شَرْطُهُ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ وَلَوْ بِمُقَابِلٍ إنْ كَانَ بِقَدْرِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَأَقَلَّ كَمَا قَيَّدَهُ بِذَلِكَ ابْنُ الصَّلَاحِ.
وَمِنْ الْحِيَلِ فِي الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ أَنْ يَقِفَ عَلَى أَوْلَادِ أَبِيهِ وَيَذْكُرَ صِفَاتِ نَفْسِهِ فَيَصِحَّ كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَعَمِلَ بِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَوَقَفَ عَلَى الْأَفْقَهِ مِنْ بَنِي الرِّفْعَةِ وَكَانَ يَتَنَاوَلُهُ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ، وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ وَالْخُوَارِزْمِيّ فَأَبْطَلُوهُ إنْ انْحَصَرَتْ الصِّفَةُ فِيهِ وَإِلَّا صَحَّ، قَالَ: وَهُوَ أَقْرَبُ لِبُعْدِهِ عَنْ قَصْدِ الْجِهَةِ وَأَنْ يُؤَجِّرَهُ مُدَّةً طَوِيلَةً ثُمَّ يَقِفَهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ مَثَلًا ثُمَّ يَتَصَرَّفَ فِي الْأُجْرَةِ أَوْ يَسْتَأْجِرَهُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَهُوَ الْأَحْوَطُ لِيَنْفَرِدَ بِالْيَدِ وَيَأْمَنَ خَطَرَ الدَّيْنِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَأَنْ يَسْتَحِكُمْ فِيهِ مَنْ يَرَاهُ، وَلَوْ أَقَرَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى جِهَاتٍ مُفَصَّلَةٍ بِأَنَّ حَاكِمًا يَرَاهُ حُكِمَ بِهِ وَبِلُزُومِهِ وَآخَذْنَاهُ بِإِقْرَارِهِ وَنُقِضَ الْوَقْفُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ الْبُرْهَانُ الْمَرَاغِيَّ، وَالْأَوْجَهُ مَا أَفْتَى بِهِ التَّاجُ الْفَزَارِيّ مِنْ قَبُولِ إقْرَارِهِ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ يَتَلَقَّى مِنْهُ، كَمَا لَوْ قَالَ هَذَا وَقْفٌ عَلَيَّ وَسَيَأْتِي مَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِذَلِكَ، وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ وَتَبِعَهُ جَمْعٌ بِأَنَّ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ لَا يَمْنَعُ الشَّافِعِيَّ بَاطِنًا مِنْ بَيْعِهِ وَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ فِيهِ، قَالَ: لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يَمْنَعُ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا مَنَعَ مِنْهُ فِي الظَّاهِرِ سِيَاسَةً شَرْعِيَّةً، وَيَلْحَقُ بِهَذَا مَا فِي مَعْنَاهُ، لَكِنْ رَدَّهُ جَمْعٌ بِأَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى مَرْجُوحٍ وَهُوَ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَحِلِّ اخْتِلَافِ الْمُجْتَهِدِينَ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ تَعْلِيلُهُ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي مَوَاضِعِ نُفُوذِهِ بَاطِنًا، وَلَا مَعْنَى لَهُ إلَّا تَرَتُّبَ الْآثَارِ عَلَيْهِ مِنْ حِلٍّ وَحُرْمَةٍ وَنَحْوِهِمَا.
وَصَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ بِرَفْعِ الْخِلَافِ وَيَصِيرُ الْأَمْرُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ
(وَإِنْ) (وَقَفَ) مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ (عَلَى جِهَةِ مَعْصِيَةٍ كَعِمَارَةِ) نَحْوِ (الْكَنَائِسِ) الْمَقْصُودَةِ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: بِقَدْرِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ) أَيْ أَمَّا إنْ شَرَطَ النَّظَرَ لِغَيْرِهِ وَجَعَلَ لِلنَّاظِرِ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لَمْ يَمْتَنِعْ كَمَا يَأْتِي بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ فَوَّضَ إلَيْهِ هَذِهِ الْأُمُورَ (قَوْلُهُ: وَكَأَنَّ) أَيْ ابْنَ الرِّفْعَةِ، وَقَوْلَهُ يَتَنَاوَلُهُ: أَيْ يَأْخُذُ غَلَّتَهُ (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَتَصَرَّفُ فِي الْأُجْرَةِ) وَلَوْ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ بَعْدَ الْوَقْفِ عَادَتْ الْمَنَافِعُ لِلْوَاقِفِ كَمَا تَقَدَّمَ لِلشَّارِحِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي الْإِجَارَةِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى سَيِّدِهِ بِأُجْرَةِ مَا بَعْدَ الْعِتْقِ (قَوْلُهُ: مَنْ يَرَاهُ) أَيْ الْوَقْفَ عَلَى النَّفْسِ كَالْحَنَفِيِّ (قَوْلُهُ: وَعَلَى مَنْ يَتَلَقَّى) أَيْ فَلَا يَبْطُلُ فِي حَقِّهِ وَلَا حَقِّ مَنْ يَتَلَقَّى مِنْهُ (قَوْلُهُ وَسَيَأْتِي) قَالَ حَجّ قَبِيلَ الْفَصْلِ اهـ (قَوْلُهُ بِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ) أَيْ وَلَوْ حَاكِمَ ضَرُورَةٍ.
وَمَحِلُّ ذَلِكَ كُلِّهِ حَيْثُ صَدَرَ حُكْمٌ صَحِيحٌ مَبْنِيٌّ عَلَى دَعْوَى وَجَوَابٍ.
أَمَّا لَوْ قَالَ الْحَاكِمُ الْحَنَفِيُّ مَثَلًا حَكَمْت بِصِحَّةِ الْوَقْفِ وَبِمُوجِبِهِ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ دَعْوَى فِي ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ حُكْمًا بَلْ هُوَ إفْتَاءٌ مُجَرَّدٌ وَهُوَ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ فَكَأَنْ لَا حُكْمَ فَيَجُوزُ لِلشَّافِعِيِّ بَيْعُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ
(قَوْلُهُ: عَلَى جِهَةِ مَعْصِيَةٍ) اُنْظُرْ هَلْ الْعِبْرَةُ بِعَقِيدَةِ الْوَاقِفِ أَوْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوْ بِعَقِيدَتِهِمَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعَقِيدَةِ الْوَاقِفِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ لِلْفِعْلِ فَتُعْتَبَرُ عَقِيدَتُهُ، وَبَقِيَ مَا لَوْ أَطْلَقَ الْوَقْفَ عَلَى الْكَنَائِسِ فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى مَا تَنْزِلُهُ الْمَارَّةُ فَيَصِحُّ أَوْ عَلَى مَا لِلتَّعَبُّدِ فَيَبْطُلُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي، ثُمَّ رَأَيْت فِي حَاشِيَةِ التَّحْرِيرِ لِشَيْخِنَا الشَّوْبَرِيِّ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ عَلَى عِمَارَةِ الْكَنَائِسِ لَوْ أَطْلَقَ الْوَقْفَ عَلَى الْكَنَائِسِ فَهَلْ يَبْطُلُ، أَفْتَى شَيْخُنَا صَالِحٌ بِالْبُطْلَانِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْوَقْفِ عَلَيْهَا الْوَقْفُ عَلَى مَصَالِحِهَا الْمَمْنُوعِ وَهُوَ مَا كَانَ يَظْهَرُ اهـ (قَوْلُهُ نَحْوَ الْكَنَائِسِ) وَصَرِيحُ مَا ذَكَرَ أَنَّ هَذَا إذَا صَدَرَ مِنْ مُسْلِمٍ يَكُونُ مَعْصِيَةً فَقَطْ وَلَا يَكْفُرُ بِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ فَعَلَ أَمْرًا مُحَرَّمًا لَا يَتَضَمَّنُ قَطْعَ الْإِسْلَامِ، لَكِنْ نَقَلَ بِالدَّرْسِ عَنْ شَيْخِنَا الشَّوْبَرِيِّ أَنَّ عِمَارَةَ الْكَنِيسَةِ مِنْ الْمُسْلِمِ كُفْرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ تَعْظِيمٌ لِغَيْرِ الْإِسْلَامِ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى
[حاشية الرشيدي]
الْمُضَحَّى عَنْهُ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ بِقَدْرِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَأَقَلَّ) أَيْ: وَإِلَّا بَطَلَ الْوَقْفُ، كَذَا فِي بَعْضِ الْهَوَامِشِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَقْرَبُ) لَعَلَّهُ سَقَطَ قَبْلَ لَفْظِ قَالَ السُّبْكِيُّ إذْ هُوَ كَذَلِكَ فِي التُّحْفَةِ، وَإِلَّا فَقَدْ اسْتَوْجَهَ هُوَ الصِّحَّةَ. (قَوْلُهُ: لِبُعْدِهِ عَنْ قَصْدِ الْجِهَةِ) تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَ قَوْلِهِ وَإِلَّا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى مَنْ يَتَلَقَّى مِنْهُ) اُنْظُرْ هَلْ الْمُرَادُ مَنْ يَتَلَقَّى مِنْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute