للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْأَنْوَارِ، وَإِلَّا فَمُنْقَطِعُ الْآخِرِ فَيُصْرَفُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ، فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا صُرِفَ إلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ أَوْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.

أَمَّا غَيْرُ الْمُنْهَدِمِ فَمَا فَضَلَ مِنْ غَلَّةِ الْمَوْقُوفِ عَلَى مَصَالِحِهِ يَشْتَرِي بِهَا عَقَارٌ وَيُوقَفُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمَوْقُوفِ عَلَى عِمَارَتِهِ يَجِبُ ادِّخَارُهُ لِأَجْلِهَا: أَيْ إنْ تَوَقَّعْت عَنْ قُرْبٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ السُّبْكِيُّ وَإِلَّا لَمْ يَعُدْ مِنْهُ شَيْءٌ لِأَجْلِهَا لِأَنَّهُ يُعْرَضُ لِلضَّيَاعِ أَوْ لِظَالِمٍ يَأْخُذُهُ وَلَوْ وَقَفَ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ فَتَعَذَّرَتْ وَانْحَصَرَ النَّقْعُ فِي الْغَرْسِ أَوْ الْبِنَاءِ فَعَلَ النَّاظِرُ أَحَدَهُمَا أَوْ آجَرَهَا كَذَلِكَ، وَقَدْ أَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ فِي أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ لِتُزْرَعَ حِنَّاءً فَآجَرَهَا النَّاظِرُ لِتُغْرَسَ كَرْمًا بِأَنَّهُ يَجُوزُ إذَا ظَهَرَتْ

الْمَصْلَحَةُ

وَلَمْ يُخَالِفْ شَرْطَ الْوَاقِفِ انْتَهَى.

لَا يُقَالُ: هَذَا مُخَالِفٌ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ لِتُزْرَعَ حِنَّاءً مُتَضَمِّنٌ لِاشْتِرَاطِ أَنْ لَا يَزْرَعَ غَيْرُهُ، لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الضِّمْنِيِّ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَنْطُوقِ، عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ فِي مَسْأَلَتِنَا أَنَّ الضَّرُورَةَ أَلْجَأَتْ إلَى الْغَرْسِ أَوْ الْبِنَاءِ وَمَعَ الضَّرُورَةِ مُخَالَفَةُ شَرْطِ الْوَاقِفِ جَائِزَةٌ إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ تَعْطِيلَ وَقْفِهِ وَثَوَابِهِ، وَمَسْأَلَةُ الْبُلْقِينِيِّ لَيْسَ فِيهَا ضَرُورَةٌ فَاحْتَاجَ إلَى التَّقْيِيدِ بِعَدَمِ مُخَالَفَةِ شَرْطِ الْوَاقِفِ، وَعِمَارَةُ الْوَقْفِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَيُصْرَفُ رِيعُ مَا وُقِفَ عَلَى الْمَسْجِدِ وَقْفًا مُطْلَقًا أَوْ عَلَى عِمَارَتِهِ فِي بِنَاءٍ وَتَجْصِيصٍ مُحْكَمٍ وَسُلَّمٍ وَبَوَارِي لِلتَّظْلِيلِ بِهَا وَمَكَانِسَ وَمَسَاحِي لِنَقْلِ التُّرَابِ وَظُلَّةٍ تَمْنَعُ إفْسَادَ خَشَبِ بَابٍ وَنَحْوِهِ بِمَطَرٍ وَنَحْوِهِ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ وَأُجْرَةِ قَيِّمٍ لَا مُؤَذِّنٍ وَإِمَامٍ وَحُصْرٍ وَدُهْنٍ؛ لِأَنَّ الْقَيِّمَ يَحْفَظُ الْعِمَارَةَ، بِخِلَافِ الْبَاقِي فَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ لِمَصَالِحِهِ صَرَفَ مِنْ رِيعِهِ لِمَنْ ذُكِرَ لَا فِي تَزْوِيقٍ وَنَقْشٍ بَلْ لَوْ وَقَفَ عَلَيْهَا لَمْ يَصِحَّ.

وَهَذَا الْمَذْكُورُ مِنْ عَدَمِ صَرْفِ ذَلِكَ لِلْمُؤَذِّنِ وَالْإِمَامِ فِي الْوَقْفِ الْمُطْلَقِ هُوَ مُقْتَضَى مَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَغَوِيّ، لَكِنَّهُ نَقَلَ بَعْدَهُ عَنْ فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ يَصْرِفُ لَهُمَا كَمَا فِي الْوَقْفِ عَلَى مَصَالِحِهِ وَكَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْوَصِيَّةِ لِلْمَسْجِدِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ، وَيُتَّجَهُ إلْحَاقُ الْحُصْرِ وَالدُّهْنِ بِهِمَا فِي ذَلِكَ، وَلِأَهْلِ الْوَقْفِ الْمُهَايَأَةُ لَا قِسْمَتُهُ وَلَوْ إفْرَازًا وَلَا تَغْيِيرُهُ كَجَعْلِ الْبُسْتَانِ دَارًا وَعَكْسُهُ مَا لَمْ يَشْرِطْ الْوَاقِفُ الْعَمَلَ

بِالْمَصْلَحَةِ

فَيَجُوزُ تَغْيِيرُهُ بِحَسَبِهَا، قَالَ السُّبْكِيُّ: وَاَلَّذِي أَرَاهُ تَغْيِيرَهُ فِي غَيْرِهِ وَلَكِنْ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ: أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا لَا يُغَيِّرُ مُسَمَّاهُ، وَأَنْ لَا يُزِيلَ شَيْئًا مِنْ عَيْنِهِ بَلْ يَنْقُلُهُ مِنْ جَانِبٍ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

مَنْهَجٍ وَبَقِيَ: مَا لَوْ كَانَ ثَمَّ مَسَاجِدُ مُتَعَدِّدَةٌ وَاسْتَوَى قُرْبُهُ مِنْ الْجَمِيعِ هَلْ يُوَزَّعُ عَلَى الْجَمِيعِ أَوْ يُقَدَّمُ الْأَحْوَجُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي، فَلَوْ اسْتَوَتْ الْحَاجَةُ وَالْقُرْبُ جَازَ صَرْفُهُ لِوَاحِدٍ مِنْهَا.

(قَوْلُهُ: أَوْ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ) عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ وَالرَّاجِحُ مِنْهُ تَقْدِيمُ الْمَصَالِحِ.

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَمْ يُعِدَّ) أَيْ يَدَّخِرْ.

قَالَ حَجّ: بَلْ يُشْتَرَى بِهِ عَقَارٌ أَوْ نَحْوُهُ. انْتَهَى.

(قَوْلُهُ: وَتَجْصِيصٍ) وَمِنْهُ الْبَيَاضُ الْمَعْرُوفُ.

(قَوْلُهُ: لَا مُؤَذِّنٍ وَإِمَامٍ) ضَعِيفٌ.

(قَوْلُهُ: بَلْ لَوْ وَقَفَ عَلَيْهَا) الْأَوْلَى عَلَيْهِمَا: أَيْ التَّزْوِيقُ وَالنَّقْشُ (قَوْلُهُ: لَا قِسْمَتُهُ) هُوَ وَاضِحٌ إنْ حَصَلَ بِالْقِسْمَةِ تَغْيِيرٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ الْوَقْفُ كَجَعْلِ الدَّارِ الْكَبِيرَةِ دَارَيْنِ، أَمَّا عِنْدَ عَدَمِ حُصُولِهِ كَأَنْ تَرَاضَوْا عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَأْخُذُ دَارًا يَنْتَفِعُ بِهَا مُدَّةَ اسْتِحْقَاقِهِ فَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ وَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْ ذَلِكَ مَتَى شَاءَ (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ صُورَةِ الشَّرْطِ (قَوْلُهُ: لَا يُغَيِّرُ مُسَمَّاهُ) مِنْهُ يُؤْخَذُ جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا، وَهِيَ أَنَّ مُطَهَّرَةَ مَسْجِدٍ مُجَاوِرَةٍ لِشَارِعٍ مِنْ شَوَارِعِ الْمُسْلِمِينَ آلَتْ لِلسُّقُوطِ وَلَيْسَ فِي الْوَقْفِ مَا تَعْمُرُ بِهِ فَطَلَبَ شَخْصٌ أَنْ يَعْمُرَهَا مِنْ مَالِهِ بِشَرْطِ تَرْكِ قِطْعَةٍ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي كَانَتْ حَامِلَةً لِلْجِدَارِ لِتَتَّسِعَ الطَّرِيقُ فَظَهَرَتْ

الْمَصْلَحَةُ

فِي ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ انْهِدَامِهَا وَعَدَمِ مَا تَعْمُرُ بِهِ هَلْ ذَلِكَ جَائِزٌ أَمْ لَا، وَهُوَ الْجَوَازُ نَظَرًا لِلْمَصْلَحَةِ الْمَذْكُورَةِ.

وَفِي حَجّ: فَرْعٌ: فِي فَتَاوَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ يَجُوزُ إيقَادُ الْيَسِيرِ فِي الْمَسْجِدِ الْخَالِي لَيْلًا تَعْظِيمًا لَهُ لَا نَهَارًا لِلسَّرَفِ وَالتَّشْبِيهِ بِالنَّصَارَى، وَفِي الرَّوْضَةِ يَحْرُمُ إسْرَاجُ الْخَالِي، وَجُمِعَ بِحَمْلِ هَذَا عَلَى مَا إذَا سَرَّجَ مِنْ وَقْفِ الْمَسْجِدِ أَوْ مِلْكِهِ، وَالْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا تَبَرَّعَ بِهِ مَنْ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ بَلْ الَّذِي يُتَّجَهُ الْجَمْعُ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا تَوَقَّعَ وَلَوْ عَلَى نُدُورِ احْتِيَاجِ أَحَدٍ لِمَا فِيهِ مِنْ النُّورِ.

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>