أَلْفٌ إلَّا شَيْئًا أَوْ عَكَسَ فَالْأَلْفُ وَالشَّيْءُ مُجْمَلَانِ فَلْيُفَسِّرْهُمَا مَعَ الِاجْتِنَابِ فِي تَفْسِيرِهِ لِمَا يَقَعُ بِهِ الِاسْتِغْرَاقُ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا دِرْهَمًا فَالْأَلْفُ مُجْمَلٌ فَلْيُفَسِّرْهُ بِمَا فَوْقَ الدِّرْهَمِ، فَلَوْ فَسَّرَهُ بِمَا قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ فَمَا دُونَهُ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ لَاغِيًا وَكَذَا التَّفْسِيرُ، وَلَوْ قَدَّمَ الْمُسْتَثْنَى عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ صَحَّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ أَوَّلَ كِتَابِ الْأَيْمَانِ.
(وَيَصِحُّ) الِاسْتِثْنَاءُ (مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ) وَهُوَ الْمُنْقَطِعُ (كَأَلْفِ) دِرْهَمٍ (إلَّا ثَوْبًا) لِوُرُودِهِ فِي الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ نَحْوُ {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلا سَلامًا} [مريم: ٦٢] وَنَحْوُ {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} [النساء: ١٥٧] (وَيُبَيِّنُ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ دُونَ أَلْفٍ) خَشْيَةَ الِاسْتِغْرَاقِ، فَإِنْ فَسَّرَهُ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ وَالتَّفْسِيرُ كَمَا مَرَّ (وَ) يَصِحُّ أَيْضًا (مِنْ الْمُعَيَّنِ كَهَذِهِ الدَّارُ لَهُ إلَّا هَذَا الْبَيْتَ أَوْ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ لَهُ إلَّا هَذَا الدِّرْهَمَ) أَوْ هَذَا الْقَطِيعُ لَهُ إلَّا هَذِهِ الشَّاةَ أَوْ الثَّوْبُ لَهُ إلَّا كُمَّهُ لِصِحَّةِ الْمَعْنَى فِيهِ إذْ هُوَ إخْرَاجٌ بِلَفْظٍ مُتَّصِلٍ فَأَشْبَهَ التَّخْصِيصَ (وَفِي الْمُعَيَّنِ وَجْهٍ شَاذٌّ) أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ إذْ الْإِقْرَارُ بِالْعَيْنِ يَتَضَمَّنُ مِلْكَ جَمِيعِهَا فَالِاسْتِثْنَاءُ يَكُونُ رُجُوعًا بِخِلَافِهِ فِي الدَّيْنِ.
قُلْت كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (لَوْلَا) (قَالَ: هَؤُلَاءِ الْعَبِيدُ لَهُ إلَّا وَاحِدًا) (قُبِلَ) وَالِاعْتِبَارُ بِالْجَهْلِ بِالْمُسْتَثْنَى كَمَا لَوْ قَالَ إلَّا شَيْئًا (وَرَجَعَ فِي الْبَيَانِ إلَيْهِ) لِكَوْنِهِ أَعْرَفَ بِمُرَادِهِ وَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ، فَإِنْ مَاتَ خَلَفَهُ وَارِثُهُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ (فَإِنْ مَاتُوا إلَّا وَاحِدًا وَزَعَمَ أَنَّهُ الْمُسْتَثْنَى صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) أَنَّهُ الَّذِي أَرَادَهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ (عَلَى الصَّحِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِاحْتِمَالِ مَا ادَّعَاهُ، وَالثَّانِي لَا يُصَدَّقُ لِلتُّهْمَةِ وَلَوْ قُتِلُوا قَتْلًا مُضَمَّنًا قُبِلَ قَطْعًا لِبَقَاءِ أَثَرِ الْإِقْرَارِ وَهُوَ الْقِيمَةُ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: غَصَبْتُهُمْ إلَّا وَاحِدًا فَمَاتُوا وَبَقِيَ وَاحِدٌ وَزَعَمَ أَنَّهُ الْمُسْتَثْنَى أَنَّهُ يُصَدَّقُ لِأَنَّ أَثَرَ الْإِقْرَارِ بَاقٍ وَهُوَ الضَّمَانُ، وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُ شَرِيكَيْنِ بِنِصْفِ الْأَلْفِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا لِثَالِثٍ تَعَيَّنَ مَا أَقَرَّ بِهِ فِي نَصِيبِهِ وَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ قَاعِدَةِ الْحَصْرِ وَالْإِشَاعَةِ وَلَا يُطْلَقُ فِيهَا تَرْجِيحٌ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَبْوَابِ، وَلَوْ أَقَرَّ لِوَرَثَةِ أَبِيهِ بِمَالٍ وَكَانَ هُوَ أَحَدَهُمْ لَمْ يَدْخُلْ إذْ الْمُتَكَلِّمُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ وَمَحَلِّهِ كَمَا قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَإِنْ نَصَّ عَلَى نَفْسِهِ دَخَلَ فِي الْأَوْجُهِ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي فَفِيهِ وَجْهَانِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَعَلَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ إقْرَارٌ وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَنَقَلَهُ الْهَرَوِيُّ عَنْ النَّصِّ كَمَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ قَالَ: غَصَبْت دَارِهِ وَلَوْ بِإِسْكَانِ الْهَاءِ ثُمَّ ادَّعَى دَارَةَ الشَّمْسِ أَوْ الْقَمَرِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إذْ غَصْبُ ذَلِكَ مُحَالٌ فَلَمْ يُقْبَلْ إرَادَتُهُ، وَلَوْ أَقَرَّ أَوْ أَوْصَى بِثِيَابِ بَدَنِهِ دَخَلَ فِيهِ كُلُّ مَا يَلْبَسُهُ وَلَوْ فَرْوَةً لَا الْخُفُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مُسَمَّى الثِّيَابِ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ) وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَهُ النَّوْعُ وَالصِّفَةُ (قَوْلُهُ: إلَّا هَذِهِ الشَّاةَ أَوْ الثَّوْبَ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ الشَّاةُ مِنْ نَوْعِ الْغَنَمِ الْمُعَيَّنَةِ وَصِفَتُهَا وَالْكَمُّ بِصِفَةٍ بَقِيَّةِ الثَّوْبِ وَلَيْسَ ثَمَّ مَنْ يَصْلُحُ نِسْبَةُ الْكَمِّ لَهُ مِنْ الْمُقَرِّ بِهِ إلَّا الْمُقَرُّ لَهُ (قَوْلُهُ: قَبْلَ) أَيْ تَفْسِيرِهِ (قَوْلُهُ: فِي نَصِيبِهِ) أَيْ الْخَمْسِمِائَةِ فَيَسْتَحِقُّهُ الْمُقَرُّ لَهُ.
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَكَذَا التَّفْسِيرُ) وَانْظُرْ هَلْ لَهُ أَنْ يُفَسِّرَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ؟
(قَوْلُهُ: وَزَعَمَ أَنَّهُ الْمُسْتَثْنَى أَنَّهُ يَصْدُقُ) أَيْ: قَطْعًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute