بِحِلِّ النُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ بِالْمَالِ أَيْ لِأَنَّهُ مِنْ أَقْسَامِ الْجِعَالَةِ فَيَسْتَحِقُّهُ النَّازِلُ وَيَسْقُطُ حَقُّهُ وَإِنْ لَمْ يُقَرِّرْ النَّاظِرُ الْمَنْزُولَ لَهُ لِأَنَّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَلَوْ قَالَ اقْتَرِضْ لِي مِائَةً وَلَكَ عَشْرَةٌ فَهُوَ جِعَالَةٌ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ.
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ وَلَهُ الْحَمْدُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا أَوَّلًا وَآخِرًا.
وَقَدْ تَمَّ النِّصْفُ الْأَوَّلُ مِنْ " شَرْحِ الْمِنْهَاجِ " عَلَى يَدِ مُؤَلِّفِهِ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذَنْبَهُ وَسَتَرَ عَيْبَهُ (مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الرَّمْلِيِّ الْأَنْصَارِيِّ الشَّافِعِيِّ) حَامِدًا وَمُصَلِّيًا وَمُسَلِّمًا وَمُحَسْبِلًا وَمُحَوْقِلًا فِي ثَامِنَ عَشَرَ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَتِسْعِمِائَةٍ وَأَسْأَلُهُ الْإِعَانَةَ عَلَى الْإِتْمَامِ بِجَاهِ مُحَمَّدٍ سَيِّدِ الْأَنَامِ وَمِصْبَاحِ الظَّلَامِ، وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ آمِينَ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
لِعُذْرٍ وَقَدَرَ عَلَى الِاسْتِنَابَةِ فَلَمْ يَفْعَلْ فَيَنْبَغِي سُقُوطُ حَقِّهِ لِتَقْصِيرِهِ (قَوْلُهُ: بِحِلِّ النُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ) وَمِنْ ذَلِكَ الْجَوَامِكُ الْمُقَرَّرِ فِيهَا فَيَجُوزُ لِمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مُسْتَحَقٌّ لَهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ بَيْتِ الْمَالِ النُّزُولُ عَنْهُ وَيَصِيرُ الْحَالُ فِي تَقْرِيرِ مَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ لَهُ مَوْكُولًا إلَى نَظَرِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّقْرِيرِ فِيهِ كَالْبَاشَا فَيُقَرِّرُ مَنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي تَقْرِيرِهِ مِنْ الْمَفْرُوغِ لَهُ أَوْ غَيْرِهِ.
وَأَمَّا الْمَنَاصِبُ الدِّيوَانِيَّةُ كَالْكَتَبَةِ الَّذِينَ يُقَرَّرُونَ مِنْ جِهَةِ الْبَاشَا فِيهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَتَصَرَّفُونَ فِيهَا بِالنِّيَابَةِ عَنْ صَاحِبِ الدَّوْلَةِ فِي ضَبْطِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْمَصَالِحِ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إبْقَائِهِمْ وَعَزْلِهِمْ وَلَوْ بِلَا جُنْحَةٍ، فَلَيْسَ لَهُمْ يَدٌ حَقِيقَةٌ عَلَى شَيْءٍ يَنْزِلُونَ عَنْهُ، بَلْ مَتَى عَزَلُوا أَنْفُسَهُمْ انْعَزَلُوا، وَإِذَا أَسْقَطُوا حَقَّهُمْ عَنْ شَيْءٍ لِغَيْرِهِمْ فَلَيْسَ لَهُمْ الْعَوْدُ إلَّا بِتَوْلِيَةٍ جَدِيدَةٍ مِمَّنْ لَهُ الْوِلَايَةُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَخْذُ عِوَضٍ عَلَى نُزُولِهِمْ لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِمْ لِشَيْءٍ يَنْزِلُونَ عَنْهُ، بَلْ حُكْمُهُمْ حُكْمُ عَامِلِ الْقِرَاضِ فَمَتَى عَزَلَ نَفْسَهُ مِنْ الْقِرَاضِ انْعَزَلَ فَافْهَمْهُ فَإِنَّهُ نَفِيسٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ النَّاظِرَ، وَقَوْلُهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ ظَاهِرُهُ وَإِنْ شَرَطَ الرُّجُوعَ عَلَى الْفَارِغِ إذَا لَمْ يُقَرَّرْ فِي الْوَظِيفَةِ.
وَقَالَ سم فِي الْقَسَمِ وَالنُّشُورِ: يَرْجِعُ حَيْثُ شَرَطَ ذَلِكَ، وَكَتَبَ الشَّارِحُ بِهَامِشِ نُسْخَتِهِ مَا نَصُّهُ: وَلِلْمَنْزُولِ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الرُّجُوعُ إنْ شَرَطَهُ أَوْ أَطْلَقَ وَدَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى بَذْلِ ذَلِكَ فِي تَحْصِيلِهَا لَهُ وَلَا يَمْنَعُ رُجُوعَهُ بَرَاءَةٌ حَصَلَتْ بِهِ بَيْنَهُمَا وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: وَلَك عَشْرَةٌ) أَيْ فِي مُقَابَلَةِ الِاقْتِرَاضِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ جِعَالَةٌ) أَيْ وَيَقَعُ الْمِلْكُ فِي الْمُقْتَرَضِ لِلْقَائِلِ فَعَلَيْهِ رَدُّ بَدَلِهِ، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ فِي الْوَكَالَةِ فَرَاجِعْهُ.
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَجُوزُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ إلَخْ) مُرَادُهُ بِهِ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ الزَّرْكَشِيّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِنْ الْإِمَامِ أَيْ: الْمَنْقُولَ عَنْهُ مَا ذُكِرَ تَفْرِيعٌ عَلَى اخْتِيَارِهِ أَنَّ الْعَمَلَ فِي الْجَعَالَةِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا لَكِنْ صَحَّحَ الشَّيْخَانِ خِلَافَهُ اهـ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الشِّقَّ الْأَوَّلَ يَجُوزُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ لِانْضِبَاطِهِ كَمَا يَجُوزُ عَلَيْهِ عَقْدُ الْجَعَالَةِ، بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ إلَّا عَقْدُ الْجَعَالَةِ؛ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ فَلَيْسَ مُرَادُهُ بِذِكْرِ الْإِجَارَةِ فِي الْأَوَّلِ نَفْيَ صِحَّةِ الْجَعَالَةِ فِيهِ. (قَوْلُهُ: كَأَنْ خَلَّاهُ بِمَضْيَعَةٍ) قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَا حَاجَةَ إلَى التَّقْيِيدِ بِالْمَضْيَعَةِ فَحَيْثُ خَلَّاهُ ضَمِنَ اهـ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: مُرَادُ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْإِعْرَاضَ عَنْ الرَّدِّ فَسَبِيلُهُ أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ، وَلَا يَتْرُكَ ذَلِكَ هَمْلًا، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ يَتْرُكُهُ بِمَهْلَكَةٍ انْتَهَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute