وَلَوْ حَصَرَهُمْ كَأَغْنِيَاءِ أَقَارِبِهِ صَحَّ جَزْمًا كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ، وَالْغَنِيُّ هُنَا مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، قَالَهُ الزَّبِيلِيُّ، وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ اعْتِبَارَ الْعُرْفِ ثُمَّ تَشَكَّكَ فِيهِ
(وَلَا يَصِحُّ) الْوَقْفُ مِنْ نَاطِقٍ لَا يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ (إلَّا بِلَفْظٍ) وَلَا يَأْتِي فِيهِ خِلَافُ الْمُعَاطَاةِ وَفَارَقَ نَحْوَ الْبَيْعِ بِأَنَّهَا عُهِدَتْ فِيهِ جَاهِلِيَّةٌ فَأَمْكَنَ تَنْزِيلُ النَّصِّ عَلَيْهَا، وَلَا كَذَلِكَ الْوَقْفُ، فَلَوْ بَنَى بِنَاءً عَلَى هَيْئَةِ مَسْجِدٍ أَوْ مَقْبَرَةٍ وَأَذِنَ فِي إقَامَةِ الصَّلَاةِ أَوْ الدَّفْنِ فِيهِ لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ مِلْكِهِ. نَعَمْ بِنَاءُ الْمَسْجِدِ فِي الْمَوَاتِ تَكْفِي النِّيَّةُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إخْرَاجُ الْأَرْضِ الْمَقْصُودَةِ بِالذَّاتِ عَنْ مِلْكِهِ لَا حَقِيقَةً وَلَا تَقْدِيرًا حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى لَفْظٍ قَوِيٍّ يُخْرِجُهُ عَنْهُ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ، وَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ الْآلَةِ بِاسْتِقْرَارِهَا فِي مَحِلِّهَا مِنْ الْبِنَاءِ لَا قَبْلَهُ، إلَّا أَنْ يَقُولَ؛ هِيَ لِلْمَسْجِدِ، وَيَقْبَلُ نَاظِرُهُ لَهُ ذَلِكَ وَيَقْبِضُهُ كَمَا قَالَهُ الْقَمُولِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ، وَقَوْلُ الرُّويَانِيِّ: لَوْ عَمَرَ مَسْجِدًا خَرَابًا وَلَمْ يَقِفْ الْآلَةَ كَانَتْ عَارِيَّةً يَرْجِعُ فِيهَا مَتَى شَاءَ، يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَبْنِ بِقَصْدِ الْمَسْجِدِ وَالْقَوْلُ بِخِلَافِهِ عَلَى مَا إذَا بَنَى بِقَصْدِ ذَلِكَ، وَفِي كَلَامِ الْبَغَوِيّ مَا يَرُدُّ كَلَامَ الرُّويَانِيِّ، وَأَلْحَقَ الْإِسْنَوِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ بِالْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ الْمَدَارِسَ وَالرُّبُطَ وَالْبُلْقِينِيُّ أَخْذًا مِنْهُ أَيْضًا الْبِئْرَ الْمَحْفُورَةَ لِلسَّبِيلِ وَالْبُقْعَةَ الْمُحَيَّاةَ مَقْبَرَةً.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكَذَا لَوْ أَخَذَ مِنْ النَّاسِ شَيْئًا لِيَبْنِيَ بِهِ زَاوِيَةً أَوْ رِبَاطًا فَيَصِيرَ كَذَلِكَ بِمُجَرَّدِ بِنَائِهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
غَيْرِهِمْ اهـ سم عَلَى حَجّ.
وَظَاهِرُهُ إنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ لَهُمْ أَغْنِيَاءَ (قَوْلُهُ: مِنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ) أَيْ بِمَالٍ لَهُ لَا بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ لِمَا مَرَّ فِي الْفَقِيرِ اهـ.
لَكِنْ فِي سم عَلَى حَجّ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ وَالْغَنِيُّ إلَخْ شَامِلٌ لِلْمُكْتَسِبِ السَّابِقِ إلْحَاقُهُ بِالْفُقَرَاءِ فِي الْأَخْذِ مِنْ الْوَقْفِ عَلَيْهِمْ، فَعَلَى هَذَا الشُّمُولِ يَلْزَمُ أَنْ يَأْخُذَ الْمُكْتَسِبُ الْمَذْكُورُ مَعَ الْأَغْنِيَاءِ وَمَعَ الْفُقَرَاءِ وَهُوَ بَعِيدٌ
(قَوْلُهُ: وَلَا يَأْتِي فِيهِ) أَيْ الْوَقْفِ، وَقَوْلُهُ وَفَارَقَ الْبَيْعَ: أَيْ حَيْثُ جَرَى فِيهِ الْخِلَافُ (قَوْلُهُ فَأَمْكَنَ تَنْزِيلُ النَّصِّ عَلَيْهَا) وَهُوَ قَوْلُهُ " إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ " فَحُمِلَ عَلَى الْبَيْعِ الْمَعْرُوفِ لَهُمْ وَلَوْ بِالْمُعَاطَاةِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهَا (قَوْلُهُ: وَيَقْبِضُهُ) هُوَ وَاضِحٌ فِيمَا لَهُ نَاظِرٌ، أَمَّا مَا لَا نَاظِرَ لَهُ كَمَنْ أَحْيَا مَوَاتًا بِقَصْدِ الْمَسْجِدِيَّةِ فَإِنَّ مَا أَحْيَاهُ يَصِيرُ مَسْجِدًا وَلَا نَاظِرَ لَهُ، فَإِذَا أَعَدَّ لَهُ آلَةً قَبْلَ الْإِحْيَاءِ ثُمَّ بَنَى بِهَا فِيهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ مَلَكَهَا مِنْ حِينِ الْإِعْدَادِ اهـ حَجّ بِالْمَعْنَى: أَيْ وَأَمَّا مَا أَعَدَّهُ بَعْدَ الْإِحْيَاءِ لِنَحْوِ تَرْمِيمِهِ أَوْ إكْمَالِ بِنَائِهِ وَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ الْآلَةِ بِاسْتِقْرَارِهِ فِي مَحِلِّهِ إلَخْ، ثُمَّ مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ الْمَسْجِدَ قَدْ يَكُونُ لَا نَاظِرَ لَهُ ظَاهِرٌ فِيمَنْ شَرَعَ فِي إحْيَاءِ مَسْجِدٍ فِي مَوَاتٍ فَإِنَّهُ قَبْلَ تَمَامِ الْإِحْيَاءِ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِيَّةِ فَلَا نَاظِرَ لَهُ، أَمَّا بَعْدَ تَمَامِ الْإِحْيَاءِ فَيَكُونُ نَاظِرُهُ الْحَاكِمَ (قَوْلُهُ: يُمْكِنُ حَمْلُهُ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: بِالْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ) أَيْ أَنَّهُ يَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الْبِنَاءِ فِي الْمَوَاتِ (قَوْلُهُ: لِيَبْنِيَ بِهِ زَاوِيَةً) وَاشْتَهَرَ عُرْفًا فِي الزَّاوِيَةِ أَنَّهَا
[حاشية الرشيدي]
ادِّعَاءُ مَنْعِ الظُّهُورِ
(قَوْلُهُ: وَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ الْآلَةِ إلَخْ) هُوَ مِنْ كَلَامِ الْكِفَايَةِ أَيْضًا تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي فِي الشَّارِحِ فَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَ قَوْلِهِ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ إلَخْ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: وَاعْتِرَاضُ الْقَمُولِيِّ وَالْبُلْقِينِيِّ إلَخْ) لَيْسَ فِيمَا رَأَيْته مِنْ نُسَخِ الشَّارِحِ لِهَذَا خَبَرٌ، وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْ الْكَتَبَةِ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَاعْتَرَضَ الْقَمُولِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ مَا ذَكَرَهُ آخِرًا بِأَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي تَوَقُّفُ مِلْكِهِ لِلْآلَةِ عَلَى قَبُولِ نَاظِرِهِ وَقَبْضِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْآلَةِ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا الْإِحْيَاءُ وَهُوَ حِينَئِذٍ لَا نَاظِرَ لَهُ؛ لِعَدَمِ وُجُودِ الْمَسْجِدِيَّةِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُوجَدَ مِنْ الْبِنَاءِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِحْيَاءُ؛ وَإِذَا تَعَذَّرَ النَّاظِرُ حِينَئِذٍ اقْتَضَتْ الضَّرُورَةُ أَنَّ مَا سَيَصِيرُ مَسْجِدًا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ مَلَكَ تِلْكَ الْآلَةَ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ، فَمَا قَالَهُ: أَيْ الْمَاوَرْدِيُّ صَحِيحٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ: مَا ذَكَرَهُ آخِرًا) يَعْنِي صَاحِبَ الْكِفَايَةِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَقَوْلُهُ: آخِرًا: أَيْ قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَقُلْ هِيَ لِلْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ: وَغَيْرِهِمَا) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْقَمُولِيِّ وَالْبُلْقِينِيِّ: أَيْ وَاعْتِرَاضِ غَيْرِهِمَا، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ: يُمْكِنُ حَمْلُهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لَهُ إلَّا بِتَكَلُّفٍ؛ إذْ الَّذِي يُمْكِنُ حَمْلُهُ إنَّمَا هُوَ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ لَا الِاعْتِرَاضُ الْمُقَدَّرُ الَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute