جُمُعَةً فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَلَا يَتَيَمَّمُ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَاقِدٍ لِلْمَاءِ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) بَعْدَ الْبَحْثِ الْمَذْكُورِ مَاءً (تَيَمَّمَ) لِأَنَّ الْفَقْدَ حَاصِلٌ وَتَأْخِيرُ التَّيَمُّمِ عَنْ الطَّلَبِ فِي الْوَقْتِ جَائِزٌ إنْ لَمْ يَحْدُثْ سَبَبٌ يُحْتَمَلُ مَعَهُ وُجُودُ الْمَاءِ (فَلَوْ) طَلَبَ كَمَا مَرَّ وَتَيَمَّمَ، وَ (مَكَثَ) بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِهَا (مَوْضِعَهُ) وَلَمْ يَتَيَقَّنْ عَدَمَهُ بِالطَّلَبِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُحَالُ عَلَيْهِ وُجُودُهُ (فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الطَّلَبِ) ثَانِيًا (لِمَا يَطْرَأُ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ طَرَيَانُهُ لِلْحَدَثِ أَمْ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ أَمْ قَضَاءِ صَلَوَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ أَمْ غَيْرِ مُتَوَالِيَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ اطِّلَاعِهِ عَلَى بِئْرٍ خَفِيَتْ عَلَيْهِ أَوْ وُجُودِ مَنْ يَدُلُّهُ عَلَى الْمَاءِ لَكِنَّ الطَّلَبَ الثَّانِيَ أَخَفُّ مِنْ الْأَوَّلِ.
وَالثَّانِي لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَاكَ مَاءٌ لَظَفِرَ بِهِ بِالطَّلَبِ الْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ مَكَثَ مَوْضِعَهُ مِنْ زِيَادَاتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ.
(فَلَوْ) (عَلِمَ) الْمُسَافِرُ بِمَحِلِّ (مَاءٌ يَصِلُهُ الْمُسَافِرُ لِحَاجَتِهِ) كَاحْتِطَابٍ وَاحْتِشَاشٍ (وَجَبَ قَصْدُهُ) أَيْ طَلَبُهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَسْعَى إلَى هَذَا الْحَدِّ لِأَشْغَالِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَلِلْعِبَادَةِ أَوْلَى، وَهَذَا الْمِقْدَارُ هُوَ الْمُسَمَّى بِحَدِّ الْقُرْبِ وَهُوَ أَزْيَدُ مِنْ حَدِّ الْغَوْثِ الَّذِي يَسْعَى إلَيْهِ فِي حَالِ تَوَهُّمِ الْمَاءِ كَمَا مَرَّ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى: وَلَعَلَّهُ يَقْرُبُ مِنْ نِصْفِ فَرْسَخٍ، هَذَا (إنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرَ نَفْسِ) أَوْ عُضْوٍ أَوْ بُضْعٍ (أَوْ مَالٍ) لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُهُ فِي تَحْصِيلِ الْمَاءِ ثَمَنًا أَوْ أُجْرَةً، وَلَا بُدَّ أَنْ يَأْمَنَ انْقِطَاعَهُ عَنْ رُفْقَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِتَخَلُّفِهِ عَنْهُمْ كَمَا مَرَّ وَخُرُوجَ الْوَقْتِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
كَامِلَةً (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَحْدُثْ سَبَبٌ) قَيْدٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ تَيَمُّمٌ لَا لِقَوْلِهِ جَائِزٌ.
فَإِنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ إنْ لَمْ يَحْدُثْ سَبَبٌ، فَإِنْ حَدَثَ وَجَبَ تَعْجِيلُ التَّيَمُّمِ وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ قَطْعًا (قَوْلُهُ: وَنَحْوُ ذَلِكَ) كَالنَّذْرِ وَالطَّوَافِ الْمَفْرُوضِ، أَمَّا النَّافِلَةُ فَلَا يَجِبُ التَّجْدِيدُ لَهَا بَلْ يُصَلِّي مِنْهَا مَا شَاءَ مَا لَمْ يُحْدِثْ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ حَجّ مِنْ نَحْوِ حَدَثٍ أَوْ إرَادَةِ فَرْضٍ آخَرَ.
(قَوْلُهُ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي الطَّبَقَاتِ: أَبُو سَعْدٍ بِسُكُونِ الْعَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ، تَفَقَّهَ عَلَى الْغَزَالِيِّ وَصَارَ أَكْبَرَ تَلَامِذَتِهِ، وَشَرَحَ الْوَسِيطَ وَسَمَّاهُ الْمُحِيطَ، وَعَلَّقَ فِي الْخِلَافِ تَعْلِيقَةً مَشْهُورَةً، ثُمَّ قَالَ: تُوُفِّيَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ كَمَا قَالَ ابْنُ خِلِّكَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ (قَوْلُهُ: مِنْ نِصْفِ فَرْسَخٍ) وَقَدَّرَهُ بِسَيْرِ الْأَثْقَالِ الْمُعْتَدِلَةِ إحْدَى عَشْرَ دَرَجَةً وَرُبْعَ دَرَجَةٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَسَافَةَ الْقَصْرِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَقَدْرُهَا ثَلَثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ دَرَجَةً، وَمَسَافَةُ الْقَصْرِ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا، فَإِذَا قُسِمَتْ عَلَيْهَا بِاعْتِبَارِ الدَّرَجِ كَانَ مَا يَخُصُّ كُلُّ فَرْسَخٍ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَنِصْفَ دَرَجَةٍ وَنِصْفُ الْفَرْسَخِ مَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: أَوْ بِضْعَ) لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ اهـ حَجّ، وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِيمَا قَبْلَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ حَيْثُ قَالَ: وَتَنْكِيرُ النَّفْسِ وَالْمَالِ لِإِفَادَةِ عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ بِهِ اهـ (قَوْلُهُ: وَخُرُوجُ الْوَقْتِ) عِبَارَةُ سم عَلَى حَجّ: يُحْتَمَلُ الِاكْتِفَاءُ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ اهـ.
وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا مَرَّ لِأَنَّ مَا هُنَا فِي الْعِلْمِ وَمَا هُنَاكَ فِي التَّوَهُّمِ وَفَرَّقَ مَا بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ صُورَةَ التَّوَهُّمِ يُحْتَمَلُ فِيهَا عَدَمُ وِجْدَانِ الْمَاءِ فَطَلَبُ الْمَاءِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يُفَوِّتُ الْوَقْتَ الْمُحَقَّقُ بِلَا فَائِدَةٍ فَاشْتَرَطَ فِيهِ إدْرَاكَ جَمِيعِ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ، وَمَا هُنَا مُتَحَقَّقٌ فِيهِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
وَالْجَوَابُ لِلشِّهَابِ ابْنِ حَجَرٍ تَصَرُّفُ الشَّيْخِ فِي إيرَادِهِ بِمَا فِيهِ قَلَاقَةٌ (قَوْلُهُ: وَتَأْخِيرُ التَّيَمُّمِ عَنْ الطَّلَبِ فِي الْوَقْتِ جَائِزٌ) أَيْ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْجَوَازِ هُنَا إلَّا ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَبِهَذَا اتَّضَحَ بِمَعْنَى تَقْيِيدِهِ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ يَحْدُثْ إلَخْ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ جَعْلِ شَيْخِنَا لَهُ قَيْدًا لِلْمَتْنِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ السِّيَاقِ
(قَوْلُهُ: بِمَحَلٍّ) الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عَنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَاءً كَمَا صَنَعَ فِي التُّحْفَةِ