لِأَحَدٍ أَخْذُ أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ بِرِضَاهُ قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَخْذِ الْأَكْثَرِ مِنْ الْبُقْعَةِ لَا النِّيلِ إذْ لَهُ أَخْذُ الْأَكْثَرِ مِنْهُ، وَلَا فَرْقَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَيْنَ أَخْذِ أَحَدِهِمَا لِلتِّجَارَةِ وَالْآخَرِ لِلْحَاجَةِ أَوْ لَا.
نَعَمْ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالْآخَرُ ذِمِّيًّا قُدِّمَ الْمُسْلِمُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي نَظِيرِ مَا مَرَّ فِي مَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ يَجْتَهِدُ الْإِمَامُ وَيُقَدِّمُ مَنْ يَرَاهُ أَحْوَجَ، وَقِيلَ يَنْصِبُ مَنْ يَقْسِمُ الْحَاصِلَ بَيْنَهُمَا (وَالْمَعْدِنُ الْبَاطِنُ وَهُوَ مَا لَا يَخْرُجُ إلَّا بِعِلَاجٍ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ) وَرَصَاصٍ وَفَيْرُوزَجَ وَعَقِيقٍ وَسَائِرِ الْجَوَاهِرِ الْمَبْثُوثَةِ فِي الْأَرْضِ، وَعَدَّ فِي التَّنْبِيهِ الْيَاقُوتَ مِنْ الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ، وَجَرَى عَلَيْهِ الدَّمِيرِيُ، وَالْمَجْزُومُ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّهُ مِنْ الْبَاطِنَةِ (لَا يُمْلَكُ) مَحِلُّهُ (بِالْحَفْرِ وَالْعَمَلِ) مُطْلَقًا وَلَا بِالْإِحْيَاءِ فِي مَوَاتٍ عَلَى مَا يَأْتِي (فِي الْأَظْهَرِ كَالظَّاهِرِ) .
وَالثَّانِي يُمْلَكُ بِذَلِكَ إذَا قُصِدَ التَّمَلُّكُ كَالْمَوَاتِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْمَوَاتَ يُمْلَكُ بِالْعِمَارَةِ وَحَفْرُ الْمَعْدِنِ تَخْرِيبٌ، وَلِأَنَّ الْمَوَاتَ إذَا مُلِكَ يَسْتَغْنِي الْمُحْيِي عَنْ الْعَمَلِ وَالنِّيلُ مَبْثُوثٌ فِي طَبَقَاتِ الْأَرْضِ يَحُوجُ كُلَّ يَوْمٍ إلَى حَفْرٍ وَعَمَلٍ وَخَرَجَ بِمَحِلِّهِ نِيلُهُ فَيُمْلَكُ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ بِالْأَخْذِ قَطْعًا لَا قَبْلَ الْأَخْذِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَأَفْهَمَ سُكُوتُهُ هُنَا عَنْ الْإِقْطَاعِ جَوَازَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِرْفَاقِ لَا لِلتَّمَلُّكِ.
نَعَمْ لَا يَثْبُتُ فِيهِ اخْتِصَاصٌ بِتَحَجُّرٍ كَالظَّاهِرِ.
(وَمَنْ أَحْيَا مَوَاتًا فَظَهَرَ فِيهِ مَعْدِنٌ بَاطِنٌ مَلَكَهُ) بُقْعَةً وَنِيلًا لِكَوْنِهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ بِالْإِحْيَاءِ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ هُنَا بِخِلَافِ الرِّكَازِ لَيْسَ فِي مَحِلِّهِ وَمَعَ مِلْكِهِ لِلْبُقْعَةِ يَمْلِكُ مَا فِيهَا قَبْلَ أَخْذِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ السُّبْكِيّ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ خِلَافًا لِلْجَوْجَرِيِّ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ فَظَهَرَ الْمُشْعِرُ بِعَدَمِ عِلْمِهِ بِهِ حَالَ إحْيَائِهِ مَا لَوْ عَلِمَهُ وَبَنَى عَلَيْهِ دَارًا مَثَلًا فَلَا يَمْلِكُ شَيْئًا فِي أَرْجَحِ الطَّرِيقَيْنِ لِفَسَادِ الْقَصْدِ خِلَافًا لِمَا فِي الْكِفَايَةِ، وَخَرَجَ بِالظَّاهِرِ الْبَاطِنُ فَلَا يَمْلِكُهُ بِالْإِحْيَاءِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ إنْ عَلِمَهُ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ مَلَكَهُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَعْدِنَيْنِ حُكْمُهُمَا وَاحِدٌ وَبُقْعَتُهُمَا لَا يَمْلِكُهَا بِالْإِحْيَاءِ مَعَ عِلْمِهِ، إذْ الْمَعْدِنُ لَا يُتَّخَذُ دَارًا وَلَا مَزْرَعَةً وَلَا بُسْتَانًا، وَتَخْصِيصُ الْمُصَنِّفِ الْمَعْدِنَ بِالذِّكْرِ لِكَوْنِ الْكَلَامِ فِيهِ، وَإِلَّا فَمَنْ مَلَكَ أَرْضًا مَلَكَ طَبَقَاتِهَا حَتَّى الْأَرْضَ السَّابِعَةَ.
(وَالْمِيَاهُ الْمُبَاحَةُ) بِأَنْ لَمْ تُمْلَكْ (مِنْ الْأَوْدِيَةِ) كَالنِّيلِ وَالْفُرَاتِ وَدِجْلَةَ (وَالْعُيُونِ) الْكَائِنَةِ (فِي الْجِبَالِ)
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مُسْلِمًا قُدِّمَ كَمَا مَرَّ، وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ) هِيَ لِلْقَمُولِيِّ (قَوْلُهُ: قُدِّمَ الْمُسْلِمُ) أَيْ وَإِنَّ اشْتَدَّتْ حَاجَةُ الذِّمِّيِّ لِأَنَّ ارْتِفَاقَهُ إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ التَّبَعِ لَنَا (قَوْلُهُ: وَعَدَّ فِي التَّنْبِيهِ الْيَاقُوتَ إلَخْ) حَمَلَ سم عَلَى حَجّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ مِنْ الظَّاهِرِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَحْجَارُهُ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ مِنْ الْبَاطِنِ عَلَى نَفْسِ الْيَاقُوتِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَالْعَمَلُ) هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْحَفْرِ (قَوْلُهُ: بِالنِّسْبَةِ لِلْإِرْفَاقِ) لَا يُنَافِي هَذَا مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ نَفْيُ إقْطَاعِ التَّمَلُّكِ وَالِارْتِفَاقِ وَهُوَ كَذَلِكَ إلَخْ، لِأَنَّ ذَاكَ فِي الظَّاهِرِ وَهَذَا فِي الْبَاطِنِ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَا هُنَا لَمَّا كَانَ يُحْوِجُ إلَى تَعَبٍ لَمْ يَكُنْ كَالْحَاصِلِ فَجَازَ إقْطَاعُهُ لِلْإِرْفَاقِ بِخِلَافِ الظَّاهِرِ
(قَوْلُهُ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ) أَيْ حَجّ (قَوْلُهُ: يَمْلِكُ مَا فِيهَا قَبْلَ أَخْذِهِ) خِلَافًا لِحَجِّ (قَوْلُهُ فَلَا يَمْلِكُ شَيْئًا) أَيْ وَيَلْزَمُ بِإِزَالَةِ الْبِنَاءِ إنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَنْعُ مَنْ يُرِيدُ الْأَخْذَ (قَوْلُهُ: فِي أَرْجَحِ الطَّرِيقَيْنِ) خِلَافًا لِحَجِّ (قَوْلُهُ: لِفَسَادِ الْقَصْدِ) وَهُوَ حِرْمَانُ غَيْرِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ
(قَوْلُهُ: وَالْمِيَاهُ الْمُبَاحَةُ إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ: وَهِيَ أَيْ الْمِيَاهُ قِسْمَانِ: مُخْتَصَّةٌ، وَغَيْرُهَا، فَغَيْرُ الْمُخْتَصَّةِ كَالْأَوْدِيَةِ وَالْأَنْهَارِ فَالنَّاسُ فِيهَا سَوَاءٌ، ثُمَّ قَالَ: فَرْعٌ: وَعِمَارَةُ هَذِهِ الْأَنْهَارِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَلِكُلٍّ: أَيْ مِنْ النَّاسِ بِنَاءُ قَنْطَرَةٍ وَرَحًى عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ فِي مَوَاتٍ أَوْ فِي مِلْكِهِ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْعُمْرَانِ فَالْقَنْطَرَةُ كَحَفْرِ الْبِئْرِ لِلْمُسْلِمِينَ فِي الشَّارِعِ، وَالرَّحَى
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْمَوَاتَ إذَا مُلِكَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْقُوتِ: وَلِأَنَّ الْمَوَاتَ إذَا مُلِكَ لَا يَحْتَاجُ فِي تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ إلَى مِثْلِ الْعَمَلِ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الْمَعْدِنِ
(قَوْلُهُ: فَلَا يَمْلِكُ شَيْئًا فِي أَرْجَحِ الطَّرِيقَيْنِ) أَيْ: لَا مِنْ الْبُقْعَةِ لِمَا يَأْتِي، وَلَا مِنْ النِّيلِ كَمَا يُعْلَمُ