حَقِيقَةً كَانَتْ الْخَمْرَةُ وَهِيَ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ أَمْ غَيْرَهَا وَهِيَ الْمُعْتَصَرَةُ مِنْ غَيْرِهِ، فَقَدْ ذُكِرَ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ أَنَّهَا اسْمٌ لِكُلِّ مُسْكِرٍ، وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ طَهَارَةِ النَّبِيذِ بِالتَّخَلُّلِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَحَّحَاهُ فِي بَابَيْ الرِّبَا وَالسَّلَمِ لِإِطْبَاقِهِمْ عَلَى صِحَّةِ السَّلَمِ فِي خَلِّ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِطَهَارَتِهِمَا، لِأَنَّ النَّجِسَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا السَّلَمُ فِيهِ اتِّفَاقًا، وَلَا يَصِحُّ حَمْلُ كَلَامِهِمْ ثَمَّ عَلَى خَلٍّ لَمْ يَتَخَمَّرْ لِأَنَّهُ نَادِرٌ، وَإِنَّمَا طَهُرَ لِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ ضَرُورَتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِإِخْرَاجِ مَا بَقِيَ فِيهِ لَا مِنْ أَصْلِ ضَرُورَةِ عَصْرِهِ لِسُهُولَتِهِ بِدُونِهِ، وَإِذَا تُسُومِحَ فِي هَذَا الْمَاءِ فَمَا يُتَوَقَّفُ عَلَيْهِ أَصْلُ الْعَصْرِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (تَخَلَّلَتْ) بِنَفْسِهَا فَتَطْهُرُ بِالتَّخَلُّلِ لِأَنَّ عِلَّةَ النَّجَاسَةِ وَالتَّحْرِيمِ الْإِسْكَارُ وَقَدْ زَالَتْ، وَلِأَنَّ الْعَصِيرَ لَا يَتَخَلَّلُ إلَّا بَعْدَ التَّخَمُّرِ غَالِبًا، فَلَوْ لَمْ نَقُلْ بِالطَّهَارَةِ لِرُبَّمَا تَعَذَّرَ الْخَلُّ وَهُوَ حَلَالٌ إجْمَاعًا وَلَوْ بَقِيَ فِي قَعْرِ الْإِنَاءِ دُرْدِيُّ خَمْرٍ فَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ أَنَّهُ يَطْهُرُ تَبَعًا لِلْإِنَاءِ سَوَاءٌ اسْتَحْجَرَ أَمْ لَا، كَمَا يَطْهُرُ بَاطِنُ جَوْفِ الدَّنِّ، بَلْ هَذَا أَوْلَى، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَيْضًا أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْعَصِيرِ بَيْنَ الْمُتَّخَذِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَغَيْرِهِ.
فَلَوْ جُعِلَ فِيهِ عَسَلًا أَوْ سُكَّرًا أَوْ اتَّخَذَهُ مِنْ نَحْوِ عِنَبٍ وَرُمَّانٍ أَوْ بُرٍّ وَزَبِيبٍ طَهُرَ بِانْقِلَابِهِ خَلًّا، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الْعِمَادِ وَلَيْسَ فِيهِ تَخْلِيلٌ بِمُصَاحَبَةِ عَيْنٍ لِأَنَّ نَفْسَ الْعَسَلِ أَوْ الْبُرِّ وَنَحْوِهِمَا يَتَخَمَّرْ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَكَذَلِكَ السُّكَّرُ فَلَمْ يَصْحَبْ الْخَمْرَ عَيْنٌ أُخْرَى، وَلَوْ جُعِلَ مَعَ نَحْوِ الزَّبِيبِ طِيبًا مُتَنَوِّعًا وَنُقِعَ ثُمَّ صُفِّيَ وَصَارَتْ رَائِحَتُهُ كَرَائِحَةِ الْخَمْرِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ الطِّيبَ إنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الزَّبِيبِ تَنَجَّسَ، وَإِلَّا فَلَا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ أُلْقِيَ عَلَى عَصِيرٍ خَلٌّ دُونَهُ تَنَجَّسَ.
وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالظَّاهِرَ عَدَمُ التَّخَمُّرِ، وَلَا عِبْرَةَ بِالرَّائِحَةِ حِينَئِذٍ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ وَهُوَ أَوْجَهُ، وَيَكْفِي زَوَالُ النَّشْوَةِ وَغَلَبَةُ الْحُمُوضَةِ وَلَا تُشْتَرَطُ نِهَايَتُهَا بِحَيْثُ لَا تَزِيدُ (وَكَذَا إنْ نُقِلَتْ مِنْ شَمْسٍ إلَى ظِلٍّ وَعَكْسُهُ فِي الْأَصَحِّ) أَوْ مِنْ دَنٍّ إلَى آخَرَ أَوْ فَتَحَ رَأْسَ ظَرْفِهِ لِلْهَوَاءِ لِزَوَالِ الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ خَلَّفَتْهَا سَوَاءٌ أَقَصَدَ بِكُلٍّ مِنْهَا التَّخَلُّلَ أَمْ لَا، وَالثَّانِي لَا تَطْهُرُ لِمَا سَيَأْتِي (فَإِنْ خُلِّلَتْ بِطَرْحِ شَيْءٍ) فِيهَا وَلَوْ بِنَفْسِهِ أَوْ بِإِلْقَاءِ نَحْوَ رِيحٍ (فَلَا) تَطْهُرُ لِأَنَّ مَنْ اسْتَعْجَلَ شَيْئًا قَبْلَ أَوَانِهِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ غَالِبًا، سَوَاءٌ كَانَ لَهُ دَخْلٌ فِي التَّخْلِيلِ كَبَصَلٍ وَخُبْزٍ حَارٍّ أَمْ لَا كَحَصَاةٍ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: لِسُهُولَتِهِ بِدُونِهِ. إلَخْ) كَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ قَالُوا بِطَهَارَةِ الْخَمْرِ وَإِنْ اخْتَلَطَ بِهِ مَا تَوَقَّفَ كَمَالُ عَصْرِهِ عَلَيْهِ، وَإِذَا قَالُوا بِذَلِكَ فِي الْخَمْرِ الَّذِي يُمْكِنُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْ الْمَاءِ فَلْيَقُولُوا بِهِ فِي النَّبِيذِ لِكَوْنِ الْمَاءِ مِنْ ضَرُورِيَّاتِهِ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ: بِنَفْسِهَا) قَالَ سم فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ وَجَزَمَ م ر فِي تَقْرِيرِهِ بِحُرْمَةِ الِاسْتِعْجَالِ وَاعْتَمَدَهُ وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ التَّطْهِيرَ اهـ.
وَنُقِلَ فِي حَوَاشِي حَجّ عَدَمُ الْحُرْمَةِ فَلْيُرَاجَعْ، وَعِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ صَرِيحَةٌ فِي الْحُرْمَةِ أَيْضًا حَيْثُ جَعَلَ الْقَوْلَ بِعَدَمِ طَهَارَتِهَا إذَا نُقِلَتْ مِنْ شَمْسٍ إلَى ظِلٍّ مَبْنِيًّا عَلَى حُرْمَةِ الِاسْتِعْجَالِ بِالنَّقْلِ (قَوْلُهُ: دُرْدِيٌّ) هُوَ بِضَمِّ الدَّالِ (قَوْلُهُ: فَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ. إلَخْ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ أَسْكَرَ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ، كَمَا حُكِمَ بِطَهَارَةِ الدَّنِّ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى نَجَاسَةِ الْخَلِّ، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ يَصِيرُ كَالْحَشِيشَةِ الْجَامِدَةِ، عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ أَوْ الْمُطَّرِدَ أَنَّهُ إذَا تَخَلَّلَ لَا يَبْقَى الدُّرْدِيُّ مُسْكِرًا، وَلَعَلَّهُ إذَا بَقِيَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْإِسْكَارِ فَهُوَ أَثَرٌ لَا يَزِيدُ عَلَى مَا يَحْصُلُ مِنْ الْحَشِيشِ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ يَطْهُرُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ: فَلَوْ جُعِلَ فِيهِ) أَيْ فِي الدَّنِّ الَّذِي فِيهِ الْعَصِيرُ (قَوْلُهُ: وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ) أَيْ وَأَنَّهُ طَاهِرٌ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَوْجَهُ) وَجَزَمَ حَجّ بِالتَّفْصِيلِ (قَوْلُهُ: وَيَكْفِي) أَيْ فِي الطَّهَارَةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَنْ اسْتَعْجَلَ شَيْئًا) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِ الْمَتْنِ: فَإِنْ خَلَّلْت إلَخْ، بِقَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا زَادَهُ مِنْ نَحْوِ الرِّيحِ.
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: اسْمٌ لِكُلِّ مُسْكِرٍ) أَيْ حَقِيقَةً كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ، فَفِي اسْتِشْهَادِ الشَّارِحِ بِهِ عَلَى مَا قَدَّمَهُ صُعُوبَةٌ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ: هَلْ الْخَمْرُ حَقِيقَةٌ فِي الْمُعْتَصَرَةِ مِنْ الْعِنَبِ مَجَازٌ فِي غَيْرِهَا. أَوْ حَقِيقَةٌ فِي كُلِّ مُسْكِرٍ؟ (قَوْلُهُ: مُتَنَوِّعًا) لَيْسَ بِقَيْدٍ فِي الْحُكْمِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهُ لِكَوْنِهِ الْوَاقِعَ (قَوْلُهُ: فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ ذَلِكَ الطِّيبَ إنْ كَانَ أَقَلَّ) أَيْ عَيْنَ الطِّيبِ لَا مُجَرَّدَ رَائِحَتِهِ (قَوْلُهُ: وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ) أَيْ، وَهُوَ الطَّهَارَةُ مُطْلَقًا كَمَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ