لِنَقْصِهِمَا أَيْضًا وَإِنْ تَقَطَّعَ الْجُنُونُ تَغْلِيبًا لِزَمَنِهِ الْمُقْتَضِي لِسَلْبِ الْعِبَارَةِ فَيُزَوِّجُ الْأَبْعَدُ زَمَنُهُ فَقَطْ، نَعَمْ لَوْ قَلَّ جِدًّا كَيَوْمٍ فِي سَنَةٍ اُنْتُظِرَتْ كَالْإِغْمَاءِ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَلَوْ قَصُرَ زَمَنُ الْإِفَاقَةِ جِدًّا فَهُوَ كَالْعَدَمِ: أَيْ مِنْ حَيْثُ عَدَمِ انْتِظَارِهِ لَا مِنْ حَيْثُ عَدَمِ صِحَّتِهِ إنْكَاحُهُ فِيهِ لَوْ وَقَعَ، وَيُشْتَرَطُ بَعْدَ إفَاقَتِهِ صَفَاؤُهُ مِنْ آثَارِ خَبَلٍ يُحْمَلُ عَلَى حِدَّةٍ فِي الْخُلُقِ كَمَا أَفْهَمَهُ قَوْلُهُ (وَمُخْتَلُّ النَّظَرِ) وَإِنْ قَلَّ، وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ خِلَافَهُ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى نَوْعٍ لَا يُؤَثِّرُ فِي النَّظَرِ فِي الْأَكْفَاءِ وَالْمَصَالِحِ (بِهَرَمٍ، أَوْ خَبَلٍ) أَصْلِيٍّ، أَوْ عَارِضٍ، أَوْ بِأَسْقَامٍ شَغَلَتْهُ عَنْ اخْتِبَارِ الْأَكْفَاءِ (وَكَذَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ) بِأَنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ، أَوْ بَذَّرَ فِي مَالِهِ بَعْدَ رُشْدِهِ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ لَا وِلَايَةَ لَهُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) إذْ لَا يَلِي أَمْرَ نَفْسِهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى، وَيَصِحُّ تَوْكِيلُهُ فِي قَبُولِ النِّكَاحِ لَا إيجَابُهُ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ فِي الرَّقِيقِ.
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا هَذَا، وَالثَّانِي يَلِي لِأَنَّهُ كَامِلُ النَّظَرِ فِي أَمْرِ النِّكَاحِ، وَإِنَّمَا حُجِرَ عَلَيْهِ لِحِفْظِ مَالِهِ.
أَمَّا سَفِيهٌ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ فَيَلِي كَمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا كَالرَّوْضَةِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ صَحَّحَ جَمْعٌ خِلَافَهُ وَأَمَّا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ فَيَلِي لِأَنَّهُ كَامِلٌ، وَإِنَّمَا حُجِرَ عَلَيْهِ لِحَقِّ الْغَيْرِ لَا لِنَقْصٍ فِيهِ (وَمَتَى كَانَ) الْمُعْتِقُ، أَوْ (الْأَقْرَبُ) مِنْ عَصَبَةِ النَّسَبِ، أَوْ الْوَلَاءِ مُتَّصِفًا (بِبَعْضِ هَذِهِ الصِّفَاتِ فَالْوِلَايَةُ) فِي الْأُولَى لِأَقْرَبِ عَصَبَاتِ الْمُعْتِقِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَالْإِرْثِ، وَفِي الثَّانِيَةِ (لِلْأَبْعَدِ) نَسَبًا فَوَلَاءٌ، فَلَوْ أَعْتَقَ أَمَةً وَمَاتَ عَنْ ابْنٍ صَغِيرٍ وَأَبٍ، أَوْ أَخٍ كَبِيرٍ زَوَّجَ الْأَبُ أَوْ الْأَخُ لَا الْحَاكِمُ عَلَى الْمَنْقُولِ الْمُعْتَمَدِ، وَإِنْ نُقِلَ عَنْ نَصٍّ وَجَمْعٍ مُتَقَدِّمِينَ أَنَّ الْحَاكِمَ هُوَ الْمُزَوِّجُ، وَانْتَصَرَ لَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَاعْتَمَدَهُ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ، وَقَوْلُ الْبُلْقِينِيِّ: الظَّاهِرُ وَالِاحْتِيَاطُ أَنَّ الْحَاكِمَ هُوَ الَّذِي يُزَوِّجُ يُعَارِضُهُ قَوْلُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ نُصُوصٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَبْعَدَ هُوَ الَّذِي يُزَوِّجُ وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ الْأَقْرَبَ حِينَئِذٍ كَالْعَدَمِ وَلِإِجْمَاعِ أَهْلِ السِّيَرِ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوَّجَهُ وَكِيلُهُ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ أُمَّ حَبِيبَةَ بِالْحَبَشَةِ مِنْ ابْنِ عَمِّ أَبِيهَا خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ أَوْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ لِكُفْرِ أَبِيهَا أَبِي سُفْيَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَيُقَاسُ بِالْكُفْرِ سَائِرُ الْمَوَانِعِ السَّابِقَةِ وَالْآتِيَةِ وَلِذَا قِيلَ كَانَ يَنْبَغِي تَأْخِيرُ هَذَا عَنْ كُلِّهَا، وَمَتَى زَالَ الْمَانِعُ عَادَتْ الْوِلَايَةُ.
وَلَوْ زَوَّجَ الْأَبْعَدُ فَادَّعَى الْأَقْرَبُ أَنَّهُ زَوَّجَ بَعْدَ تَأَهُّلِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَلَا اعْتِبَارَ بِهِمَا، وَالرُّجُوعُ فِيهِ إلَى قَوْلِ الزَّوْجَيْنِ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَهُمَا فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بِجَوَازِهِ عِنْدَ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ (قَوْلُهُ: الْأَبْعَدُ زَمَنُهُ) أَيْ الْجُنُونِ (قَوْلُهُ: فِي سَنَةٍ اُنْتُظِرَتْ) أَيْ الْإِفَاقَةُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَصُرَ زَمَنُ الْإِفَاقَةِ) أَيْ كَيَوْمٍ (قَوْلُهُ: لَوْ وَقَعَ) أَيْ وَلَا مِنْ حَيْثُ عَدَمِ صِحَّةِ تَزْوِيجِ الْأَبْعَدِ فِيهِ لَوْ وَقَعَ فَلَا يَصِحُّ تَزْوِيجُ الْأَبْعَدِ فِي زَمَنِ الْإِفَاقَةِ (قَوْلُهُ: وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ خِلَافَهُ) أَيْ خِلَافَ اشْتِرَاطِ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَيُشْتَرَطُ بَعْدَ إفَاقَتِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: بِأَنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ) أَيْ فِي مَالِهِ.
أَمَّا مَنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ بِالْفِسْقِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْفَاسِقِ، وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ (قَوْلُهُ: أَمَّا سَفِيهٌ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ) بِأَنْ بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ بَذَّرَ وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِبُلُوغِهِ رَشِيدًا أَنْ يَمْضِيَ لَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ زَمَنٌ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ مَا يُنَافِي الرُّشْدَ تَقْتَضِي الْعَادَةُ بِرُشْدِ مَنْ مَضَى عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَعَاطِي مَا يَحْصُلُ بِهِ لَا مُجَرَّدُ كَوْنِهِ لَمْ يَتَعَاطَ مُنَافِيًا وَقْتَ الْبُلُوغِ بِخُصُوصِهِ (قَوْلُهُ: فَالْوِلَايَةُ فِي الْأُولَى) هِيَ قَوْلُهُ، وَمَتَى كَانَ الْمُعْتِقُ، وَقَوْلُهُ وَفِي الثَّانِيَةِ هِيَ قَوْلُهُ، أَوْ الْأَقْرَبُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ نُقِلَ عَنْ نَصٍّ) أَيْ لِلشَّافِعِيِّ، وَلَعَلَّ تَنْكِيرَهُ لِكَوْنِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ خِلَافَهُ (قَوْلُهُ: يَنْبَغِي تَأْخِيرُ هَذَا) أَيْ قَوْلُهُ وَمَتَى كَانَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَمَتَى زَالَ الْمَانِعُ) أَيْ تَحَقَّقْنَا زَوَالَهُ، وَقَوْلُهُ عَادَتْ الْوِلَايَةُ: أَيْ حَالًا وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ فِي زَوَالِ التَّبْذِيرِ حُسْنُ تَصَرُّفِهِ مُدَّةً يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ زَوَالُهُ (قَوْلُهُ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِمَا) أَيْ الْأَبْعَدِ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَإِنْ تَقَطَّعَ الْجُنُونُ) أَيْ فَلَا يُزَوَّجُ فِي زَمَنِهِ وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِلَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُزَوَّجُ حَتَّى فِي زَمَنِ الْإِفَاقَةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ زُوِّجَ الْأَبْعَدُ إلَخْ) وَصُورَتُهُ أَنَّ الْأَبْعَدَ زُوِّجَ وَادَّعَى أَنْ تَزْوِيجَهُ قَبْلَ تَأَهُّلِ الْأَقْرَبِ وَادَّعَى الْأَقْرَبُ أَنَّهُ بَعْدَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute