تَكُونَ النَّجَاسَةُ دَاخِلَ الْأَجْزَاءِ الصِّغَارِ، وَلَوْ تَنَجَّسَ زِئْبَقٌ طَهُرَ بِغَسْلَةِ، ظَاهِرُهُ إنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ تَنَجُّسِهِ وَغَسْلِهِ تُقْطَعُ، وَإِنْ تَقَطَّعَ بَيْنَهُمَا فَلَا، وَعَلَى هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ يُحْمَلُ كَلَامُ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ إمْكَانِ تَطْهِيرِهِ وَمَنْ قَالَ بِإِمْكَانِهِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُغْسَلَ مَحَلُّ النَّجَاسَةِ بَعْدَ طُهْرِهَا غَسْلَتَيْنِ لِتَكْمُلَ الثَّلَاثُ وَلَوْ مُخَفَّفَةً فِي الْأَوْجَهِ.
أَمَّا الْمُغَلَّظَةُ فَلَا كَمَا قَالَهُ الجيلوي فِي بَحْرِ الْفَتَاوَى فِي نَشْرِ الْحَاوِي، وَبِهِ جَزَمَ التَّقِيُّ ابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ، لِأَنَّ الْمُكَبَّرَ لَا يُكَبَّرُ كَالْمُصَغَّرِ لَا يُصَغَّرُ، وَمَعْنَى أَنَّ الْمُكَبَّرَ لَا يُكَبَّرُ أَنَّ الشَّارِعَ بَالَغَ فِي تَكْبِيرِهِ فَلَا يُرَادُ عَلَيْهِ، كَمَا أَنَّ الشَّيْءَ إذَا صُغِّرَ مَرَّةً لَا يُصَغَّرُ أُخْرَى، وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِمْ الشَّيْءُ إذَا انْتَهَى نِهَايَتَهُ فِي التَّغْلِيظِ لَا يَقْبَلُ التَّغْلِيظَ كَالْأَيْمَانِ فِي الْقَسَامَةِ وَكَقَتْلِ الْعَمْدِ وَشَبَهِهِ لَا تُغَلَّظُ فِيهِ الدِّيَةُ وَإِنْ غُلِّظَتْ فِي الْخَطَأِ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْقَوَاعِدِ، وَيَقْرُبُ مِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي الْجِزْيَةِ: إنَّ الْجُبْرَانَ لَا يُضَعَّفُ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ نِيَّةٌ وَتَجِبُ إزَالَتُهَا فَوْرًا إنْ عَصَى بِهَا وَإِلَّا فَلِنَحْوِ صَلَاةٍ.
نَعَمْ يُسَنُّ الْمُبَادَرَةُ بِإِزَالَتِهَا حَيْثُ لَمْ تَجِبْ.
وَأَمَّا الْعَاصِي بِجَنَابَتِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُبَادَرَةُ بِالْغُسْلِ كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ، لِأَنَّ الْمُتَنَجِّسَ مُتَلَبِّسٌ بِمَا عَصَى بِهِ بِخِلَافِ الْجُنُبِ، وَلَوْ أَصَابَ شَيْءٌ مِنْ غَسَلَاتِ الْكَلْبِ شَيْئًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَحِلِّ الْمُنْتَقِلِ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَتْرِيبِهِ غَسَلَهُ قَدْرَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ السَّبْعِ وَلَمْ يَتَرَتَّبْ وَإِلَّا فَعَدَدُ مَا بَقِيَ مَعَ التَّتْرِيبِ.
أَمَّا الْمُتَطَايِرُ مِنْ أَرْضٍ تُرَابِيَّةٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ.
وَالْمُرَادُ بِغُسَالَةِ النَّجَاسَةِ مَا اُسْتُعْمِلَ فِي وَاجِبِ الْإِزَالَةِ.
أَمَّا الْمُسْتَعْمَلُ فِي مَنْدُوبِهَا فَطَهُورٌ، وَمَا غُسِلَ بِهِ نَجَاسَةٌ مَعْفُوٌّ عَنْهَا كَقَلِيلِ دَمِ غَيْرِ طَهُورٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ النَّقِيبِ، وَيَتَعَيَّنُ فِي نَحْوِ الدَّمِ إذَا أُرِيدَ غَسْلُهُ بِالصَّبِّ عَلَيْهِ فِي نَحْوِ جَفْنَةٍ وَالْمَاءُ قَلِيلٌ بِإِزَالَةِ عَيْنِهِ وَإِلَّا تَنَجَّسَ الْمَاءُ بِمَا بَعْدَ اسْتِقْرَارِهِ مَعَهَا فِيهَا، وَمَالَ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ إلَى
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَنَّهُ طَاهِرٌ حَقِيقَةً إلَخْ.
(قَوْلُهُ: زِئْبَقٌ) كَدِرْهَمٍ وَزِبْرِجٍ مُخْتَارٌ.
(قَوْلُهُ: لَا تُغَلَّظُ فِيهِ الدِّيَةُ) أَيْ فَلَوْ قَتَلَ مَحْرَمًا ذَا رَحِمٍ وَفِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ عَمْدًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ لَا تُغَلَّظُ دِيَتُهُ زِيَادَةً عَلَى مَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ خَطَأً فَإِنَّهُ يُغَلَّظُ فِيهِ الدِّيَةُ.
(قَوْلُهُ: قَوْلُهُ: م فِي الْجِزْيَةِ إلَخْ) وَذَلِكَ فِيمَا لَوْ قَالَ: قُوِّمَ بِدَفْعِ الْجِزْيَةِ بِاسْمِ الزَّكَاةِ وَلَمْ يَفِ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ بِاسْمِ الزَّكَاةِ بِدِينَارٍ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ فَإِنَّ الزَّكَاةَ تُضَاعَفُ عَلَيْهِمْ دُونَ الْجُبْرَانِ (قَوْلُهُ: فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ) أَيْ وَلَوْ مُغَلَّظَةً (قَوْلُهُ: نِيَّةٌ) وَهَلْ يُسْتَحَبُّ أَوْ لَا فِيهِ نَظَرٌ وَلَا يَبْعُدُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: بِعَدَدِ مَا بَقِيَ) وَعَلَيْهِ فَلَوْ غَسَلَ سَبْعًا مِنْ غَيْرِ تُرَابٍ وَتَطَايَرَ مِنْ السَّابِعَةِ وَجَبَ غَسْلُهُ مَرَّةً فَقَطْ بِتُرَابٍ، لِأَنَّ السَّابِعَةَ لَمَّا خَلَتْ مِنْ التُّرَابِ أُلْغِيَتْ وَكَأَنَّهُ تَطَايَرَ مِنْ السَّادِسَةِ، وَالْحُكْمُ فِيهَا أَنَّ مَا تَطَايَرَ مِنْهَا يُغْسَلُ مَرَّةً لِأَنَّ لِلْمُنْتَقَلِ إلَيْهِ حُكْمُ الْمُنْتَقَلِ عَنْهُ.
(فَرْعٌ) لَوْ اجْتَمَعَ غَسَلَاتُ الْمُغَلَّظَةِ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْهَا فَالْوَجْهُ وُجُوبُ سِتِّ غَسَلَاتٍ مُطْلَقًا، لِأَنَّ فِيهَا غُسَالَةَ الْأُولَى وَالْإِصَابَةُ مِنْهَا تَقْتَضِي الْغَسْلَ سِتًّا.
وَأَمَّا التَّرْتِيبُ فَعَلَى مَا مَرَّ.
وَنَقَلَ م ر عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ أَنَّهُ أَفْتَى بِوُجُوبِ سَبْعِ غَسَلَاتٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ السَّبْعِ لَوْ أَصَابَهُ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ يَجِبْ التَّسْبِيعُ، فَكَذَا الْمَجْمُوعُ قم.
وَأَرَادَ بِمَا مَرَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْأَوْجَهَ أَنَّهُ إنْ كَانَ تَرَّبَ فِي الْأُولَى لَمْ يَحْتَجْ لِلتَّتْرِيبِ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَأْتِي بِهِ مِنْ الْغَسَلَاتِ السِّتَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَرَّبَ فِيهَا وَجَبَ التَّتْرِيبُ وَإِنْ كَانَ تَرَّبَ فِي غَيْرِهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُتَرِّبْ فِي الْأُولَى وَقَدْ اخْتَلَطَ مَاؤُهَا بِغَيْرِهِ فَوَجَبَ التَّتْرِيبُ (قَوْلُهُ: فِي مَنْدُوبِهَا) كَالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ (قَوْلُهُ: مَعْفُوٌّ عَنْهَا) وَغَسْلُهَا مَنْدُوبٌ بَلْ قَدْ يَجِبُ كَأَنْ أَرَادَ اسْتِعْمَالَ الثَّوْبِ عَلَى وَجْهٍ يَتَنَجَّسُ بِهِ مَا لَاقَاهُ (قَوْلُهُ: وَمَالَ جَمْعٌ إلَخْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ أَوَّلًا، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَمَالَ جَمْعٌ) مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ انْفَصَلَتْ زَائِدَةٌ بَعْدَ اعْتِبَارِ مَا يَشْرَبُهُ الْمَحَلُّ إلَخْ، فَهَذَا الْجَمْعُ يَقُولُ بِطَهَارَةِ الْمَحَلِّ وَإِنْ زَادَ وَزْنُ الْغُسَالَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَارِّ. .