الْمَنْهِيِّ عَنْ إضَاعَتِهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّعَبُّدِ إلَّا لِدَلِيلٍ، وَأَنَّ الطَّهَارَةَ تُسْتَعْمَلُ إمَّا عَنْ حَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ، وَلَا حَدَثَ عَلَى الْإِنَاءِ فَتَعَيَّنَ طَهَارَةُ الْخَبَثِ فَثَبَتَتْ نَجَاسَةُ فَمِهِ وَهُوَ أَطْيَبُ أَجْزَائِهِ، بَلْ هُوَ أَطْيَبُ الْحَيَوَانِ نَكْهَةً لِكَثْرَةِ مَا يَلْهَثُ، فَبَقِيَّتُهَا أَوْلَى وَإِرَاقَةُ مَا وَلَغَ فِيهِ وَاجِبَةٌ إنْ أُرِيدَ اسْتِعْمَالُ الْإِنَاءِ، وَإِلَّا فَمُسْتَحَبَّةٌ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ إلَّا الْخَمْرَةَ غَيْرَ الْمُحْتَرَمَةِ فَتَجِبُ إرَاقَتُهَا فَوْرًا لِطَلَبِ النَّفْسِ تَنَاوُلَهَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ أَلْفَاظَ الشَّرْعِ إذَا دَارَتْ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ حُمِلَتْ عَلَى الثَّانِي، إلَّا إذَا قَامَ دَلِيلٌ.
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْغَسْلَ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ لِأَنَّهُ رِجْسٌ، وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُهُ، وَلِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُعِيَ إلَى دَارٍ فَلَمْ يُجِبْ، وَإِلَى أُخْرَى فَأَجَابَ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: فِي دَارِ فُلَانٍ كَلْبٌ، قِيلَ وَفِي دَارِ فُلَانٍ هِرَّةٌ، فَقَالَ: إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ»
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: عَدَمُ التَّعَبُّدِ) أَيْ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي وَالْأَوَّلِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَأَنَّ الطَّهَارَةَ تُسْتَعْمَلُ) أَيْ وَالْأَصْلُ أَنَّ الطَّهَارَةَ، وَاحْتَرَزَ بِالْأَصْلِ بِالنِّسْبَةِ لَهَا عَنْ غَسْلِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ لِلتَّكَرُّمَةِ وَلَيْسَ عَنْ حَدَثٍ وَلَا خَبَثٍ، وَمِنْهُ يُعْلَمُ دَفْعُ النَّظَرِ الْآتِي عَنْ الزِّيَادِيِّ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا عُطِفَ عَلَى الْأَصْلِ أَوْ جُعِلَ مُسْتَأْنَفًا، وَحَيْثُ عُطِفَ عَلَى عَدَمِ التَّعَبُّدِ لَمْ يَرِدْ (قَوْلُهُ: إمَّا عَنْ حَدَثٍ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ قَدْ لَا تَكُونُ عَنْ حَدَثٍ وَلَا نَجَسٍ كَمَا فِي غَسْلِ الْمَيِّتِ زِيَادِيٌّ (قَوْلُهُ: أَطْيَبُ الْحَيَوَانِ نَكْهَةً) أَيْ حَتَّى مِنْ الْآدَمِيِّ (قَوْلُهُ: فَبَقِيَّتُهَا أَوْلَى) قِيلَ قَدْ تُمْنَعُ الْأَوْلَوِيَّةُ بَلْ وَالْمُسَاوَاةُ بِأَنَّ فَمَهُ يُخَالِطُ النَّجَاسَةَ كَثِيرًا لِتَنَاوُلِهِ إيَّاهَا، وَلَا كَذَلِكَ بَقِيَّةُ أَجْزَائِهِ فَإِنَّهَا قَدْ لَا تُلَاقِي نَجَاسَةً أَلْبَتَّةَ أَوْ تَقِلُّ مُلَاقَاتُهَا لَهَا.
وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ أَجْزَائِهِ فَضَلَاتُهُ كَالْبَوْلِ وَالرَّوْثِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ اسْتِقْذَارَهَا أَشَدُّ مِنْ اسْتِقْذَارِ فَمِهِ وَإِنْ كَانَ مُلَاقِيًا لِلنَّجَاسَةِ كَثِيرًا، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ مُلَاقَاةُ فَمِهِ لِلنَّجَاسَةِ لَقِيلَ بِنَجَاسَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْوُحُوشِ الَّتِي لَا تَتَنَاوَلُ إلَّا ذَلِكَ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ كَثِيرًا، فَتَنْجِيسُ الشَّارِعِ لِفَمِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نَجَاسَتَهُ لِمَعْنًى فِيهِ مَعَ اتِّصَافِهِ بِطِيبِ النَّكْهَةِ الْمُوجِبِ لِتَرَجُّحِ فَمِهِ عَلَى بَقِيَّةِ أَجْزَائِهِ حَتَّى نَحْوِ ظَهْرِهِ وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِثُبُوتِ النَّجَاسَةِ فِي بَقِيَّةِ أَجْزَائِهِ بِالْأَوْلَى.
[فَرْعٌ] قَالَ سم عَلَى حَجّ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَالِكِيَّ الَّذِي أَصَابَهُ مُغَلَّظٌ وَلَمْ يُسَبِّعْهُ مَعَ التُّرَابِ يَجُوزُ لَهُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ عَمَلًا بِاعْتِقَادِهِ، لَكِنْ هَلْ لِلْحَاكِمِ مَنْعُهُ لِتَضَرُّرِ غَيْرِهِ بِدُخُولِهِ حَيْثُ يَتَلَوَّثُ الْمَسْجِدُ مِنْهُ؟ فِيهِ نَظَرٌ اهـ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
أَقُولُ: الْأَقْرَبُ لَا يَمْنَعُهُ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ مَا وَقَعَ بِتَقْلِيدٍ صَحِيحٍ لَا يُعْتَرَضُ مِنْ الْحَاكِمِ عَلَى صَاحِبِهِ وَأَنَّ دَعْوَةَ الْحِسْبَةِ لَا تَدْخُلُ فِي الْأُمُورِ الِاجْتِهَادِيَّةِ.
وَقَدْ يُقَالُ: يُحْتَمَلُ أَنَّ مَحِلَّ ذَاكَ فِيمَا ضَرَرُهُ قَاصِرٌ عَلَى الْمُقَلِّدِ كَمَا لَوْ مَسَّ فَرْجَهُ ثُمَّ صَلَّى لَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ، أَمَّا مَا يَتَعَدَّى ضَرَرُهُ إلَى غَيْرِ الْمُقَلِّدِ كَمَا هُنَا فَلَا مَانِعَ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ مَنْعُهُ.
وَنُقِلَ عَنْ فَتَاوَى حَجّ أَنَّ لَهُ مَنْعَهُ حَيْثُ خِيفَ التَّلْوِيثُ، وَيُوَجَّهُ مَا أَفْتَى بِهِ بِأَنَّ عَدَمَ مَنْعِهِ يُلْزِمُ عَلَيْهِ إفْسَادَ عِبَادَةِ غَيْرِهِ اهـ.
وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِالِاحْتِمَالِ الثَّانِي وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ) وَلَوْ مِنْ مُغَلَّظٍ، وَمَحَلُّهُ حَيْثُ لَمْ تَدْعُ حَاجَةٌ إلَى اسْتِعْمَالِهَا كَاحْتِيَاجِهِ إلَى السِّرْجِينِ (قَوْلُهُ: فَتَجِبُ إرَاقَتُهَا فَوْرًا لِطَلَبِ النَّفْسِ تَنَاوُلَهَا) هَذَا مَوْجُودٌ فِي الْمُحْتَرَمَةِ فَيُزَادُ لِإِخْرَاجِهَا مِنْ غَيْرِ دَاعٍ لِبَقَائِهَا سم عَلَى شَرْحِ الْبَهْجَةِ (قَوْلُهُ: حُمِلَتْ عَلَى الثَّانِي) أَيْ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
فِي ذِكْرِ الْمَاءِ، وَإِلَّا فَاَلَّذِي فِي الْخَبَرَيْنِ أَعَمُّ (قَوْلُهُ: وَاعْلَمْ أَنَّ أَلْفَاظَ الشَّرْعِ إلَخْ) تَوْطِئَةٌ لِمَا يَأْتِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (قَوْلُهُ: حُمِلَتْ عَلَى الثَّانِي) ، وَهُوَ هُنَا حَمْلُ الرِّجْسِ عَلَى خُصُوصِ النَّجِسِ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ كُلَّ مُسْتَقْذَرٍ