بِكَوْنِ النَّاظِرِ قَدْ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ فَقِيهٍ وَفَقِيهٍ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْوَاقِفِ وَهُوَ الَّذِي يُوَلِّي الْمُدَرِّسَ، فَكَيْفَ قَالَ بِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ فَرْعُهُ، وَكَوْنُهُ لَا يُمَيِّزُ لَا أَثَرَ لَهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ مَعْرِفَةِ مَرَاتِبِهِمْ بِالسُّؤَالِ، وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ وُجُوبِ تَفْرِيقِ مَعْلُومِ الطَّلَبَةِ فِي مَحَلِّ الدَّرْسِ خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لِعَدَمِ كَوْنِهِ مَأْلُوفًا فِي زَمَنِنَا، وَلِأَنَّ اللَّائِقَ بِمَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ تَنْزِيهُ مَوَاضِعِ الْعِلْمِ وَالذِّكْرِ عَنْ الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ كَالْبَيْعِ وَاسْتِيفَاءِ الْحَقِّ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُعِيدِ مَنْ يُعِيدُ لِلطَّلَبَةِ الدَّرْسَ الَّذِي قَرَأَهُ الْمُدَرِّسُ لِيَسْتَوْضِحُوا أَوْ يَتَفَهَّمُوا مَا أُشْكِلَ، وَمَحَلُّ مَا مَرَّ إنْ أَطْلَقَ نَظَرَهُ كَمَا مَرَّ، وَمِثْلُهُ بِالْأَوْلَى مَا لَوْ فَوَّضَ لَهُ جَمِيعَ ذَلِكَ (فَإِنْ فَوَّضَ إلَيْهِ بَعْضَ هَذِهِ الْأُمُورِ لَمْ يَتَعَدَّهُ) اتِّبَاعًا لِلشَّرْطِ وَيَسْتَحِقُّ النَّاظِرُ مَا شَرَطَ مِنْ الْأُجْرَةِ وَإِنْ زَادَتْ عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ مَا لَمْ يَكُنْ هُوَ الْوَاقِفَ كَمَا مَرَّ، فَلَوْ لَمْ يُشْرَطْ لَهُ شَيْءٌ لَمْ يَسْتَحِقَّ أُجْرَةً.
نَعَمْ لَهُ رَفْعُ الْأَمْرِ إلَى الْحَاكِمِ لِيُقَرِّرَ لَهُ أُجْرَةً، قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ.
قَالَ تِلْمِيذُهُ الْعِرَاقِيُّ فِي تَحْرِيرِهِ: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَأْخُذُ مَعَ الْحَاجَةِ إمَّا قَدْرَ النَّفَقَةِ لَهُ كَمَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ ثَمَّ أَوْ الْأَقَلَّ مِنْ نَفَقَتِهِ وَأُجْرَةَ مِثْلِهِ كَمَا رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ.
قَالَ الشَّيْخُ: وَقَدْ يُقَالُ التَّشْبِيهُ بِالْوَلِيِّ إنَّمَا وَقَعَ فِي حُكْمِ الرَّفْعِ إلَى الْحَاكِمِ لَا مُطْلَقًا فَلَا يَقْتَضِي مَا قَالَهُ، وَكَأَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّهُ يَأْخُذُ بِتَقْرِيرِ الْحَاكِمِ، عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ هُنَا أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُقَرِّرَ لَهُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ النَّفَقَةِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ النَّفَقَةُ ثَمَّ لِوُجُوبِهَا عَلَى فَرْعِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ وَلِيًّا عَلَى مَالِهِ أَمْ لَا، بِخِلَافِ النَّاظِرِ، وَلَوْ جُعِلَ النَّظَرُ لِعَدْلَيْنِ مِنْ أَوْلَادِهِ وَلَيْسَ فِيهِمْ سِوَى عَدْلٍ نَصَّبَ الْحَاكِمُ آخَرَ، وَإِنْ جَعَلَهُ لِلْأَرْشَدِ مِنْ أَوْلَادِهِ فَالْأَرْشَدَ فَأَثْبَتَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَنَّهُ أَرْشَدُ اشْتَرَكُوا فِي النَّظَرِ بِلَا اسْتِقْلَالٍ إنْ وُجِدَتْ الْأَهْلِيَّةُ فِيهِمْ لِأَنَّ الْأَرْشَدِيَّةَ قَدْ سَقَطَتْ بِتَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ فِيهَا وَيَبْقَى أَصْلُ الرُّشْدِ، وَإِنْ وُجِدَتْ فِي بَعْضٍ مِنْهُمْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مَعَهُ: أَيْ مَعَ النَّاظِرِ.
(قَوْلُهُ: وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُعِيدِ إلَخْ) أَيْ حَيْثُ كَانَ ثَمَّ مُعِيدٌ لِلدَّرْسِ مُقَرَّرٌ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِفِ أَوْ الْقَاضِي أَوْ النَّاظِرِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ يَسْتَفْهِمُوا مَا أَشْكَلَ) أَيْ مِمَّا قَرَّرَهُ الشَّيْخُ أَوَّلًا، فَلَوْ تَرَكَ الْمُدَرِّسُ التَّدْرِيسَ أَوْ امْتَنَعَتْ الطَّلَبَةُ مِنْ حُضُورِ الْمُعِيدِ بَعْدَ الدَّرْسِ اسْتَحَقَّ الْمُعِيدُ مَا شُرِطَ لَهُ مِنْ الْمَعْلُومِ لِتَعَذُّرِ الْإِعَادَةِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: مَا لَوْ فُرِضَ لَهُ جَمِيعُ ذَلِكَ) وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الْوَكِيلِ وَوَلِيِّ الصَّبِيِّ أَنَّهُ إنْ قَدَرَ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ وَلَاقَتْ بِهِ لَا يَجُوزُ تَفْوِيضُهَا لِغَيْرِهِ، وَإِلَّا جَازَ لَهُ التَّفْوِيضُ فِيمَا عَجَزَ عَنْهُ أَوْ لَمْ تَلْقَ بِهِ مُبَاشَرَتُهُ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمُفَوِّضِ لَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ حَيْثُ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ وِلَايَةً فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْوَقْفِ بَلْ اسْتَنَابَهُ فِيمَا يُبَاشِرُ بِالْعَمَلِ فَقَطْ كَالْبِنَاءِ وَنَحْوِهِ.
(قَوْلُهُ: لَمْ يَتَعَدَّهُ) كَالْوَكِيلِ، وَلَوْ فَوَّضَ لِاثْنَيْنِ لَمْ يَسْتَقِلَّ أَحَدُهُمَا بِالتَّصَرُّفِ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ انْتَهَى شَرْحُ مَنْهَجٍ.
(قَوْلُهُ: لَمْ يَسْتَحِقَّ أُجْرَةً) قَالَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ بَعْدَ مَا ذَكَرَ: وَلَيْسَ لَهُ: أَيْ النَّاظِرِ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ، فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ وَلَمْ يَبْرَأْ إلَّا بِإِقْبَاضِهِ لِلْحَاكِمِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ رَمْلِيٌّ انْتَهَى.
وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ لِلْحَاكِمِ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِصَرْفِ بَدَلِهِ فِي عِمَارَتِهِ أَوْ عَلَى الْمُسْتَحَقِّينَ وَهُوَ ظَاهِرٌ.
(قَوْلُهُ: لِيُقَرِّرَ لَهُ أُجْرَةً) أَيْ وَإِنْ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْتَحَقِّينَ فِي الْوَقْفِ.
(قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ، وَقَوْلُهُ إنَّهُ: أَيْ النَّاظِرَ، وَقَوْلُهُ ثَمَّ: أَيْ فِي الْوَلِيِّ.
(قَوْلُهُ: نَصَّبَ الْحَاكِمُ) أَيْ وُجُوبًا (قَوْلُهُ: فَالْأَرْشَدُ) هَذَا صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَالْعَمَلِ بِهِ، وَمِنْهُ يُعْلَمُ رَدُّ مَا نَقَلَهُ سم عَلَى مَنْهَجٍ عَنْ مُقْتَضَى إفْتَاءِ الْبُلْقِينِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ لِأَوْلَادِهِ بَعْدَهُ لَمْ يَثْبُتْ النَّظَرُ لِلْأَوْلَادِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْلِيقِ وِلَايَتِهِمْ، وَالْوِلَايَةُ لَا تُعَلَّقُ إلَّا فِي الْأَمْرِ الضَّرُورِيِّ كَالْقَضَاءِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ وُجِدَتْ فِي بَعْضٍ مِنْهُمْ) أَيْ وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً.
ــ
[حاشية الرشيدي]
بِهِ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَتِهِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَهُ رَفْعُ الْأَمْرِ إلَى الْحَاكِمِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْبُلْقِينِيِّ الْمَنْقُولَةُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: فَلَوْ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى حَاكِمٍ لِيُقَرِّرَ لَهُ أُجْرَةً فَهُوَ كَمَا إذَا تَبَرَّمَ الْوَلِيُّ بِحِفْظِ مَالِ الطِّفْلِ وَرَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيُثْبِتَ لَهُ أُجْرَةً انْتَهَتْ.