جَمْعٌ وَهُوَ وَاضِحٌ إنْ تَلَبَّسَ بِغَيْرِهَا بِحَيْثُ زَالَ عَنْهُ اسْمُهَا وَلَمْ يُنْسَبْ إلَيْهَا أَصْلًا، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ زَمَنٍ يَقْطَعُ نِسْبَتَهَا عَنْهُ بِحَيْثُ صَارَ لَا يُعَيَّرُ بِهَا، وَقَدْ بَحَثَ ابْنُ الْعِمَادِ وَالزَّرْكَشِيُّ أَنَّ الْفَاسِقَ إذَا تَابَ لَا يُكَافِئُ الْعَفِيفَةَ، وَصَرَّحَ ابْنُ الْعِمَادِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِأَنَّ الزَّانِيَ الْمُحْصَنَ وَإِنْ تَابَ وَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ لَا يَعُودُ كُفْءً كَمَا لَا تَعُودُ عِفَّتُهُ وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَبِأَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ لَيْسَ بِكُفْءٍ لِلرَّشِيدَةِ وَبِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِحَالَةِ الْعَقْدِ عُلِمَ أَنَّ طُرُوءَ الْحِرْفَةِ الدَّنِيئَةِ لَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ وَهُوَ الْأَوْجَهُ لِأَنَّ الْخِيَارَ فِي النِّكَاحِ بَعْدَ صِحَّتِهِ لَا يُوجَدُ إلَّا بِالْأَسْبَابِ الْخَمْسَةِ الْآتِيَةِ فِي بَابِهِ وَبِالْعِتْقِ تَحْتَ رَقِيقٍ وَلَيْسَ طُرُوءُ ذَلِكَ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ وَلَا فِي مَعْنَاهَا وَأَمَّا قَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ يَنْبَغِي الْخِيَارُ إذَا تَجَدَّدَ الْفِسْقُ فَمَرْدُودٌ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَابْنُ الْعِمَادِ وَغَيْرُهُمَا نَعَمْ طُرُوءُ الرِّقِّ يُبْطِلُ النِّكَاحَ وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ تَتَخَيَّرُ بِهِ وَهُمْ أَحَدُهَا (سَلَامَةٌ) لِلزَّوْجِ (مِنْ الْعُيُوبِ الْمُثْبِتَةِ لِلْخِيَارِ) فَمَنْ بِهِ جُنُونٌ، أَوْ جُذَامٌ، أَوْ بَرَصٌ لَا يُكَافِئُ وَلَوْ مَنْ بِهَا ذَلِكَ وَإِنْ اتَّحَدَ النَّوْعُ وَكَانَ مَا بِهَا أَقْبَحَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَعَافُ مِنْ غَيْرِهِ مَا لَا يَعَافُهُ مِنْ نَفْسِهِ، أَوْ جَبٌّ أَوْ عُنَّةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لَا يُكَافِئُ وَلَوْ رَتْقَاءَ، أَوْ قَرْنَاءَ.
أَمَّا الْعُيُوبُ الَّتِي لَا تُثْبِتُ الْخِيَارَ فَلَا تُؤَثِّرُ كَعَمًى وَقَطْعِ أَطْرَافٍ وَتَشَوُّهِ صُورَةٍ خِلَافًا لِجَمْعٍ مُتَقَدِّمِينَ، بَلْ قَالَ الْقَاضِي يُؤَثِّرُ كُلُّ مَا يَكْسِرُ سَوْرَةَ التَّوَقَانِ وَالرُّويَانِيُّ لَيْسَ الشَّيْخُ كُفْءً لِلشَّابَّةِ وَاخْتِيرَ وَكُلُّ ذَلِكَ ضَعِيفٌ لَكِنْ يَنْبَغِي مُرَاعَاتُهُ، بِخِلَافِ زَعْمِ قَوْمٍ رِعَايَةَ الْبَلَدِ فَلَا يُكَافِئُ جَبَلِيٌّ بَلَدِيًّا فَلَا يُرَاعَى لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَظَاهِرُ مَا مَرَّ أَنَّ التَّنَقِّي مِنْ الْعُيُوبِ مُعْتَبَرٌ فِي الزَّوْجَيْنِ خَاصَّةً دُونَ آبَائِهِمَا فَابْنُ الْأَبْرَصِ كُفْءٌ لِمَنْ أَبُوهَا سَلِيمٌ ذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْإِشْرَافِ وَالْأَقْرَبُ خِلَافُهُ فَلَا يَكُونُ كُفْءً لَهَا لِأَنَّهَا تُعَيَّرُ بِهِ (وَ) ثَانِيهَا (حُرِّيَّةٌ، فَالرَّقِيقُ) أَيْ مَنْ بِهِ رِقٌّ وَإِنْ قَلَّ (لَيْسَ كُفُؤًا لِحُرَّةٍ) وَلَوْ عَتِيقَةٍ وَلَا لِمُبَعَّضَةِ لِأَنَّهَا مَعَ تَعَيُّرِهَا بِهِ تَتَضَرَّرُ بِإِنْفَاقِهِ نَفَقَةَ الْمُعْسِرِينَ (وَالْعَتِيقُ لَيْسَ كُفُؤًا لِحُرَّةٍ أَصْلِيَّةٍ) لِنَقْصِهِ عَنْهَا، وَوُجُودُ نَحْوِ امْرَأَةٍ، أَوْ مِلْكٍ فِيهِ لَا يَنْفِي عَنْهُ وَصْمَةَ الرِّقِّ فَانْدَفَعَ مَا لِكَثِيرٍ مِنْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فِي الْفَاسِقِ أَنَّهُ لَا يُعَدُّ تَارِكًا لِحِرْفَتِهِ عُرْفًا إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ (قَوْلُهُ إذَا تَابَ لَا يُكَافِئُ الْعَفِيفَةَ) خِلَافًا لحج ظَاهِرُهُ وَإِنْ مَضَى مِنْ تَوْبَتِهِ سُنُونَ، وَفِي حَجّ أَنَّ مَا أَطْلَقَهُ ابْنُ الْعِمَادِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَمْضِ لَهُ سَنَةٌ اهـ.
وَيُوَجَّهُ إطْلَاقُ الشَّارِحِ بِأَنَّ ثُلْمَةَ الْعِرْضِ الْحَاصِلَةِ بِالزِّنَا لَا تَنْسَدُّ بِالتَّوْبَةِ، وَلِذَا لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ وَإِنْ طَالَتْ مُدَّتُهَا، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ حَجّ عَلَى غَيْرِ الزِّنَا فَيَكُونُ مُقَيِّدًا لِإِطْلَاقِ الشَّارِحِ، وَعَلَيْهِ فَالزَّانِي لَا يَكُونُ كُفْءً لِلْعَفِيفَةِ وَإِنْ تَابَ وَإِنْ كَانَ بِكْرًا، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ ابْنِ الْعِمَادِ: الزَّانِي الْمُحْصَنُ لَا يَكُونُ كُفْءً وَإِنْ تَابَ فِي مَفْهُومِهِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ أَنَّ غَيْرَ الزَّانِي إذَا تَابَ وَمَضَتْ مُدَّةُ الِاسْتِبْرَاءِ كَافَأَ الْعَفِيفَةَ، وَأَنَّ غَيْرَ الْمُحْصَنِ لَا يُكَافِئُ الْعَفِيفَةَ وَإِنْ تَابَ كَالْمُحْصَنِ، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ الْعِمَادِ إلَخْ تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ أَوَّلًا وَالْعِبْرَةُ فِيهَا بِحَالَةِ الْعَقْدِ.
[فَرْعٌ] وَقَعَ فِي الدَّرْسِ السُّؤَالُ عَمَّا لَوْ جَاءَتْ امْرَأَةٌ مَجْهُولَةُ النَّسَبِ إلَى الْحَاكِمِ وَطَلَبَتْ مِنْهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ ذِي الْحِرْفَةِ الدَّنِيئَةِ وَنَحْوِهَا فَهَلْ يُجِيبُهَا أَمْ لَا؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ الثَّانِي لِلِاحْتِيَاطِ لِأَمْرِ النِّكَاحِ فَلَعَلَّهَا تُنْسَبُ إلَى ذِي حِرْفَةٍ شَرِيفَةٍ، وَبِفَرْضِ ذَلِكَ فَتَزْوِيجُهَا مِنْ ذِي الْحِرْفَةِ الدَّنِيئَةِ بَاطِلٌ وَالنِّكَاحُ يُحْتَاطُ لَهُ (قَوْلُهُ بِأَنَّ الزَّانِيَ الْمُحْصَنَ) وَمِثْلُهُ الْبِكْرُ وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ الزِّنَا اللِّوَاطُ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ طُرُوُّ ذَلِكَ) أَيْ الْحِرْفَةُ الدَّنِيئَةُ (قَوْلُهُ: تَتَخَيَّرُ بِهِ) أَيْ طُرُوُّ الرِّقِّ (قَوْلُهُ: قَالَ الْقَاضِي يُؤَثِّرُ) أَيْ فِي الزَّوْجِ (قَوْلُهُ: وَالْأَقْرَبُ خِلَافُهُ) خِلَافًا لحج (قَوْلُهُ: وَلَا لِمُبَعَّضَةٍ) أَيْ إذَا نَقَصَتْ حُرِّيَّتُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَاوَتْ، أَوْ زَادَتْ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ كَذَا بِبَعْضِ الْهَوَامِشِ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَنَّ الْفَاسِقَ إذَا تَابَ لَا يُكَافِئُ الْعَفِيفَةَ) أَيْ وَإِنْ كَانَ الْفِسْقُ بِغَيْرِ الزِّنَا كَمَا أَفْتَى بِهِ وَالِدُ الشَّارِحِ خِلَافًا لِحَجِّ وَإِنْ تَبِعَهُ الزِّيَادِيُّ (قَوْلُهُ: وَالْأَقْرَبُ خِلَافُهُ) قَدْ يُتَوَقَّفُ فِي هَذِهِ الْأَقْرَبِيَّةِ خُصُوصًا فِي نَحْوِ الْعُنَّةِ لَا سِيَّمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute