للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَمَلًا بِظَنِّهِ بَلْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ: أَيْ إنْ اتَّحَدَ الْوَاصِفُ، وَإِلَّا بِأَنْ ادَّعَاهَا كُلٌّ لِنَفْسِهِ وَوَصَفَهَا لَمْ تُسَلَّمْ لِأَحَدٍ إلَّا بِحُجَّةٍ كَبَيِّنَةٍ سَلِيمَةٍ مِنْ الْمُعَارِضِ (وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهُ مُدَّعٍ فَيَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ كَغَيْرِهِ، وَفِي وَجْهٍ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِي يَجِبُ لِأَنَّ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا قَدْ تَعْسُرُ، أَمَّا عِنْدَ عَدَمِ ظَنِّ صِدْقِهِ فَيَمْتَنِعُ دَفْعُهَا لَهُ، فَإِنْ قَالَ مُدَّعِيهَا إنَّك تَعْلَمُ كَوْنَهَا لِي حَلَّفَهُ عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ بِذَلِكَ أَوْ يَلْزَمُك تَسْلِيمُهَا إلَيَّ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ بِمَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ وُجُوبَ الدَّفْعِ بِالْوَصْفِ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، فَإِنْ نَكَلَ وَلَمْ يَكُنْ تَمَلَّكَهَا فَهَلْ تُرَدُّ هَذِهِ الْيَمِينُ كَغَيْرِهَا أَوْ لَا لِأَنَّ الرَّدَّ كَالْإِقْرَارِ، وَإِقْرَارُ الْمُلْتَقِطِ غَيْرُ مَقْبُولٍ عَلَى مَالِكِهَا بِفَرْضِ أَنَّهُ غَيْرُ الْوَاصِفِ، كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ، وَلَوْ تَلِفَتْ فَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِوَصْفِهَا ثَبَتَتْ وَلَزِمَهُ بَدَلُهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ النَّصِّ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحِلَّهُ إنْ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ أَوْ غَيْرِهِ أَنَّ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ مِنْ الْوَصْفِ هُوَ وَصْفُهَا.

(فَإِنْ) (دَفَعَ) الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ لِشَخْصٍ بِالْوَصْفِ مِنْ غَيْرِ إجْبَارِ حَاكِمٍ يَرَاهُ (وَأَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً بِهَا) أَيْ بِأَنَّهَا مِلْكُهُ وَأَنَّهَا لَا يُعْلَمُ انْتِقَالُهَا مِنْهُ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ (حُوِّلَتْ) مِنْ الْأَوَّلِ (إلَيْهِ) لِأَنَّ الْحُجَّةَ تُوجِبُ الدَّفْعَ بِخِلَافِ الْوَصْفِ الْمُجَرَّدِ (فَإِنْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ) أَيْ الْوَاصِفِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ (فَلَهُ تَضْمِينُ الْمُلْتَقِطِ) لِأَنَّهُ بَانَ أَنَّهُ سَلَّمَ مَا لَيْسَ لَهُ تَسْلِيمُهُ إلَّا أَنْ يُلْزِمَهُ حَاكِمٌ بِالدَّفْعِ يَرَى وُجُوبَهُ بِالْوَصْفِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِانْتِفَاءِ تَقْصِيرِهِ (وَالْمَدْفُوعِ إلَيْهِ) لِأَنَّهُ بَانَ أَنَّهُ أَخَذَ مِلْكَ غَيْرِهِ وَخَرَجَ بِدَفْعِ اللُّقَطَةِ مَا لَوْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ بَعْدَ تَمَلُّكِهَا ثُمَّ غَرِمَ لِلْوَاصِفِ قِيمَتَهَا فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ تَغْرِيمُهُ لِأَنَّ مَا أَخَذَهُ مَالُ الْمُلْتَقِطِ لَا الْمُدَّعِي (وَالْقَرَارُ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ لَتَلَفِهِ فِي يَدِهِ فَيَرْجِعُ الْمُلْتَقِطُ عَلَيْهِ بِمَا غَرِمَهُ إنْ لَمْ يُقِرَّ لَهُ بِالْمِلْكِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَزْعُمُ أَنَّ الظَّالِمَ هُوَ ذُو الْبَيِّنَةِ وَفَارَقَ مَا لَوْ اعْتَرَفَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ بِالْمِلْكِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ لِأَنَّهُ إنَّمَا اعْتَرَفَ لَهُ بِالْمِلْكِ لِظَاهِرِ الْيَدِ بِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ شَرَفًا فَعُذِرَ بِالِاعْتِرَافِ الْمُسْتَنِدِ إلَيْهَا، بِخِلَافِ الْوَصْفِ فَكَانَ مُقَصِّرًا بِالِاعْتِرَافِ الْمُسْتَنِدِ إلَيْهِ (قُلْت: لَا تَحِلُّ) (لُقَطَةُ الْحَرَمِ) الْمَكِّيِّ (لِلتَّمَلُّكِ) وَلَوْ بِلَا قَصْدِ تَمَلُّكٍ وَلَا حِفْظٍ (عَلَى الصَّحِيحِ) بَلْ لَا تَحِلُّ إلَّا لِلْحِفْظِ أَبَدًا لِخَبَرِ «لَا تَحِلُّ لُقْطَتُهُ إلَّا لِمُنْشِدٍ» أَيْ لِمُعَرِّفٍ عَلَى الدَّوَامِ وَإِلَّا فَسَائِرُ الْبِلَادِ كَذَلِكَ فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّخْصِيصِ، وَادِّعَاءُ أَنَّهَا دَفْعُ إيهَامِ الِاكْتِفَاءِ بِتَعْرِيفِهَا فِي الْمَوْسِمِ بِمَنْعِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ هُوَ الْمُرَادَ لَبَيَّنَهُ، وَإِلَّا فَإِيهَامُ مَا قُلْنَاهُ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ أَشَدُّ وَلِكَثْرَةِ تَكَرُّرِ عَوْدِ النَّاسِ لَهُ فَرُبَّمَا عَادَ مَالِكُهَا أَوْ نَائِبُهُ فَغَلُظَ عَلَى آخِذِهَا بِتَعَيُّنِ حِفْظِهَا كَمَا غَلُظَ عَلَى الْقَاتِلِ فِيهِ خَطَأً بِتَغْلِيظِ الدِّيَةِ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ إسَاءَتِهِ.

وَالثَّانِي تَحِلُّ وَالْمُرَادُ بِالْخَبَرِ تَأْكِيدُ التَّعْرِيفِ لَهَا سَنَةً، وَخَرَجَ بِالْحَرَمِ الْحِلُّ وَلَوْ عَرَفَةَ وَمُصَلَّى إبْرَاهِيمَ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الِانْتِصَارِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ الْحَرَمِ وَبِالْمَكِّيِّ حَرَمُ الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ فَلَيْسَ لَهُ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْجُمْهُورِ وَصَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالرُّويَانِيُّ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ (وَيَجِبُ تَعْرِيفُهَا) أَيْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الْبَيِّنَةَ.

(قَوْلُهُ: حَلَّفَهُ) أَيْ وُجُوبًا، فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي وَقُضِيَ لَهُ بِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ فَإِنْ نَكَلَ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ) أَيْ وَإِنْ اعْتَقَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ تَسْلِيمُهَا بِالْوَصْفِ لَا يَلْزَمُهُ الْحَلِفُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ بَلْ يُطَالِبُهُ بِبَيِّنَةٍ (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ) هُوَ قَوْلُهُ فَهَلْ تُرَدُّ هَذِهِ الْيَمِينُ كَغَيْرِهَا وَفَائِدَةُ الرَّدِّ أَنَّهُ يَلْزَمُ بِتَسْلِيمِهَا لِلْمُدَّعِي.

(قَوْلُهُ: فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ تَغْرِيمُهُ) أَيْ وَإِنَّمَا يَغْرَمُ الْمُلْتَقِطُ بَدَلَهَا وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ.

(قَوْلُهُ: أَيْ لِمُعَرِّفٍ) هَكَذَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ.

(قَوْلُهُ: وَادِّعَاءُ أَنَّهَا إلَخْ) أَيْ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ.

(قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ) أَيْ عَلَى الثَّانِي

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: كَبَيِّنَةٍ سَلِيمَةٍ مِنْ الْمُعَارِضِ) مِثَالٌ لِلْحُجَّةِ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ تَمَلَّكَهَا) أَيْ أَمَّا إذَا كَانَ تَمَلَّكَهَا فَتُرَدُّ عَلَيْهِ الْيَمِينُ مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ

(قَوْلُهُ: مَا لَيْسَ لَهُ تَسْلِيمُهُ) أَيْ: فِي الْوَاقِعِ وَإِنْ جَازَ فِي الظَّاهِرِ كَمَا مَرَّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>