للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْبَيْعِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَخَذَهُ بِحُكْمِ الضَّمَانِ، وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا مُنَجَّزًا، وَلَوْ وَهَبَهُ وَأَقْبَضَهُ فِي صِحَّةٍ فَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ رَجَعَ فِيمَا وَهَبَ وَلَمْ تَذْكُرْ مَا رَجَعَ فِيهِ لَغَتْ شَهَادَتُهَا، فَلَوْ ثَبَتَ إقْرَارُ الْوَلَدِ بِأَنَّ الْأَبَ لَمْ يَهَبْهُ شَيْئًا غَيْرَ هَذِهِ ثَبَتَ الرُّجُوعُ (لَا بِبَيْعِهِ وَوَقْفِهِ وَهِبَتِهِ) بَعْدَ الْقَبْضِ (وَإِعْتَاقِهِ وَوَطْئِهَا) الَّذِي لَمْ تَحْمِلْ مِنْهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِكَمَالِ مِلْكِ الْفَرْعِ فَلَمْ يَقْوَ الْفِعْلُ عَلَى إزَالَتِهِ بِهِ، وَبِهِ فَارَقَ انْفِسَاخَ الْبَيْعِ فِيهَا فِي زَمَنِ الْخِيَارِ الذَّاهِبِ إلَى مُسَاوَاتِهِ لَهُ مُقَابِلُ الْأَصَحِّ، أَمَّا هِبَتُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا تُؤَثِّرُ رُجُوعًا قَطْعًا، وَعَلَيْهِ بِاسْتِيلَادِهَا قِيمَتُهَا وَبِالْوَطْءِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَهُوَ حَرَامٌ، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الرُّجُوعَ، وَلَوْ تَفَاسَخَ الْمُتَوَاهِبَانِ الْهِبَةَ أَوْ تَقَايَلَا حَيْثُ لَا رُجُوعَ لَمْ تَنْفَسِخْ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ.

(وَلَا رُجُوعَ لِغَيْرِ الْأُصُولِ فِي هِبَةٍ) مُطْلَقَةٍ أَوْ (مُقَيَّدَةٍ بِنَفْيِ الثَّوَابِ) أَيْ الْعِوَضِ لِلْخَبَرِ الْمَارِّ وَلِقُوَّةِ شَفَقَةِ الْأَصْلِ، وَلِهَذَا كَانَ أَفْضَلُ الْبِرِّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ بِالْإِحْسَانِ لَهُمَا وَفِعْلِ مَا يَسُرُّهُمَا مِمَّا لَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَعُقُوقُهُمَا كَبِيرَةٌ وَهُوَ إيذَاؤُهُمَا بِمَا لَيْسَ هَيِّنًا مَا لَمْ يَكُنْ مَا أَذَاهُمَا بِهِ وَاجِبًا.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: فَلَوْ كَانَ فِي مَالِ أَحَدِهِمَا شُبْهَةٌ وَدَعَاهُ لِلْأَكْلِ مِنْهُ تَلَطَّفَ فِي الِامْتِنَاعِ فَإِنْ عَجَزَ فَلِيَأْكُلْ وَيُصَغِّرْ اللُّقْمَةَ وَيُطَوِّلْ الْمَضْغَةَ، وَكَذَا لَوْ أَلْبَسَهُ ثَوْبًا مِنْ شُبْهَةٍ وَكَانَ يَتَأَذَّى بِرَدِّهِ فَلِيَقْبَلْهُ وَلِيَلْبَسْهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَيَنْزِعُهُ إذَا غَابَ وَيَجْتَهِدُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ فِيهِ إلَّا بِحَضْرَتِهِ، وَتُسَنُّ صِلَةُ الْقَرَابَةِ وَتَحْصُلُ بِالْمَالِ وَقَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَالزِّيَارَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرَاسَلَةِ بِالسَّلَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَيَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ كَمَا يَتَأَكَّدُ كَرَاهَةُ خِلَافِهِ، وَيُكْرَهُ شِرَاءُ مَا وَهَبَهُ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ.

قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: لَوْ طَلَبَ مِنْ غَيْرِهِ هِبَةَ شَيْءٍ فِي مَلَأٍ مِنْ النَّاسِ فَوَهَبَهُ مِنْهُ اسْتِحْيَاءً مِنْهُمْ وَلَوْ كَانَ خَالِيًا مَا أَعْطَاهُ حَرُمَ كَالْمَصَادِرِ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ وُهِبَ لَهُ شَيْءٌ لِاتِّقَاءِ شَرِّهِ أَوْ سِعَايَتِهِ (وَمَتَى وَهَبَ مُطْلَقًا) بِأَنْ لَمْ يُقَيِّدْ بِثَوَابٍ وَلَا نَفْيِهِ (فَلَا ثَوَابَ) أَيْ عِوَضٌ (إنْ وَهَبَ لَهُ لِدُونِهِ) فِي الْمَرْتَبَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ إذْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: لَمْ تُحْمَلْ مِنْهُ) مَفْهُومُهُ أَنَّهَا إذَا حَمَلَتْ مِنْ الْوَطْءِ كَانَ رُجُوعًا وَعَلَيْهِ فَيُشْكِلُ قَوْلُهُ الْآتِي وَعَلَيْهِ بِاسْتِيلَادِهَا قِيمَتُهَا لِأَنَّهُ يُقَدِّرُ دُخُولَهَا فِي مِلْكِهِ قُبَيْلَ الْعُلُوقِ فَهِيَ إنَّمَا حَبِلَتْ بَعْدَ عَوْدِهَا لِمِلْكِهِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ أَنَّهُ إذَا وَطِئَ وَأَحْبَلَ انْتَقَلَتْ إلَى مِلْكِهِ وَتَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا لِفَرْعِهِ، وَعَلَيْهِ فَلَيْسَ الْوَطْءُ رُجُوعًا وَإِنْ حَبِلَتْ غَايَتُهُ أَنَّهَا إنْ لَمْ تَحْبَلْ لَزِمَهُ الْمَهْرُ وَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْفَرْعِ وَإِنْ حَبِلَتْ انْتَقَلَتْ إلَى مِلْكِهِ، كَمَا لَوْ وَطِئَ أَمَةَ الْفَرْعِ الَّتِي مَلَكَهَا مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْأَصْلِ فَإِنَّهُ يُقَدِّرُ دُخُولَهَا فِي مِلْكِ الْوَاطِئِ قُبَيْلَ الْعُلُوقِ وَمَا هُنَا كَذَلِكَ وَنَقَلَ فِي الدَّرْسِ عَنْ سم مَعْنَى ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: وَبِهِ فَارَقَ انْفِسَاخُ الْبَيْعِ إلَخْ) يَنْبَغِي مُلَاحَظَةُ مَا سَبَقَ فِي بَابِ النِّكَاحِ مِنْ سَبْقِ الْإِنْزَالِ مُغَيَّبِ الْحَشَفَةِ وَالْعَكْسُ إذَا أَحْبَلَهَا اهـ سم عَلَى حَجّ.

(قَوْلُهُ: إلَى مُسَاوَاتِهِ) أَيْ لِلْفَرْعِ وَقَوْلُهُ قِيمَتُهَا: أَيْ لِلْفَرْعِ وَقَوْلُهُ مَهْرُ مِثْلِهَا: أَيْ ثَيِّبًا وَيَلْزَمُهُ أَرْشُ بَكَارَةٍ إنْ كَانَتْ بِكْرًا.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ حَرَامٌ) أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ لَا حَدَّ لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ.

(قَوْلُهُ: حَيْثُ لَا رُجُوعَ) أَيْ كَأَنْ كَانَتْ لِأَجْنَبِيٍّ (قَوْلُهُ: لَمْ تَنْفَسِخْ) وَقَدْ يُوَجَّهُ عَدَمُ دُخُولِهِمَا فِيهَا بِأَنَّهُمَا إنَّمَا يُنَاسِبَانِ الْمُعَاوَضَاتِ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِهِمَا الِاسْتِدْرَاكَ وَالْهِبَةَ إحْسَانٌ فَلَا يَلِيقُ بِهَا ذَلِكَ اهـ سم عَلَى حَجّ.

وَقَوْلُ سم وَقَدْ يُوَجَّهُ عَدَمُ دُخُولِهِمَا: أَيْ الْفَسْخِ وَالتَّقَابُلِ.

(قَوْلُهُ: وَاجِبًا) دَخَلَ فِيهِ مَا لَوْ امْتَنَعَ مِنْ بَيْعِ أَمْوَالِهِ وَعِتْقِ أَرِقَّائِهِ وَطَلَاقِ نِسَائِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَشُقُّ عَلَيْهِ وَقَدْ أَمَرَهُ بِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مُرَادًا.

(قَوْلُهُ: وَالْمُرَاسَلَةُ) أَيْ مِنْ غَيْرِ كِتَابٍ كَأَنْ يَقُولَ لِشَخْصٍ سَلِّمْ عَلَى فُلَانٍ.

(قَوْلُهُ: وَيَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ) وَنَقَلَ شَيْخُنَا الشَّوْبَرِيُّ عَنْ حَجّ أَنَّ الْوَعْدَ مَعَ نِيَّةِ عَدَمِ الْوَفَاءِ كَبِيرَةٌ.

(قَوْلُهُ: حَرُمَ) أَيْ وَلَا يَمْلِكُهُ (قَوْلُهُ: أَوْ سِعَايَتُهُ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

يَقُولَ مَعَ الْقَبْضِ (قَوْلُهُ: الَّذِي لَمْ تَحْمِلْ مِنْهُ) قَالَ الشِّهَابُ سم: وَجْهُ هَذَا الْقَيْدِ أَنَّهَا إذَا حَمَلَتْ مِنْهُ صَارَتْ مُسْتَوْلَدَةً لِلْأَبِ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الرُّجُوعُ فَتَنْتَقِلُ إلَى مِلْكِهِ بِسَبَبِ الِاسْتِيلَادِ فَلَا يَتَأَتَّى الْخِلَافُ حِينَئِذٍ فِي حُصُولِ الرُّجُوعِ أَوْ عَدَمِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>