أَحْكَامِهَا، فَإِنْ مَاتَ الْوَاقِفُ ثُمَّ جَنَى فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَالْحُرِّ الْمُعْسِرِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا مِنْ كَسْبِ الرَّقِيقِ وَلَا مِنْ تَرِكَةِ الْوَاقِفِ وَلَوْ مَاتَ الْجَانِي بَعْدَ الْجِنَايَةِ لَمْ يَسْقُطْ الْفِدَاءُ.
(وَلَوْ) (جَفَّتْ الشَّجَرَةُ) الْمَوْقُوفَةُ أَوْ قَلَعَهَا نَحْوُ رِيحٍ أَوْ زَمِنَتْ الدَّابَّةُ (لَمْ يَنْقَطِعْ الْوَقْفُ عَلَى الْمَذْهَبِ) وَإِنْ امْتَنَعَ وَقْفُهَا ابْتِدَاءً لِقُوَّةِ الدَّوَامِ (بَلْ يُنْتَفَعُ بِهَا جِذْعًا) بِإِجَارَةٍ وَغَيْرِهَا (وَقِيلَ تُبَاعُ) لِتَعَذُّرِ الِانْتِفَاعِ عَلَى وَفْقِ شَرْطِ الْوَاقِفِ (وَالثَّمَنُ) الَّذِي بِيعَتْ بِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ (كَقِيمَةِ الْعَبْدِ) فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الِانْتِفَاعُ بِهَا إلَّا بِاسْتِهْلَاكِهَا بِإِحْرَاقٍ وَنَحْوِهِ صَارَتْ مِلْكًا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ كَمَا صَحَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْقَمُولِيُّ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، لَكِنَّهَا لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ بَلْ يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهَا كَأُمِّ الْوَلَدِ وَلَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ، لَكِنَّ اقْتِصَارَ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ كَالْحَاوِي الصَّغِيرِ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَا تَصِيرُ مِلْكًا بِحَالٍ، وَاعْتَمَدَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ: إنَّهُ الْمُوَافِقُ لِلدَّلِيلِ وَكَلَامِ الْجُمْهُورِ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَنَافٍ بِسَبَبِ الْقَوْلِ بِعَدَمِ بُطْلَانِ الْوَقْفِ مَعَ كَوْنِهِ مِلْكًا لِأَنَّ مَعْنَى عَوْدِهِ مِلْكًا أَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَوْ بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهِ كَالْإِحْرَاقِ، وَمَعْنَى عَدَمِ بُطْلَانِ الْوَقْفِ أَنَّهُ مَا دَامَ بَاقِيًا لَا يَفْعَلُ بِهِ مَا يَفْعَلُ بِسَائِرِ الْأَمْلَاكِ مِنْ بَيْعٍ وَنَحْوِهِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ مَوْقُوفًا فِي أَرْضٍ مُسْتَأْجَرَةٍ وَصَارَ الرِّيعُ لَا يَفِي بِالْأُجْرَةِ أَوْ يَفِي بِهَا فَقَطْ أَفْتَى ابْنُ الْأُسْتَاذِ بِأَنَّهُ لَا يُلْتَحَقُ بِمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
لَمْ تَفِ بِأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ مَاتَ الْجَانِي) أَيْ الْعَبْدُ الْمَوْقُوفُ الْجَانِي إلَخْ.
(قَوْلُهُ: لَمْ يَسْقُطْ الْفِدَاءُ) أَيْ عَنْ السَّيِّدِ وَلَا عَنْ بَيْتِ الْمَالِ.
(قَوْلُهُ: الْمَوْقُوفَةُ) وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا يُوجَدُ مِنْ الْأَشْجَارِ فِي الْمَسَاجِدِ وَلَمْ يُعْرَفْ هَلْ هُوَ وَقْفٌ أَوْ لَا مَاذَا يَفْعَلُ فِيهِ إذَا جَفَّ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ غَرْسِهِ فِي الْمَسْجِدِ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الصُّلْحِ مِنْ أَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ غَرْسِ الشَّجَرِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا غَرَسَهُ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَّهُ لَوْ غَرَسَهُ لِنَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْمَسْجِدِ، وَحَيْثُ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ فَيُحْتَمَلُ جَوَازُ بَيْعِهِ وَصَرْفُ ثَمَنِهِ عَلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ إنْ لَمْ يُمْكِنْ الِانْتِفَاعُ بِهِ جَافًّا، وَيُحْتَمَلُ وُجُوبُ صَرْفِ ثَمَنِهِ لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ خَاصَّةً، وَلَعَلَّ هَذَا الثَّانِيَ أَقْرَبُ لِأَنَّ وَاقِفَهُ إنْ وَقَفَهُ وَقْفًا مُطْلَقًا وَقُلْنَا بِصَرْفِ ثَمَنِهِ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَالْمَسْجِدُ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ وَقْفُهُ عَلَى خُصُوصِ الْمَسْجِدِ امْتَنَعَ صَرْفُهُ لِغَيْرِهِ فَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ جَوَازُ صَرْفِهِ لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ مُحَقَّقٌ، بِخِلَافِ صَرْفِهِ لِمَصَالِحِ غَيْرِهِ مَشْكُوكٌ فِي جَوَازِهِ فَيُتْرَكُ لِأَجْلِ الْمُحَقَّقِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ زَمِنَتْ) مِنْ بَابِ تَعِبَ يُقَالُ زَمِنَ زَمَنًا وَزَمَانَةً وَهُوَ مَرَضٌ يَدُومُ زَمَانًا طَوِيلًا (قَوْلُهُ: وَإِنْ امْتَنَعَ وَقْفُهَا ابْتِدَاءً) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهَا مَنْفَعَةٌ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَلَا لِغَيْرِهِ تُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ بَلْ كَانَ الِانْتِفَاعُ بِهَا بِإِحْرَاقِهَا.
(قَوْلُهُ: صَارَتْ مِلْكًا) لَوْ أَمْكَنَ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ بَيْعُهَا وَأَنْ يَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا وَاحِدَةً مِنْ جِنْسِهَا أَوْ شِقْصًا اتَّجَهَ وُجُوبُ ذَلِكَ لَا يُقَالُ: الْفَرْضُ تَعَذَّرَ الِانْتِفَاعُ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهَا لِأَنَّهَا مُنْتَفَعٌ بِهَا بِاسْتِهْلَاكِهَا فَيَصِحُّ بَيْعُهَا، وَكَذَا يُقَالُ فِي مَسْأَلَةِ الدَّابَّةِ. اهـ سم عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: لَكِنَّهَا لَا تُبَاعُ) أَيْ مَعَ صَيْرُورَتِهَا مِلْكًا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ.
وَالْحَاصِلُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ حَيْثُ تَعَذَّرَ الِانْتِفَاعُ بِهَا مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي وُقِفَتْ عَلَيْهَا صَارَتْ مِلْكًا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهَا كَانْتِفَاعِ الْمُلَّاكِ بِغَيْرِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ الِانْتِفَاعُ بِهَا مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي قُصِدَتْ بِالْوَقْفِ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ لِنَفْسِهِ، بَلْ يَنْتَفِعُ بِهَا مِنْ الْجِهَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ.
(قَوْلُهُ: لَا يَفِي بِالْأُجْرَةِ) وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ هَلْ يُجْبَرُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ عَلَى وَضْعِ مَا يَفِي بِأُجْرَتِهِ أَوْ يُخَيَّرُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ قَلْعِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ إزَالَةً لِضَرَرِ صَاحِبِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
الْوَقْفِيَّةِ، وَقَوْلُهُ: حَتَّى تَنْتَقِلَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى: أَيْ: بِجِهَةِ الْوَقْفِيَّةِ وَإِلَّا فَكُلُّ شَيْءٍ مِلْكٌ لَهُ تَعَالَى عَلَى الْإِطْلَاقِ
(قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ) يَعْنِي الْأَوَّلَ، وَأَرَادَ بِذَلِكَ الْجَوَابَ عَنْ قَوْلِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ إنَّ عَوْدَهُ مِلْكًا مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُبْطِلُ