للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي التَّلَفِ وَالرَّدِّ يَجْرِي فِي كُلِّ أَمِينٍ إلَّا الْمُرْتَهِنَ وَالْمُكْتَرِي فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا فِي الرَّدِّ، وَسَيُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي الدَّعَاوَى أَنَّ نَحْوَ الْغَاصِبِ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى التَّلَفِ أَيْضًا لِئَلَّا يَتَخَلَّدَ حَبْسُهُ ثُمَّ يَغْرَمُ الْبَدَلَ، وَأَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ أَيِسَ مِنْ مَالِكِهَا بَعْدَ الْبَحْثِ التَّامِّ بِأَنَّهُ يَصْرِفُهَا فِي أَهَمِّ الْمَصَالِحِ إنْ عَرَفَ وَإِلَّا سَأَلَ عَارِفًا وَيُقَدِّمُ الْأَحْوَجَ وَلَا يَبْنِي بِهَا مَسْجِدًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَدْفَعُهَا لِقَاضٍ أَمِينٍ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِفَسَادِ الزَّمَانِ، قَالَ كَالْجَوَاهِرِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَعْرِفَهَا كَاللُّقَطَةِ فَلَعَلَّ صَاحِبَهَا نَسِيَهَا، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ صَرَفَهَا فِيمَا ذُكِرَ انْتَهَى.

وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِهَا فِيمَا تَقَرَّرَ لُقَطَةُ الْحَرَمِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا مَالٌ ضَائِعٌ فَمَتَى لَمْ يَيْأَسْ مِنْ مَالِكِهِ أَمْسَكَهُ لَهُ أَبَدًا مَعَ التَّعْرِيفِ أَوْ أَعْطَاهُ لِلْقَاضِي فَيَحْفَظُهُ لَهُ كَذَلِكَ، وَمَتَى أَيِسَ مِنْهُ: أَيْ بِأَنْ يَبْعُدَ عَادَةً وُجُودُهُ فِيمَا يَظْهَرُ صَارَ مِنْ جُمْلَةِ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ كَمَا مَرَّ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ فَيَصْرِفُهُ فِي مَصَارِفِهَا مَنْ هُوَ تَحْتَ يَدِهِ وَلَوْ لِبِنَاءِ مَسْجِدٍ، وَقَوْلُهُ وَلَا يَبْنِي بِهَا مَسْجِدًا لَعَلَّهُ بِاعْتِبَارِ الْأَفْضَلِ وَأَنَّ غَيْرَهُ أَهَمُّ، وَإِلَّا فَقَدْ صَرَّحُوا فِي مَالِ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ بِأَنَّ لَهُ بِنَاءَهُ أَوْ يَدْفَعُهُ لِلْإِمَامِ مَا لَمْ يَكُنْ جَائِرًا فِيمَا يَظْهَرُ، وَلَوْ تَنَازَعَ اثْنَانِ فِي الْوَدِيعَةِ وَادَّعَى كُلٌّ أَنَّهَا مِلْكُهُ فَصَدَّقَ الْوَدِيعُ أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ فَلِلْآخَرِ تَحْلِيفُهُ، فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَتْ دَعْوَى الْآخَرِ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْآخَرُ وَغَرِمَ لَهُ الْوَدِيعُ الْقِيمَةَ، وَإِنْ صَدَّقَهُمَا فَالْيَدُ لَهُمَا وَالْخُصُومَةُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ قَالَ هِيَ لِأَحَدِكُمَا وَأُنْسِيته وَكَذَّبَاهُ فِي النِّسْيَانِ ضَمِنَ كَالْغَاصِبِ، وَالْغَاصِبُ لَوْ قَالَ هَذَا لِأَحَدِكُمَا وَأُنْسِيته فَحَلَفَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْبَتِّ أَنَّهُ لَمْ يَغْصِبْهُ تَعَيَّنَ الْمَغْصُوبُ لِلْآخَرِ بِلَا يَمِينٍ.

وَلَوْ ادَّعَى الْوَارِثُ عِلْمَ الْوَدِيعِ بِمَوْتِ الْمَالِكِ وَطَلَبَهَا مِنْهُ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ بِهِ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْوَارِثُ وَأَخَذَهَا، وَإِنْ قَالَ الْوَدِيعُ حَبَسْتهَا عِنْدِي لِأَنْظُرَ هَلْ أَوْصَى بِهَا مَكَالُهَا أَوْ لَا فَهُوَ مُتَعَدٍّ ضَامِنٌ، وَلَوْ أَوْدَعَهُ وَرَقَةً مَكْتُوبَةً بِإِقْرَارٍ أَوْ نَحْوِهِ وَتَلِفَتْ بِتَقْصِيرِهِ ضَمِنَ قِيمَتَهَا مَكْتُوبَةً وَأُجْرَةَ الْكِتَابَةِ: أَيْ وُجُوبَ قِيمَتِهَا مَعَ الْأُجْرَةِ، وَدَعْوَى كَوْنِ ذَلِكَ مَمْنُوعًا وَنَفَى الْأَذْرَعِيُّ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَجْهٌ مَرْدُودَةٌ، إذْ وَجْهُهُ وَاضِحٌ كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهُوَ أَنَّ الْكَاغَدَ قَبْلَ كِتَابَتِهِ تَكْثُرُ فِيهِ الرَّغْبَةُ لِلِانْتِفَاعِ بِالْكِتَابَةِ فِيهِ فَقِيمَتُهُ مُرْتَفِعَةٌ، وَبَعْدَ كِتَابَتِهِ يَصِيرُ لَا قِيمَةَ لَهُ أَوْ قِيمَتُهُ تَافِهَةٌ، فَلَوْ لَمْ تَلْزَمْهُ مَعَ قِيمَتِهِ مَكْتُوبًا أُجْرَةُ كِتَابَةِ الشُّهُودِ لَأَجْحَفْنَا بِمَالِكِهِ؛ وَلِهَذَا الْمَعْنَى لَوْ أَتْلَفَ مَاءً بِمَفَازَةٍ ثُمَّ ظَفِرَ بِهِ مَالِكُهُ بِمَكَانٍ لَا قِيمَةَ لِلْمَاءِ فِيهِ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ لَا مِثْلُهُ، وَإِنَّمَا لَزِمَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ مُطَرَّزًا دُونَ أُجْرَةِ التَّطْرِيزِ لِعَدَمِ الْإِجْحَافِ بِالْمَالِكِ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الثَّوْبِ تَزِيدُ بِتَطْرِيزِهِ، بَلْ كَثِيرًا مَا تُجَاوِزُ الزِّيَادَةُ قِيمَةَ مَا طُرِّزَ بِهِ، وَمِنْ نَظَائِرِ مَسْأَلَتِنَا مَا لَوْ أَعَارَ أَرْضًا لِلدَّفْنِ فَحَفَرَ فِيهَا الْمُسْتَعِيرُ ثُمَّ رَجَعَ الْمُعِيرُ قَبْلَ الدَّفْنِ فَمُؤْنَةُ الْحَفْرِ عَلَيْهِ لِوَلِيِّ الْمَيِّتِ، وَمَا لَوْ وَطِئَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَقَوْلُهُ وَلَا وَدِيعَةَ لَك عِنْدِي، (قَوْلُهُ: إلَّا الْمُرْتَهِنَ وَالْمُكْتَرِيَ) وَالضَّابِطُ أَنْ يُقَالَ: كُلُّ مَنْ ادَّعَى التَّلَفَ صُدِّقَ وَلَوْ غَاصِبًا، وَمَنْ ادَّعَى الرَّدَّ فَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ يَدَ ضَمَانٍ كَالْمُسْتَامِ (لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) وَإِنْ كَانَ أَمِينًا فَإِنْ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى غَيْرِ مَنْ ائْتَمَنَهُ فَكَذَلِكَ أَوْ عَلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إلَّا الْمُكْتَرِيَ وَالْمُرْتَهِنَ (قَوْلُهُ: لُقَطَةُ الْحَرَمِ) أَيْ حَرَمِ مَكَّةَ لَا الْمَدِينَةِ لِجَوَازِ تَمَلُّكِ لُقَطَتِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: فَيَصْرِفُهُ فِي مَصَارِفِهَا) أَيْ وَلَا يَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا لِنَفْسِهِ لِاتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ (قَوْلُهُ: ضَمِنَ كَالْغَاصِبِ) وَحُكْمُهُ يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَالْغَاصِبُ لَوْ قَالَ إلَخْ.

(قَوْلُهُ عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ بِهِ) أَيْ بِالْمَوْتِ (قَوْلُهُ: وَأُجْرَةِ الْكِتَابَةِ) أَيْ الْمُعْتَادَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ الْحُجَجُ الْمَعْرُوفَةُ وَالتَّذَاكِرُ الدِّيوَانِيَّةُ وَنَحْوُهَا،

ــ

[حاشية الرشيدي]

أَيْ مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِأَصْلِ الْإِيدَاعِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: أَوْ يَدْفَعُهُ لِلْإِمَامِ إلَخْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ فَيَصْرِفُهُ فِي مَصَارِفِهَا مَنْ هُوَ تَحْتَ يَدِهِ (قَوْلُهُ: سَقَطَتْ دَعْوَى الْآخَرِ) كَانَ الْأَوْضَحُ الْإِضْمَارَ

(قَوْلُهُ: أَيْ وُجُوبُ قِيمَتِهَا) اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ مَعَ أَنَّ مَا قَبْلَهُ أَوْضَحُ فِي الْمُرَادِ مِنْهُ مَعَ عَدَمِ اسْتِقَامَتِهِ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةُ كَمَا لَا يَخْفَى

<<  <  ج: ص:  >  >>