لِتَبَيُّنِ عَجْزِهِ عَنْ تَجْهِيزِ غَيْرِهِ، أَوْ اجْتَمَعَ جَمْعٌ مِنْ مُمَوَّنِهِ وَمَاتُوا دَفْعَةً قُدِّمَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ مَنْ يُخْشَى تَغَيُّرُهُ ثُمَّ الْأَبُ لِشِدَّةِ حُرْمَتِهِ ثُمَّ الْأُمُّ؛ لِأَنَّ لَهَا رَحِمًا ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، وَيُقَدَّمُ الْأَكْبَرُ سِنًّا مِنْ أَخَوَيْنِ مَثَلًا، وَيُقْرَعُ بَيْنَ زَوْجَتَيْهِ إذْ لَا مَزِيَّةَ، وَالْأَوْجَهُ تَقْدِيمُ الزَّوْجَةِ عَلَى جَمِيعِ الْأَقَارِبِ ثُمَّ الْمَمْلُوكِ الْخَادِمِ لَهَا بَعْدَهَا لِأَنَّ الْعَلَقَةَ بِهِمَا أَتَمُّ أَخْذًا مِمَّا ذُكِرَ فِي النَّفَقَاتِ، وَقِيَاسُ كَلَامِهِمْ فِيمَا لَوْ دُفِنَ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ فِي قَبْرٍ أَنَّهُ يُقَدَّمُ هُنَا فِي نَحْوِ الْأَخَوَيْنِ الْمُسْتَوِيَيْنِ سِنًّا الْأَفْضَلُ بِنَحْوِ فِقْهٍ أَوْ وَرَعٍ، وَأَنَّهُ لَا يُقَدَّمُ فَرْعٌ عَلَى أَصْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ، بِخِلَافِهِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَيُقَدَّمُ أَبٌ عَلَى ابْنٍ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ وَابْنٌ عَلَى أُمِّهِ لِفَضِيلَةِ الذُّكُورَةِ وَرَجُلٌ عَلَى صَبِيٍّ وَهُوَ عَلَى خُنْثَى فَيُجْعَلُ امْرَأَةً، فَإِنْ اسْتَوَوْا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ.
وَفِي كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ مَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْإِقْرَاعُ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ، وَإِنْ تَفَاوَتْنَ فِي الْفَضْلِ وَغَيْرِهِ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ لَا تَقْبَلُ التَّفَاوُتَ فِيهَا، بِخِلَافِ الْأُخُوَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِوُجُوبِ التَّجْهِيزِ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْمَمْلُوكِينَ كَذَلِكَ، أَمَّا إذَا تَرَتَّبُوا فَيُقَدَّمُ السَّابِقُ حَيْثُ أُمِنَ فَسَادُ غَيْرِهِ وَلَوْ مَفْضُولًا، هَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْقِيَامُ بِأَمْرِ الْجَمِيعِ، وَإِلَّا فَالْأَوْجَهُ وُجُوبُهُ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي الْفِطْرَةِ، فَتُقَدَّمُ الزَّوْجَةُ فَالْوَلَدُ الصَّغِيرُ فَالْأَبُ فَالْأُمُّ فَالْكَبِيرُ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَمَا مَرَّ قَبْلَهُ أَنَّ ذَاكَ فِيهِ إيثَارُ مُجَرَّدِ التَّعْجِيلِ فَنُظِرَ فِيهِ إلَى الْأَشْرَفِ، وَهَذَا فِيهِ إيثَارٌ بِالتَّجْهِيزِ فَنُظِرَ فِيهِ إلَى الْأَلْزَمِ مُؤْنَةً ثُمَّ الْأَشْرَفِ، وَذِكْرُهُمْ الْأَخَوَيْنِ هُنَا مَعَ أَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ تَجِبُ مُؤْنَتُهُ لَعَلَّهُمْ أَرَادُوا بِهِ مَا إذَا انْحَصَرَ تَجْهِيزُهُمَا فِيهِ أَوْ أَلْزَمَهُ بِهِ مَنْ يَرَى وُجُوبَ ذَلِكَ (ثُمَّ) بَعْدَ مُؤْنَةِ التَّجْهِيزِ (تُقْضَى دُيُونُهُ) الْمُتَعَلِّقَةُ بِذِمَّتِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ سَوَاءٌ أَكَانَ لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ لِآدَمِيٍّ أَوْصَى بِهِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الْآيَةِ عَلَى الدَّيْنِ ذِكْرًا لِكَوْنِهَا قُرْبَةً أَوْ مُشَابَهَةً لِلْإِرْثِ مِنْ حَيْثُ أَخْذُهَا بِلَا عِوَضٍ وَمَشَقَّتُهَا عَلَى
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَإِنْ مَاتَ مُمَوِّنُهُ قَبْلَهُ وَخِيفَ تَغَيُّرُهُ (قَوْلُهُ: مَنْ يُخْشَى تَغَيُّرُهُ) أَيْ وَإِنْ بَعُدَ وَكَانَ مَفْضُولًا (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْأُمُّ) ظَاهِرُهُ تَقْدِيمُ الْأَبَوَيْنِ عَلَى الْفَرْعِ وَلَوْ صَغِيرًا، وَسِيَاقُ مَا يُصَرِّحُ بِهِ فِي قَوْلِهِ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَمَا مَرَّ إلَخْ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّ الْأُمَّ تُقَدَّمُ عَلَى الْفَرْعِ وَلَوْ ذَكَرًا وَسَيَأْتِي مَا يُخَالِفُهُ (قَوْلُهُ: وَيُقَدَّمُ الْأَكْبَرُ سِنًّا) أَيْ وَلَوْ كَانَ مَفْضُولًا كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُ وَأَفَادَهُ قَوْلُهُ: الْآتِي أَنَّهُ يُقَدَّمُ هُنَا فِي نَحْوِ الْأَخَوَيْنِ الْمُسْتَوِيَيْنِ سِنًّا الْأَفْضَلُ بِنَحْوِ فِقْهٍ أَوْ وَرَعٍ. وَقِيَاسُ ذَلِكَ تَقْدِيمُ الْوَلَدِ الْكَبِيرِ عَلَى الْوَلَدِ الصَّغِيرِ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْقِيَامُ بِهِمَا (قَوْلُهُ: إذْ لَا مَزِيَّةَ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الزَّوْجِيَّةُ كَمَا يَأْتِي فَلَا نَظَرَ إلَى كَوْنِ إحْدَاهُمَا أَفْضَلَ مِنْ الْأُخْرَى (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ تَقْدِيمُ الزَّوْجَةِ إلَخْ) أَيْ فَتُقَدَّمُ عَلَى الْأَبِ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِفَضِيلَةِ الذُّكُورَةِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْإِخْوَةَ لَوْ اخْتَلَفُوا ذُكُورَةً وَأُنُوثَةً قُدِّمَ الذَّكَرُ، وَأَنَّ الْمَمَالِيكَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَيُجْعَلُ امْرَأَةً) أَيْ يُفْرَضُ (قَوْلُهُمَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ) أَيْ مِنْ التَّفْصِيلِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْإِخْوَةِ) أَيْ فَإِنَّهَا تَتَفَاوَتُ فِي نَفْسِهَا بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْإِخْوَةِ شَقِيقًا وَالْآخَرُ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ (قَوْلُهُ: وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْمَمْلُوكِينَ كَذَلِكَ) أَيْ كَالزَّوْجَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكِيَّةَ لَا تَتَفَاوَتُ فِيهِمْ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَالْأَوْجَهُ وُجُوبُهُ) أَيْ التَّرْتِيبِ (قَوْلُهُ: وَمَا مَرَّ قَبْلَهُ) أَيْ مِنْ تَقْدِيمِ الْأَبِ وَالْأُمِّ عَلَى الْوَلَدِ الصَّغِيرِ (قَوْلُهُ: إنَّ ذَاكَ فِيهِ إلَخْ) يُتَأَمَّلُ قَوْلُهُ: إنَّ ذَاكَ إلَخْ فَإِنَّهُ فَرَضَ الْكَلَامَ، ثُمَّ فِيمَا إذَا لَمْ تَفِ التَّرِكَةُ إلَّا بِتَجْهِيزِ وَاحِدٍ، وَعَلَيْهِ فَالْفَائِتُ التَّجْهِيزُ لَا التَّعْجِيلُ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: إنَّ الْفَائِتَ ثَمَّ التَّجْهِيزُ فَرُوعِيَ فِيهِ الْأَشْرَفُ، وَالْفَائِتُ هُنَا مُجَرَّدُ التَّعْجِيلِ فَرُوعِيَ فِيهِ الْأَلْزَمُ.
(قَوْلُهُ: مَا إذَا انْحَصَرَ تَجْهِيزُهُمَا فِيهِ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ غِنًى إلَّا هُوَ (قَوْلُهُ: أَمْ لِآدَمِيٍّ أَوْصَى بِهِ) أَيْ ذَلِكَ الْآدَمِيُّ بِهِ، أَيْ بِالدَّيْنِ: هَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِمَّا ذَكَرَ، وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ بِأَنَّ مَا أَوْصَى بِهِ لَيْسَ ثَابِتًا فِي ذِمَّتِهِ، فَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ الدَّائِنَ أَوْصَى بِهِ لِزَيْدٍ مَثَلًا وَمَاتَ وَقَبِلَ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ ثُمَّ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ.
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَمَا مَرَّ قَبْلَهُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ أَوْ اجْتَمَعَ جَمْعٌ مِنْ مُمَوَّنِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute