الِاسْتِقْرَارِ لَا يُنَافِي جَوَازَ التَّصَرُّفِ كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فِيمَا لَوْ أَجَّرَ دَارِهِ سِنِينَ وَقَبَضَ الْأُجْرَةَ فَحَكَمُوا بِالْمِلْكِ فِيهَا وَأَوْجَبُوا زَكَاتَهَا بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ عَلَى أَصَحِّ الطَّرِيقِينَ وَإِنْ كَانَ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ إلَّا زَكَاةَ مَا اسْتَقَرَّ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَكَمَا حَكَمُوا بِأَنَّ الزَّوْجَةَ تَمْلِكُ الصَّدَاقَ وَتَتَصَرَّفُ فِي جَمِيعِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَكَذَلِكَ فِي الْمُوصِي لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ إذَا أَجَّرَ الدَّارَ وَقَبَضَ أُجْرَتَهَا لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا وَيَرْجِعُ الْمُسْتَحِقُّ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ الْمُسَمَّاةِ فِي تَرِكَةِ الْقَابِضِ. وَقَضِيَّةُ مِلْكِهَا فِي الْحَالِ وَلَوْ مُؤَجَّلَةً صِحَّةُ الْإِبْرَاءِ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ لَا خِيَارَ فِيهَا فَكَانَ كَالْإِبْرَاءِ مِنْ الثَّمَنِ بَعْدَ لُزُومِهِ، بِخِلَافِهِ قَبْلَهُ لِأَنَّ زَمَنَ الْخِيَارِ كَزَمَنِ الْعَقْدِ فَكَأَنَّهُ بَاعَ بِلَا ثَمَنٍ.
(وَيُشْتَرَطُ) لِصِحَّةِ الْإِجَارَةِ (كَوْنُ الْأُجْرَةِ مَعْلُومَةً) جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً إنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ وَإِلَّا كَفَتْ مُشَاهَدَتُهَا فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ وَالذِّمَّةِ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ فِي الثَّمَنِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ تَشْبِيهِهَا بِالثَّمَنِ أَنَّهَا لَوْ حَلَّتْ وَقَدْ تَغَيَّرَ النَّقْدُ وَجَبَ مِنْ نَقْدِ يَوْمِ الْعَقْدِ لَا يَوْمِ تَمَامِ الْعَمَلِ وَلَوْ فِي الْجَعَالَةِ، إذْ الْعِبْرَةُ فِي الْأُجْرَةِ حَيْثُ كَانَتْ نَقْدًا بِنَقْدِ بَلَدِ الْعَقْدِ وَقْتُهُ، فَإِنْ كَانَتْ بِبَادِيَةٍ اُعْتُبِرَ أَقْرَبُ الْبِلَادِ إلَيْهَا كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ. وَالْعِبْرَةُ فِي أُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي الْفَاسِدَةِ بِمَوْضِعِ إتْلَافِ الْمَنْفَعَةِ نَقْدًا وَوَزْنًا، وَجَوَازُ الْحَجِّ بِالرِّزْقِ مُسْتَثْنًى تَوْسِعَةً فِي تَحْصِيلِ الْعِبَادَةِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِإِجَارَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ كَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ خِلَافًا لِلْوَلِيِّ الْعِرَاقِيِّ، بَلْ هُوَ نَوْعٌ مِنْ التَّرَاضِي وَالْمَعُونَةِ فَهُوَ جَعَالَةٌ اُغْتُفِرَ فِيهَا الْجَهْلُ بِالْجُعْلِ كَمَسْأَلَةِ الْعِلْجِ (فَلَا تَصِحُّ) إجَارَةٌ لِدَارٍ (بِالْعِمَارَةِ) لَهَا (وَ) لَا لِدَابَّةٍ بِصَرْفٍ أَوْ بِفِعْلِ (الْعَلَفِ) لَهَا بِفَتْحِ اللَّامِ الْمَعْلُوفِ بِهِ وَبِإِسْكَانِهَا كَمَا بِخَطِّهِ الْمَصْدَرُ لِلْجَهْلِ بِهِمَا وَإِنْ كَانَ عَيْنًا كَآجَرْتُكَهَا بِدِينَارٍ عَلَى أَنَّ تَصَرُّفَهُ فِي عِمَارَتِهَا أَوْ عَلَفِهَا لِلْجَهْلِ بِالصَّرْفِ فَتَصِيرُ الْأُجْرَةُ مَجْهُولَةً، فَإِنْ صَرَفَ وَقَصَدَ الرُّجُوعَ بِهِ رَجَعَ وَإِلَّا فَلَا، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْجَهْلِ جَرَى
ــ
[حاشية الشبراملسي]
كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ وَشَرَطَ لَهُ النَّظَرَ مُدَّةَ اسْتِحْقَاقِهِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ وَإِلَّا فَكَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: فَحَكَمُوا بِالْمِلْكِ فِيهَا) أَيْ الْأُجْرَةِ (قَوْلُهُ: وَأَوْجَبُوا زَكَاتَهَا) أَيْ زَكَاةَ جَمِيعِ الْأُجْرَةِ (قَوْلُهُ: وَيَرْجِعُ الْمُسْتَحِقُّ) وَهُوَ مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ الْوَقْفُ (قَوْلُهُ: فِي تَرِكَةِ الْقَابِضِ) أَيْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَرِكَةٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى النَّاظِرِ كَمَا يَأْتِي بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي فَصْلٍ لَا تَنْفَسِخُ إجَارَةٌ إلَخْ وَلَا بِمَوْتِ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ إلَخْ (قَوْلُهُ صِحَّةُ الْإِبْرَاءِ) هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقَوْلُهُ مِنْهَا: أَيْ الْأُجْرَةُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا خِيَارَ فِيهَا إلَخْ) أَيْ عَلَى الرَّاجِحِ. وَقَضِيَّةُ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ فِيهَا لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْهَا (قَوْلُهُ: بَعْدَ لُزُومِهِ) أَيْ الْعَقْدِ، وَقَوْلُهُ قَبْلَهُ: أَيْ اللُّزُومِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ فِي الْجَعَالَةِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَكَالْأُجْرَةِ الْجَعَالَةُ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ غَايَةً لِلْإِجَارَةِ (قَوْلُهُ: اُعْتُبِرَ أَقْرَبُ الْبِلَادِ إلَيْهَا) أَيْ فَلَوْ اسْتَوَى إلَيْهَا مَحَلَّانِ وَاخْتَلَفَ نَقْدَاهُمَا اشْتَرَطَ تَعْيِينَ نَقْدِ أَحَدِهِمَا كَمَا فِي الْبَيْعِ بِبَلَدٍ بِهَا نَقْدَانِ لَمْ يَغْلِبْ أَحَدُهُمَا (قَوْلُهُ: فَلَا تَصِحُّ إجَارَةٌ لِدَارٍ بِالْعِمَارَةِ) أَيْ حَيْثُ كَانَتْ الْعِمَارَةُ مَجْهُولَةً لِمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ فَإِنْ عُيِّنَتْ إلَخْ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ) غَايَةٌ إلَى مَا عَقَدَ عَلَيْهِ مِنْ الْأُجْرَةِ بِهِ، وَقَوْلُهُ عَيْنًا: أَيْ مَعْلُومًا (قَوْلُهُ: فَإِنْ صَرَفَ وَقَصَدَ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الرُّجُوعِ بِمَا صَرَفَهُ عِنْدَ نِيَّتِهِ بَيْنَ كَوْنِ الْآذِنِ مَالِكًا أَوْ غَيْرَهُ كَوَلِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَنَاظِرِ الْوَقْفِ. وَقَدْ يُقَالُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ الْمَالِكِ نَظَرًا لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ الْإِذْنُ الْمَذْكُورُ بَلْ حَقُّهُ أَنْ يُبَاشِرَ بِنَفْسِهِ فَإِذْنُهُ لَاغٍ، لَكِنَّهُ إنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِذَلِكَ اُحْتُمِلَ الِاكْتِفَاءُ بِهِ فَلْيُرَاجَعْ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ رُجُوعُهُ عَلَى إشْهَادٍ وَهُوَ قَرِيبٌ. هَذَا
[حاشية الرشيدي]
رَبَطَهَا بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ أَوْ قَالَ فِي ذِمَّتِي أَوْ أَطْلَقَ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ فِي الْجَعَالَةِ) الْأَوْلَى كَالْجَعَالَةِ (قَوْلُهُ: لِلْجَهْلِ بِالصَّرْفِ) أَيْ الْعَمَلِ، وَقَوْلُهُ: فَتَصِيرُ الْأُجْرَةُ مَجْهُولَةً: أَيْ؛ لِأَنَّهَا مَجْمُوعُ الدِّينَارِ وَالصَّرْفِ.
وَالْمَجْهُولُ إذَا انْضَمَّ إلَى مَعْلُومٍ صَيَّرَهُ مَجْهُولًا (قَوْلُهُ: فَإِنْ صُرِفَ وَفَقَدَ الرُّجُوعَ بِهِ رَجَعَ) أَيْ بِالْمَصْرُوفِ وَبِأُجْرَةِ عَمَلِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute