فِي بَابِ الْغَصْبِ وَذُكِرَتْ فِيهَا فَوَائِدُ جُمْلَةٌ هُنَا فِي شَرْحِ الْعُبَابِ.
(وَ) ثَانِيهِمَا (جِلْدٌ نَجِسٌ بِالْمَوْتِ) مَأْكُولًا كَانَ أَمْ غَيْرَهُ (فَيَطْهُرُ بِدَبْغِهِ) أَيْ بِانْدِبَاغِهِ وَلَوْ بِوُقُوعِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِإِلْقَاءِ رِيحٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ أَوْ بِإِلْقَاءِ الدَّابِغِ عَلَيْهِ وَلَوْ بِنَحْوِ رِيحٍ (ظَاهِرُهُ وَكَذَا بَاطِنُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ) لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ «إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ» وَحَدِيثُ «طَهُورُ كُلِّ أَدِيمٍ دِبَاغُهُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَوَرَدَ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ «هَلَّا أَخَذْتُمْ إهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ» .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْخَادِمِ: وَالْمُرَادُ بِبَاطِنِهِ مَا بَطُنَ وَبِظَاهِرِهِ مَا ظَهَرَ مِنْ وَجْهَيْهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ: إذَا قُلْنَا بِطَهَارَةِ ظَاهِرِهِ فَقَطْ جَازَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ لَا فِيهِ، فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ، فَقَدْ رَأَيْت مَنْ يَغْلَطُ فِيهِ.
وَيُؤْخَذُ مِنْ طَهَارَةِ بَاطِنِهِ بِهِ أَنَّهُ لَوْ نَتَفَ الشَّعْرَ بَعْدَ دَبْغِهِ صَارَ مَوْضِعُهُ مُتَنَجِّسًا يَطْهُرُ بِغَسْلِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَالثَّانِي يَقُولُ آلَةُ الدِّبَاغِ لَا تَصِلُ إلَى الْبَاطِنِ.
وَرَدَّ بِوُصُولِهَا إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْمَاءِ أَوْ رُطُوبَةِ الْجِلْدِ وَخَرَجَ بِالْجِلْدِ الشَّعْرُ فَلَا يَطْهُرُ بِهِ وَإِنْ أُلْقِيَ فِي الْمَدْبَغَةِ وَعَمَّهُ الدَّابِغُ لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ لَكِنْ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ وَإِنْ قَالَ الشَّيْخُ إنَّهُ يَطْهُرُ تَبَعًا وَإِنْ لَمْ يَتَأَثَّرْ بِالدَّبْغِ، لَكِنَّ قَوْلَهُ كَمَا يَطْهُرُ دَنُّ الْخَمْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَخَلُّلُ مَحِلِّ وَقْفَةٍ، إذْ يُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّعْرِ وَالدَّنِّ بِأَنَّ الثَّانِيَ مَحِلُّ ضَرُورَةٍ، إذْ لَوْلَا الْحُكْمُ بِطَهَارَتِهِ لَمْ يُمْكِنْ طَهَارَةُ خَلٍّ أَصْلًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لَا ضَرُورَةَ إلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ لِإِمْكَانِ الِانْتِفَاعِ بِهِ لَا مِنْ جِهَةِ الشَّعْرِ وَخَرَجَ بِنَجِسٍ بِالْمَوْتِ جِلْدُ الْمُغَلَّظَةِ فَلَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ، إذْ سَبَبُ نَجَاسَةِ الْمَيْتَةِ تَعَرُّضُهَا لِلْعُفُونَةِ وَالْحَيَاةُ أَبْلَغُ فِي دَفْعِهَا، فَإِذَا لَمْ تُفِدْ الطَّهَارَةَ فَالِانْدِبَاغُ أَوْلَى (وَالدَّبْغُ نَزْعُ فُضُولِهِ) وَهِيَ مَائِيَّتُهُ وَرُطُوبَتُهُ الْمُفْسِدُ لَهُ بَقَاؤُهَا، وَيُطَيِّبُهُ نَزْعُهَا بِحَيْثُ لَوْ نُقِعَ فِي الْمَاءِ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ النَّتِنُ، وَهُوَ مُرَادُ مَنْ عَبَّرَ بِالْفَسَادِ أَوْ هُوَ أَعَمُّ لِيَشْمَلَ نَحْوَ شِدَّةٍ نَحْوِ تَصَلُّبِهِ وَسُرْعَةً نَحْوَ بَلَائِهِ، لَكِنْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَوْ صَغِيرَةٌ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي.
(قَوْلُهُ: جِلْدٌ نَجِسٌ بِالْمَوْتِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ سُلِخَ جِلْدُ حَيَوَانٍ وَهُوَ حَيٌّ لَمْ يَطْهُرْ بِالدَّبْغِ وَلَيْسَ مُرَادًا.
وَعَلَيْهِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِكَوْنِهِ نَجِسًا بِالْمَوْتِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَوْتِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، وَذَلِكَ أَنَّ الْجُزْءَ الْمُنْفَصِلَ مِنْ الْحَيِّ كَمَيِّتَتِهِ، فَانْفِصَالُهُ مَعَ الْحَيَاةِ بِمَنْزِلَةِ انْفِصَالِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ (قَوْلُهُ: أَدِيمٌ) أَيْ جِلْدٌ (قَوْلُهُ: مِنْ وَجْهَيْهِ) شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ الدِّبَاغُ مُلَاقِيًا لِلطَّبَقَةِ الَّتِي تَلِي اللَّحْمَ دُونَ الْمُلَاقِي لِلشَّعْرِ، كَمَا يُفْعَلُ فِي دَبْغِ الْفِرَاءِ بِوَضْعِ نَحْوِ الْقَرَظِ عَلَى الْمُلَاقِي لِلَّحْمِ دُونَ غَيْرِهِ وَيُعَالَجُ حَتَّى تَزُولَ عُفُونَتُهُ، فَإِنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ عَلَى هَذَا طَهَارَةُ الْمُلَاقِي لِلشَّعْرِ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ مِنْ وَجْهَيْهِ دُونَ مَا بَيْنَ طَبَقَتَيْ الْجِلْدِ وَهُوَ مُشْكِلٌ، فَإِنَّهُ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ وُصُولُ أَثَرِ الدِّبَاغِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِلْمُلَاقِي لِلشَّعْرِ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّا بَيْنَ الطَّبَقَتَيْنِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى الْمُلَاقِي لِلشَّعْرِ إلَّا بَعْدَ مُجَاوَرَةِ مَا بَيْنَ الطَّبَقَتَيْنِ، وَصَوَّرَهُ الْبَكْرِيُّ بِمَا إذَا وَضَعَ الدِّبَاغَ عَلَى كُلٍّ مِنْ وَجْهَيْهِ وَعَلَيْهِ فَلَا إشْكَالَ، لَكِنْ يَرُدُّهُ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّارِحِ هُنَا: وَيُؤْخَذُ مِنْ طَهَارَةِ بَاطِنِهِ بِهِ أَنَّهُ لَوْ نَتَفَ الشَّعْرَ بَعْدَ دَبْغِهِ صَارَ مَوْضِعُهُ مُتَنَجِّسًا، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَوْضِعَ الشَّعْرِ طَهُرَ بِالدِّبَاغِ ثُمَّ تَنَجَّسَ بِمُلَاقَاتِهِ لِلشَّعْرِ فَإِنَّ الدِّبَاغَ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ (قَوْلُهُ: لَا ضَرُورَةَ) قَدْ تُمْنَعُ الضَّرُورَةُ بِأَنْ يُقَالَ: يُعْفَى عَنْ مُلَاقَاةِ الدَّنِّ لِلْخَلِّ مَعَ نَجَاسَةِ الدَّنِّ لِلضَّرُورَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ النَّجَاسَةِ التَّنْجِيسُ، فَالْفَرْقُ حِينَئِذٍ فِيهِ نَظَرٌ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: وَرُطُوبَتُهُ) عَطْفٌ مُغَايِرٌ (قَوْلُهُ: بَقَاؤُهَا) أَيْ الْفُضُولِ (قَوْلُهُ: بَلَائِهِ) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: بَلِيَ الثَّوْبُ بِالْكَسْرِ بِلًى بِالْقَصْرِ، فَإِنْ فَتَحْت يَاءَ الْمَصْدَرِ مَدَدْته اهـ.
وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ: هُنَا بَلَائِهِ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ) أَيْ فِي ذَاتِ الدَّنِّ (قَوْلُهُ: أَوْ هُوَ) أَيْ الْفَسَادُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute