًّا بِالْإِقْبَاضِ، فَلَوْ قَالَ: وَهَبْتُهُ لَهُ وَخَرَجَتْ إلَيْهِ مِنْهُ أَوْ وَمَلَكَهُ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ لِجَوَازِ إرَادَةِ الْخُرُوجِ إلَيْهِ مِنْهُ بِالْهِبَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْفَقِيهَ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ بِوَجْهٍ يَكُونُ فِي حَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ الِاعْتِرَافِ بِالْإِقْبَاضِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَمَحَلُّ مَا مَرَّ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ بِيَدِ الْمُقَرِّ لَهُ وَإِلَّا فَهُوَ إقْرَارٌ بِالْقَبْضِ (وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ) عَلَى نَفْيِ كَوْنِهِ فَاسِدًا لِإِمْكَانِ مَا يَدَّعِيهِ وَقَدْ تَخْفَى جِهَاتُ الْفَسَادِ عَلَيْهِ وَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ لِتَكْذِيبِهَا بِإِقْرَارِهِ السَّابِقِ (فَإِنْ نَكَلَ) عَنْ الْحَلِفِ (حَلَفَ الْمُقِرُّ) أَنَّهُ كَانَ فَاسِدًا وَحَكَمَ بِهِ (وَبَرِئَ) لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ وَتَعْبِيرُهُ بِبَرِئَ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ النِّزَاعُ فِي عَيْنٍ فَقَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ دَيْنٌ كَالثَّمَنِ فَغَلَبَ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُرِيدَ بِبَرِئَ بَطَلَ الَّذِي بِأَصْلِهِ.
وَأَجَابَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّ قَوْلَهُ: وَبَرِئَ أَيْ مِنْ الدَّعْوَى فَيَشْمَلُ حِينَئِذٍ الْعَيْنَ وَالدَّيْنَ فَلَا اعْتِرَاضَ حِينَئِذٍ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَانَ الشَّارِحُ قَدْ سَلَّمَ الِاعْتِرَاضَ.
(وَلَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ) مَثَلًا (لِزَيْدٍ بَلْ) أَوْ ثُمَّ وَالْفَاءُ هُنَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ مُتَّصِلًا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِفِي ذِمَّتِي وَدَيْنًا مَعْنَاهُمَا بَلْ أَرَادَ بِفِي ذِمَّتِي مَعْنَى جِهَتِي أَوْ قِبَلِي وَأَنَّ دَيْنًا مَعْنَاهُ كَالدَّيْنِ فِي لُزُومِ رَدِّهِ لِمَالِكِهِ (قَوْلُهُ: الْوَاقِعَيْنِ بَعْدَ تَفْسِيرِ الْإِقْرَارِ إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ أَضَافَ الْإِتْلَافَ أَوْ الرَّدَّ بَعْدَ التَّفْسِيرِ إلَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِقْرَارِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ كَمَا نَقَلَهُ سم عَلَى مَنْهَجِ عَنْ الشَّارِحِ، وَيُمْكِنُ جَعْلُ الْإِضَافَةِ فِي كَلَامِهِ بَيَانِيَّةً وَيَكُونُ التَّفْسِيرُ هُوَ نَفْسَ الْإِقْرَارِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ بَانَ لِي) قَدْ يَتَوَقَّفُ فِي عَدَمِ الْقَبُولُ فِي قَوْلِهِ بَانَ لِي تَلَفُهَا لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِأَنَّ إقْرَارَهُ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ بَقَائِهَا وَقَوْلُهُ أَوْ ذَكَرْت أَيْ تَذَكَّرْت. (قَوْلَهُ لَمْ يُقْبَلْ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِسُقُوطِ الْحَقِّ وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صَحِيحٌ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: لِجَوَازِ إرَادَةِ الْخُرُوجِ) أَيْ أَوْ الْمِلْكِ (قَوْلُهُ بِوَجْهٍ يَكُونُ) أَيْ خَرَجَتْ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ مَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ لَا يَكُونُ مُقِرًّا بِالْإِقْبَاضِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ إقْرَارٌ بِالْقَبْضِ) وَفِيهِ أَنَّ مُجَرَّدَ الْيَدِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ الْقَبْضِ عَنْ الْهِبَةِ بَلْ يَجُوزُ كَوْنُهُ فِي يَدِهِ عَارِيَّةً أَوْ غَصْبًا وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ بَعْدَ الْهِبَةِ فِي الْقَبْضِ عَنْهَا (قَوْلُهُ: وَحُكِمَ بِهِ) أَيْ الْفَسَادِ.
[حاشية الرشيدي]
كَعَلَيَّ أَلْفٌ وَدِيعَةٌ قُبِلَ (قَوْلُهُ: كَمَا تَقَرَّرَ) أَيْ بِقَوْلِهِ الْوَاقِعِ (قَوْلُهُ: لِجَوَازِ إرَادَةِ الْخُرُوجِ إلَيْهِ مِنْهُ بِالْهِبَةِ) أَيْ: أَوْ أَنَّهُ يَعْقِدُ الْمِلْكَ بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُرِيدَ بِ بَرِئَ بَطَلَ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: أَنْ يُرِيدَ بِ بَرِئَ غَايَةَ بَطَلَ انْتَهَتْ.
فَلَعَلَّ لَفْظَ غَايَةَ سَقَطَ مِنْ الشَّرْحِ مِنْ الْكَتَبَةِ، وَإِلَّا فَالْبَرَاءَةُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْبُطْلَانُ لِتَبَايُنِ مَفْهُومَيْهِمَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute