جُنَّتْ جُنُونًا يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْهَا كَانَتْ كَالْعَدَمِ، لَكِنْ هَلْ تُتْرَكُ تَحْتَهُ، أَوْ يُؤْمَرُ بِفِرَاقِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ مِنْهَا وَلَمْ يُرْجَ شِفَاؤُهَا؟ هَذَا مَوْضِعُ نَظَرٍ، وَالْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِهِمْ تَرْكُهَا كَمَا فِي نَظِيرِهِ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ، وَالْأَوْجَهُ تَعَيُّنُ الْأَصْلَحِ مِنْ التَّسَرِّي، أَوْ التَّزْوِيجِ لَمْ يُرِدْ التَّزْوِيجَ بِخُصُوصِهِ لِأَنَّ التَّحْصِينَ بِهِ أَقْوَى مِنْهُ بِالتَّسَرِّي (فَإِنْ أَذِنَ) لَهُ الْوَلِيُّ (وَعَيَّنَ امْرَأَةً) تَلِيقُ بِهِ دُونَ الْمَهْرِ (لَمْ يَنْكِحْ غَيْرَهَا) فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ بِدُونِ مَهْرِ الْمُعَيَّنَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عُيِّنَ مَهْرٌ فَنَكَحَ بِأَزْيَدَ مِنْهُ، أَوْ أَنْقَصَ لِأَنَّهُ تَابِعٌ.
قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ: وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ تَعَيُّنِ الْمَرْأَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَحِقَهُ مَغَارِمُ بِسَبَبِ الْمُخَالَفَةِ، فَلَوْ عَدَلَ إلَى غَيْرِهَا وَكَانَتْ خَيْرًا مِنْ الْمُعَيَّنَةِ نَسَبًا وَجَمَالًا وَدِينًا وَدُونَهَا مَهْرًا وَنَفَقَةً فَيَنْبَغِي الصِّحَّةُ قَطْعًا كَمَا لَوْ عَيَّنَ مَهْرًا فَنَكَحَ بِدُونِهِ انْتَهَى.
وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا شُبْهَةَ فِيهِ (وَيَنْكِحُهَا) أَيْ الْمُعَيَّنَةَ (بِمَهْرِ الْمِثْلِ) لِأَنَّهُ الْمَرَدُّ الشَّرْعِيُّ (أَوْ أَقَلَّ) مِنْهُ لِأَنَّ فِيهِ رِفْقًا بِهِ (فَإِنْ زَادَ) عَلَيْهِ (فَالْمَشْهُورُ صِحَّةُ النِّكَاحِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ) أَيْ بِقَدْرِهِ (مِنْ الْمُسَمَّى) الَّذِي نَكَحَ بِعَيْنِهِ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي النِّكَاحِ مِنْهُ وَيَلْغُو مَا زَادَ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مِنْ سَفِيهٍ.
وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: الْقِيَاسُ بُطْلَانُ الْمُسَمَّى جَمِيعِهِ لِأَنَّهَا لَمْ تَرْضَ إلَّا بِجَمِيعِهِ وَتَرْجِعُ لِمَهْرِ الْمِثْلِ: أَيْ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ فِي ذِمَّتِهِ، وَاعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَأَرَادَ بِالْمَقِيسِ عَلَيْهِ نِكَاحَ الْوَلِيِّ لَهُ بِالْأَزْيَدِ الْآتِي قَرِيبًا، وَفَرَّقَ الْغَزِّيِّ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ تَصَرُّفَ الْوَلِيِّ وَقَعَ لِلْغَيْرِ مَعَ كَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلشَّرْعِ وَالْمَصْلَحَةِ فَبَطَلَ الْمُسَمَّى مِنْ أَصْلِهِ وَالسَّفِيهُ هُنَا تَصَرَّفَ لِنَفْسِهِ وَهُوَ يَمْلِكُ أَنْ يَعْقِدَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، فَإِذَا زَادَ بَطَلَ فِي الزَّائِدِ كَشَرِيكٍ بَاعَ مُشْتَرَكًا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ، وَمَرَّ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ مَسَائِلُ يَبْطُلُ فِيهَا الْعَقْدُ مِنْ أَصْلِهِ بِتَوْجِيهِهَا بِمَا يُوَافِقُ ذَلِكَ وَيُوَضِّحُهُ، وَيَأْتِي فِي الصَّدَاقِ أَنَّهُ لَوْ نَكَحَ لِطِفْلِهِ بِفَوْقِ مَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ مَالِ الطِّفْلِ، أَوْ أَنْكَحَ مُوَلِّيَتَهُ الْقَاصِرَةَ أَوْ الَّتِي لَمْ تَأْذَنْ بِدُونِهِ فَسَدَ الْمَسُّ وَصَحَّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ: أَيْ فِي الذِّمَّةِ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ فَيُوَافِقُ مَا هُنَا فِي وَلِيِّ السَّفِيهِ (وَلَوْ قَالَ لَهُ انْكِحْ بِأَلْفٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ امْرَأَةً نَكَحَ بِالْأَقَلِّ مِنْ أَلْفٍ وَمَهْرِ مِثْلِهَا) لِامْتِنَاعِ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا أَذِنَ فِيهِ الْوَلِيُّ وَعَلَى
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَلَا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ النُّسْخَةِ حُكْمُ مَا لَوْ احْتَاجَ لِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ وَمَا فِي الْأَصْلِ أَوْلَى (قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّحْصِينَ بِهِ أَقْوَى) أَيْ الْعِفَّةَ عَنْ الْمَيْلِ لِلْأَجْنَبِيَّاتِ، وَلَكِنْ يُنْظَرُ مَا وَجْهُهُ، فَإِنَّ السَّرِيَّةَ رُبَّمَا كَانَتْ أَجْمَلَ مِنْ الْحُرَّةِ وَذَلِكَ أَقْوَى فِي تَحْصِيلِ الْعِفَّةِ عَنْ الْأَجْنَبِيَّاتِ، وَقَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِكَوْنِ التَّحْصِينِ بِهِ أَقْوَى أَنَّهُ تَحْصُلُ بِهِ صِفَةُ كَمَالٍ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِ كَثُبُوتِ الْإِحْصَانِ الْمُمَيِّزِ لَهُ عَنْ التَّسَرِّي
(قَوْلُهُ: فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَصِحَّ) أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ خَيْرًا مِنْ الْمُعَيَّنَةِ عَلَى مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَدُونَهَا مَهْرًا وَنَفَقَةً) قَضِيَّتُهُ أَنَّهَا لَوْ سَاوَتْ الْمُعَيَّنَةَ فِي ذَلِكَ، أَوْ كَانَتْ خَيْرًا مِنْهَا نَسَبًا وَجَمَالًا وَمِثْلُهَا نَفَقَةً لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهَا، وَهُوَ قَرِيبٌ فِي الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ لِلْمُخَالَفَةِ وَجْهٌ دُونَ الثَّانِي لِأَنَّهُ يَكْفِي مُسَوِّغُ الْعُدُولِ مَزِيدٌ مِنْ وَجْهٍ، وَيَأْتِي مِثْلُهُ فِيمَا لَوْ سَاوَتْهَا فِي صِفَةٍ، أَوْ صِفَتَيْنِ مِنْ ذَلِكَ وَزَادَتْ الْمَعْدُولُ إلَيْهَا عَلَى الْمَعْدُولِ عَنْهَا بِصِفَةٍ (قَوْلُهُ: وَهَذَا ظَاهِرٌ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: الَّذِي نَكَحَ بِعَيْنِهِ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ لَهُ قَدْرًا يَنْكِحُ بِهِ فِي ذِمَّتِهِ فَزَادَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ حُكْمُهُ كَذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَمَا فِي الذِّمَّةِ وَعَلَيْهِ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالتَّعْيِينِ مُجَرَّدُ التَّسْمِيَةِ (قَوْلُهُ وَفَرَّقَ الْغَزِّيِّ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: فِي وَلِيِّ السَّفِيهِ) أَيْ حَيْثُ نَكَحَ لَهُ بِفَوْقِ مَهْرِ الْمِثْلِ، أَمَّا بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَصَحِيحٌ
[حاشية الرشيدي]
أَنَّ الشَّارِحَ إنَّمَا ضَرَبَ عَلَى هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْتَضِيهِ، فَمَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ مِنْ أَنَّ الْأَوْلَى مَا فِي الْأَصْلِ مِنْ هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ لَمْ يُلَاحِظْ فِيهِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَوْ يُؤْمَرُ بِفِرَاقِهَا) نَائِبُ الْفَاعِلِ هُوَ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ: أَيْ يَحْصُلُ الْأَمْرُ بِفِرَاقِهَا وَإِلَّا فَالْمَجْنُونُ لَا يُؤْمَرُ، وَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فَالْمَأْمُورُ مَعْلُومٌ وَهُوَ الْوَلِيُّ، وَلَعَلَّهُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى صِحَّةَ الْفِرَاقِ مِنْهُ، لَكِنْ فِيهِ وَقْفَةٌ لَا تَخْفَى، وَقَدْ نَبَّهَ الشَّيْخُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْرَاكَ مَضْرُوبٌ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ النُّسَخِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute