للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَمْ تَثْبُتْ مُصَاهَرَةٌ، وَقَدْ بَلَّغَ بَعْضُ اللُّغَوِيِّينَ أَسْمَاءَهُ أَلْفًا وَأَرْبَعِينَ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ الْآيَاتُ وَالْأَخْبَارُ الْكَثِيرَةُ، وَفَائِدَتُهُ حِفْظُ النَّسْلِ وَتَفْرِيغُ مَا يَضُرُّ حَبْسُهُ وَاسْتِيفَاءُ اللَّذَّةِ وَالتَّمَتُّعِ، وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي فِي الْجَنَّةِ، وَهَلْ هُوَ عَقْدُ تَمْلِيكٍ أَوْ إبَاحَةٍ؟ وَجْهَانِ يَظْهَرُ أَثَرُهُمَا فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَلَهُ زَوْجَةٌ وَالْأَصَحُّ لَا حِنْثَ حَيْثُ لَا نِيَّةَ، وَعَلَى الْأَصَحِّ الْأَوَّلُ فَهُوَ مَالِكٌ؛ لَأَنْ يَنْتَفِعَ لَا لِلْمَنْفَعَةِ، فَلَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَالْمَهْرُ لَهَا اتِّفَاقًا، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ، وَقَدْ افْتَتَحَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بِذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ ذِكْرُهَا مُسْتَحَبٌّ لِئَلَّا يَرَاهَا جَاهِلٌ فَيَعْمَلُ بِهَا.

وَلِنَذْكُرْ طَرَفًا مِنْهَا عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّكِ فَنَقُولُ: هِيَ أَنْوَاعٌ: أَحَدُهَا الْوَاجِبَاتُ كَالضُّحَى وَالْوِتْرِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: وَلَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَطْءَ لَا يُسَمَّى نِكَاحًا وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ حَيْثُ أُطْلِقَ حُمِلَ عَلَى الْعَقْد إلَّا بِقَرِينَةٍ فَنَحْوَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: ٢٢] مَعْنَاهُ: لَا تَنْكِحُوا مَنْ عَقَدَ عَلَيْهَا آبَاؤُكُمْ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ مَنْ زَنَى بِهَا أَبُوهُ لَا تَحْرُمُ (قَوْلُهُ: وَالْأَخْبَارُ الْكَثِيرَةُ) قَالَ حَجّ: وَقَدْ جَمَعْتهَا فَزَادَتْ عَلَى الْمِائَةِ بِكَثِيرٍ فِي تَصْنِيفٍ سَمَّيْته الْإِفْصَاحَ عَنْ أَحَادِيثِ النِّكَاحِ اهـ (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ) أَيْ اسْتِيفَاءُ اللَّذَّةِ (قَوْلُهُ: أَوْ إبَاحَةٌ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ) مُسْتَأْنَفٌ، وَقَوْلُهُ: وَطْؤُهَا: أَيْ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا، فَلَوْ عَلِمَ زِنَاهَا لَوْ لَمْ يَطَأْ فَالْقِيَاسُ وُجُوبُ الْوَطْءِ دَفْعًا لِهَذِهِ الْمَفْسَدَةِ لَا لِكَوْنِهِ حَقًّا لَهَا (قَوْلُهُ: مِنْ خَصَائِصِهِ) وَخَصَائِصُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِسْمَانِ: مِنْهَا مَا اخْتَصَّ بِهِ عَلَى أُمَّتِهِ وَإِنْ شَارَكَهُ غَيْرُ أُمَّتِهِ فِيهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ، وَمِنْهَا مَا اخْتَصَّ بِهِ عَنْ سَائِرِ الْخَلْقِ فَلَا يَنْتَقِضُ عَدُّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْخَصَائِصِ بِأَنَّ فِيهَا مَا شَارَكَ فِيهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُهُ (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَرَاهَا) عِلَّةً لِاسْتِحْبَابِ ذِكْرِهَا، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ نَفَى الْفَائِدَةَ فِي ذِكْرِهَا الْآنَ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ ذِكْرُهَا مَعَ التَّوَهُّمِ الْمَذْكُورِ.

لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقَ الْوُقُوعَ فِيهِ سِيَّمَا وَالْجَاهِلُ لَا يَسْتَقِلُّ بِأَخْذِ الْحُكْمِ مِنْ الْكُتُبِ بَلْ يَبْحَثُ عَنْهَا، وَيَسْأَلُ الْعَالِمَ بِهَا (قَوْلُهُ: كَالضُّحَى) وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَقَلُّ الضُّحَى لَا أَكْثَرُهُ، وَقِيَاسُهُ فِي الْوِتْرِ كَذَلِكَ اهـ خَطِيبٌ عَلَى الْبَهْجَةِ.

أَقُولُ: قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ رَكْعَةً وَاحِدَةً، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ ثَلَاثَةٌ، وَيُحْمَلُ الْأَقَلُّ فِي حَقِّهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْوِتْرِ عَلَى أَدْنَى الْكَمَالِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الضُّحَى

ــ

[حاشية الرشيدي]

وَقَوْلُهُ وَلَوْ زَنَى إلَخْ تَفْرِيعٌ ثَانٍ (وَقَوْلُهُ هَذِهِ) يَعْنِي اسْتِيفَاءَ اللَّذَّةِ وَالتَّمَتُّعِ إذْ الْعَطْفُ لِلتَّفْسِيرِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ لَا حِنْثَ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إبَاحَةٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الشِّهَابِ حَجّ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ سِيَاقُهُ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ فِي تَصْحِيحِهِ كَانَهُ اسْتِرْوَاحٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَعَلَى الْأَصَحِّ الْأَوَّلُ فَهُوَ مَالِكٌ لَأَنْ يَنْتَفِعَ إلَخْ، إذْ هَذَا تَفْسِيرٌ لِلْمُرَادِ مِنْ الْمِلْكِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ، وَهُوَ تَابِعٌ فِي هَذَا التَّصْحِيحِ لِوَالِدِهِ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَعِبَارَةُ الشِّهَابِ حَجّ: وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهُوَ مَالِكٌ إلَخْ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ صَحَّحَ مُقَابِلَهُ كَمَا سَبَقَ (قَوْلُهُ: إذْ ذِكْرُهَا مُسْتَحَبٌّ) يُقَالُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ بَاقٍ عَنْ حِكْمَةِ ذِكْرِهَا هُنَا بِالْخُصُوصِ الَّذِي هُوَ الْمُدَّعَى، وَقَوْلُهُ لِئَلَّا يَرَاهَا جَاهِلٌ إلَخْ هَذَا فِي الرَّوْضَةِ عِلَّةٌ لِوُجُوبِ ذِكْرِهَا لَا لِاسْتِحْبَابِهِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْبَهْجَةِ الْكَبِيرِ: وَابْتَدَأَ النَّاظِمُ كَجَمَاعَةِ الْبَابِ بِذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهَا فِي النِّكَاحِ أَكْثَرُ مِنْهَا فِي غَيْرِهِ.

قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: قَالَ الصَّيْمَرِيُّ: مَنَعَ ابْنُ خَيْرَانَ الْكَلَامَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ انْقَضَى فَلَا مَعْنَى لِلْكَلَامِ فِيهِ.

وَقَالَ سَائِرُ الْأَصْحَابِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْعِلْمِ.

قَالَ: وَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِجَوَازِهِ بَلْ اسْتِحْبَابِهِ، بَلْ لَا يَبْعُدُ وُجُوبُهُ لِئَلَّا يَرَى جَاهِلٌ بَعْضَ الْخَصَائِصِ فِي الْخَبَرِ الصَّحِيحِ فَيَعْمَلُ بِهَا أَخْذًا بِأَصْلِ التَّأَسِّي فَوَجَبَ بَيَانُهَا لِتُعْرَفَ، فَأَيُّ فَائِدَةٍ أَهَمُّ مِنْ هَذِهِ؟ وَأَمَّا مَا يَقَعُ فِي ضِمْنِ الْخَصَائِصِ مِمَّا لَا فَائِدَةَ فِيهِ الْيَوْمَ فَقَلِيلٌ لَا تَخْلُو أَبْوَابُ الْفِقْهِ عَنْ مِثْلِهِ لِلتَّدَرُّبِ وَمَعْرِفَةِ الْأَدِلَّةِ وَتَحْقِيقِ الشَّيْءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>