للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكِيسِ إلَّا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ فَلَا تَطْلُقُ.

وَوَقَعَ السُّؤَالُ كَثِيرًا عَمَّنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا إلَّا فِي شَرٍّ ثُمَّ تَخَاصَمَا وَكَلَّمَهُ فِي شَرٍّ هَلْ يَحْنَثُ إذَا كَلَّمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي خَيْرٍ؟ وَاَلَّذِي أَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَدَمُ الْحِنْثِ بِكَلَامِهِ فِي الْخَيْرِ بَعْدَ كَلَامِهِ لَهُ فِي الشَّرِّ لِانْحِلَالِ يَمِينِهِ بِكَلَامِهِ الْأَوَّلِ، إذْ لَيْسَ فِيهَا مَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَيَّدَهَا بِكَلَامٍ وَاحِدٍ، وَلِأَنَّ لِهَذِهِ الْيَمِينِ جِهَةُ بِرٍّ وَهِيَ كَلَامُهُ فِي الشَّرِّ وَجِهَةُ حِنْثٍ وَهِيَ كَلَامُهُ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَقْتَضِي النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ جَمِيعًا، وَإِذَا كَانَ لَهَا جِهَتَانِ وَوُجِدَتْ إحْدَاهُمَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِدَلِيلِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الْيَوْمَ الدَّارَ أَوْ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ، فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ الدَّارَ فِي الْيَوْمِ بَرَّ، وَإِنْ تَرَكَ أَكْلَ الرَّغِيفِ وَإِنْ أَكَلَهُ بَرَّ وَإِنْ دَخَلَ الدَّارَ، وَلَيْسَ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ خَرَجْت لَابِسَةً حَرِيرٍ فَأَنْت طَالِقٌ فَخَرَجَتْ غَيْرَ لَابِسَةٍ لَهُ لَا تَنْحَلُّ حَتَّى يَحْنَثَ بِالْخُرُوجِ ثَانِيًا لَابِسَةً لَهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَى جِهَتَيْنِ، وَإِنَّمَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِخُرُوجٍ مُقَيَّدٍ، فَإِذَا وُجِدَ وَقَعَ.

(فَلَوْ قَالَ ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ إلَّا طَلْقَةً فَثِنْتَانِ) لِأَنَّ الْمَعْنَى ثَلَاثًا يَقَعْنَ إلَّا ثِنْتَيْنِ لَا تَقَعَانِ إلَّا وَاحِدَةً فَتَقَعُ (أَوْ) أَنْت طَالِقٌ (ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ) (فَثِنْتَانِ) لِأَنَّهُ لَمَّا عَقَّبَ الْمُسْتَغْرِقَ بِغَيْرِهِ خَرَجَ عَنْ الِاسْتِغْرَاقِ، نَظَرًا لِلْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ: أَيْ ثَلَاثًا تَقَعُ إلَّا ثَلَاثًا لَا تَقَعُ إلَّا ثِنْتَيْنِ تَقَعَانِ (وَقِيلَ ثَلَاثٌ) لِأَنَّ الْمُسْتَغْرَقَ لَغْوٌ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: وَوَقَعَ السُّؤَالُ كَثِيرًا عَمَّنْ حَلَفَ إلَخْ) وَفِي لَا أَفْعَلُهُ إلَّا إنْ جَاءَ وَلَدِي مِنْ سَفَرِهِ فَمَاتَ وَلَدُهُ قَبْلَ مَجِيئِهِ ثُمَّ فَعَلَهُ تَرَدُّدٌ، وَسَيَأْتِي فِي تِلْكَ الْقَاعِدَةِ أَنَّ الثَّابِتَ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ هُوَ نَقِيضُ الْمَلْفُوظِ بِهِ قَبْلَهُ، وَاَلَّذِي قَبْلَهُ هُنَا الِامْتِنَاعُ مُطْلَقًا وَنَقِيضُهُ التَّخْيِيرُ بَعْدَ مَجِيءِ الْوَلَدِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَعَدَمِهِ، فَإِذَا انْتَفَى مَجِيئُهُ بَقِيَ الِامْتِنَاعُ عَلَى حَالِهِ، وَقَضِيَّتُهُ حِنْثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ مُطْلَقًا.

وَأَمَّا إفْتَاءُ بَعْضِهِمْ فِي هَذِهِ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ أَعْلَمَ وَلَدَهُ بِالْيَمِينِ وَمَاتَ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْمَجِيءِ لَمْ يَقَعْ وَإِلَّا وَقَعَ فَبَعِيدٌ جِدًّا بَلْ لَا وَجْهَ لَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ اهـ حَجّ.

وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهُ فِي شَخْصٍ حَلَفَ لَا يُسَافِرُ إلَّا مَعَ زَيْدٍ فَمَاتَ زَيْدٌ وَآخَرُ حَلَفَ أَنْ لَا يُسَافِرَ إلَّا فِي مَرْكَبِ فُلَانٍ فَانْكَسَرَتْ مَرْكَبُهُ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا فَقَضِيَّتُهُ الْحِنْثُ إذَا سَافَرَ بَعْدَ مَوْتِ زَيْدٍ أَوْ فِي غَيْرِ الْمَرْكَبِ الْمُعَيَّنِ (قَوْلُهُ: أَوْ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ) بِأَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي يَمِينٍ وَاحِدَةٍ مَعَ الْعَطْفِ بِأَوْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَرَكَ) غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَإِذَا وُجِدَ وَقَعَ) وَأَمَّا إنْ خَرَجَتْ غَيْرَ لَابِسَةٍ حَرِيرٍ فَخَرَجَتْ لَابِسَةً لَهُ فَقِيَاسُ مَا مَرَّ الِانْحِلَالُ لِاشْتِمَالِ يَمِينِهِ عَلَى جِهَتَيْنِ، وَقَدْ يُفَرَّقُ فَلْيُرَاجَعْ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ، وَفِي حَجّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ خَرَجْت بِغَيْرِ إذْنِي فَخَرَجَتْ بِإِذْنِهِ ثُمَّ بِغَيْرِ إذْنِهِ انْحَلَّتْ بِالْخُرُوجِ الْأَوَّلِ فَلَا يَحْنَثُ بِخُرُوجِهَا ثَانِيًا بِغَيْرِ إذْنِهِ اهـ.

وَهِيَ تُؤَيِّدُ الِانْحِلَالَ.

[فَرْعٌ] وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: تَكُونِي طَالِقًا ثَلَاثًا لَوْلَا أَخْشَى اللَّهَ لَكَسَرْت رَقَبَتَك، هَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ أَمْ لَا؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الْوُقُوعِ لِأَنَّ تَكُونِي طَالِقًا لَيْسَتْ صِيغَةَ طَلَاقٍ بَلْ هِيَ إخْبَارٌ بِأَنَّهَا تَكُونُ طَالِقًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَالْقَائِلُ ذَلِكَ لَمْ يُرِدْ هَذَا الْمَعْنَى وَإِنَّمَا يُرَادُ بِمِثْلِهِ عِنْدَهُمْ مَعْنَى الْحَلِفِ، وَكَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا لَوْلَا أَخْشَى اللَّهَ إلَخْ، فَالْمَعْنَى أَنَّهُ إنَّمَا مَنَعَهُ مِنْ كَسْرِ رَقَبَتِهَا خَشْيَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فَلَا وُقُوعَ.

(قَوْلُهُ: إلَّا وَاحِدَةً فَتَقَعُ) أَيْ لِأَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْمُسْتَثْنَى الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: نَظَرًا لِلْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

الْوَطْءِ أَوْ الشِّكَايَةِ أَوْ الْمَبِيتِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكِيسِ إلَّا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ إلَخْ) قَالَ الشِّهَابُ سم: يَنْبَغِي مُرَاجَعَةُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ هَذَا التَّصْوِيرِ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ عَلَى انْتِفَاءِ مَا عَدَا الْعَشَرَةَ عَنْ الْكِيسِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ فَقَدْ تَحَقَّقَ هَذَا الِانْتِفَاءُ فَلْيَقَعْ الطَّلَاقُ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>