وَشَمَلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ ابْتَدَأَ طَلَاقَهَا فِي حَالِ حَيْضِهَا وَلَمْ يُكْمِلْهُ حَتَّى طَهُرَتْ فَيَكُونُ بِدْعِيًّا، وَبِهِ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ، وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ آخِرِ حَيْضِك أَوْ فِي آخِرِهِ فَسُنِّيٌّ فِي الْأَصَحِّ لِاسْتِعْقَابِهِ الشُّرُوعَ فِي الْعِدَّةِ، وَاحْتَرَزْنَا بِالْمُنَجَّزِ عَنْ الْمُعَلَّقِ بِدُخُولِ الدَّارِ مَثَلًا فَلَا يَكُونُ بِدْعِيًّا، لَكِنْ يُنْظَرُ لِوَقْتِ الدُّخُولِ، فَإِنْ وُجِدَ حَالَةَ الطُّهْرِ فَسُنِّيٌّ وَإِلَّا فَبِدْعِيٌّ لَا إثْمَ فِيهِ هُنَا.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ بِاخْتِيَارِهِ أَثِمَ بِإِيقَاعِهِ فِي الْحَيْضِ كَإِنْشَائِهِ الطَّلَاقَ فِيهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ مَا يُخَالِفُهُ (وَقِيلَ إنْ سَأَلَتْهُ) أَيْ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ (لَمْ يَحْرُمْ) لِرِضَاهَا بِطُولِ الْعِدَّةِ، وَالْأَصَحُّ التَّحْرِيمُ لِأَنَّهَا قَدْ تَسْأَلُهُ كَاذِبَةً كَمَا هُوَ شَأْنُهُنَّ، وَلَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِاخْتِيَارِهَا فَأَتَتْ بِهِ فِي حَالِ الْحَيْضِ مُخْتَارَةً. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هُوَ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا بِسُؤَالِهَا: أَيْ فَيَحْرُمُ أَيْ حَيْثُ كَانَ يَعْلَمُ وُجُودَ الصِّفَةِ حَالَ الْبِدْعَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ تَحَقَّقَتْ رَغْبَتُهَا فِيهِ لَمْ يَحْرُمْ كَمَا قَالَ (وَيَجُوزُ) (خُلْعُهَا فِيهِ) أَيْ الْحَيْضِ بِعِوَضٍ لِحَاجَتِهَا إلَى خَلَاصِهَا بِالْمُفَارَقَةِ حَيْثُ افْتَدَتْ بِالْمَالِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩] وَيَكُونُ سُنِّيًّا وَلِإِطْلَاقِ إذْنِهِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ فِي الْخُلْعِ عَلَى مَالٍ مِنْ غَيْرِ اسْتِفْصَالٍ عَنْ حَالِ زَوْجَتِهِ (لَا) خُلْعُ (أَجْنَبِيٍّ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ خُلْعَهُ لَا يَقْتَضِي اضْطِرَارهَا إلَيْهِ، وَالثَّانِي يَجُوزُ وَهُوَ غَيْرُ بِدْعِيٍّ لِأَنَّ بَذْلَ الْمَالِ يُشْعِرُ بِالضَّرُورَةِ، وَلَوْ أَذِنَتْ لَهُ فِي اخْتِلَاعِهَا اتَّجَهَ أَنَّهُ كَاخْتِلَاعِهَا نَفْسَهَا إنْ كَانَ بِمَالِهَا وَإِلَّا فَكَاخْتِلَاعِهِ (وَلَوْ) (قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ) أَوْ فِي أَوْ عِنْدَ مَثَلًا (آخِرِ حَيْضِك) (فَسُنِّيٌّ فِي الْأَصَحِّ) لِاسْتِعْقَابِهِ الشُّرُوعَ فِي الْعِدَّةِ، وَالثَّانِي بِدْعِيٌّ لِمُصَادِفَتِهِ الْحَيْضَ (أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (مَعَ) وَمِثْلُهَا مَا ذَكَرَ (آخِرِ طُهْرٍ) عَيَّنَهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (لَمْ يَطَأْهَا فِيهِ فَبِدْعِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ) الْمَنْصُوصِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الرَّاجِحُ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَعْقِبُ الْعِدَّةَ. وَالثَّانِي سُنِّيٌّ لِمُصَادِفَتِهِ الطُّهْرَ.
(وَ) ثَانِيهِمَا (طَلَاقٌ فِي طُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ) وَلَوْ فِي الدُّبُرِ، وَكَالْوَطْءِ اسْتِدْخَالُ الْمَنِيِّ الْمُحْتَرَمِ إنْ عَلِمَهُ نَظِيرَ مَا مَرَّ (مَنْ قَدْ تَحْبَلُ) لِعَدَمِ صِغَرِهَا وَيَأْسِهَا (وَلَمْ يَظْهَرْ حَمْلٌ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ الْآتِي قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَدُّ نَدَمُهُ إذَا ظَهَرَ حَمْلٌ، إذْ الْإِنْسَانُ قَدْ يَسْمَحُ بِطَلَاقِ الْحَائِلِ لَا الْحَامِلِ، وَقَدْ لَا يَتَيَسَّرُ لَهُ رَدُّهَا فَيَتَضَرَّرُ هُوَ وَالْوَلَدُ. وَمِنْ الْبِدْعِيِّ أَيْضًا طَلَاقُ مَنْ لَهَا عَلَيْهِ قَسَمٌ قَبْلَ وَفَائِهَا أَوْ اسْتِرْضَائِهَا، وَبَحَثَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ سُؤَالَهَا هُنَا مُبِيحٌ وَوَافَقَهُ الْأَذْرَعِيُّ، قَالَ: بَلْ يَجِبُ الْقَطْعُ بِهِ، وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
يَجُزْ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهَا قَدْ لَا يَكُونُ لَهَا غَرَضٌ، وَقَوْلُهُ فِيهِ: أَيْ الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ) وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ ابْتَدَأَ طَلَاقَهَا فِي الطُّهْرِ وَأَكْمَلَهُ فِي الْحَيْضِ كَانَ بِدْعِيًّا لِأَنَّهُ لَا يَسْتَعْقِبُ الشُّرُوعَ فِي الْعِدَّةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ وَقَعَ فِي كَلَامِ الْخَطِيبِ مَا يُخَالِفُهُ (قَوْلُهُ: إنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ بِاخْتِيَارِهِ) أَيْ كَأَنْ عَلَّقَ بِفِعْلِهِ ثُمَّ فَعَلَ (قَوْلُهُ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: أَيْ فَيَحْرُمُ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ السَّابِقِ إذَا وُجِدَتْ الصِّفَةُ بِاخْتِيَارِهِ أَثِمَ إلَخْ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: مَا هُنَا مُصَوَّرٌ بِمَا لَوْ عَلِمَ وُجُودَ الصِّفَةِ فِي الْحَيْضِ، وَمَا تَقَدَّمَ مُصَوَّرٌ بِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ كَمَا يُشْعِرُ بِهَذَا قَوْلُهُ هُنَا: أَيْ حَيْثُ كَانَ يَعْلَمُ إلَخْ، وَيَبْقَى الْكَلَامُ فِي الطَّرِيقِ الْمُفِيدِ لِعِلْمِهِ بِوُجُودِهَا فِي الْحَيْضِ مَعَ كَوْنِ الْفَرْضِ أَنَّ الصِّفَةَ بِاخْتِيَارِهَا وَهِيَ مُسْتَقْبِلَةٌ، وَقَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِالْعِلْمِ هُنَا الظَّنُّ الْقَوِيُّ (قَوْلُهُ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ تَحَقَّقَتْ) أَيْ كَأَنْ دَفَعَتْ لَهُ عِوَضًا عَلَى الظَّنِّ أَوْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ قَوِيَّةٌ عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ بِمَالِهَا) أَيْ إنْ كَانَ الْإِذْنُ فِي اخْتِلَاعِهَا بِمَالِهَا وَإِنْ اخْتَلَعَ مِنْ مَالِهِ لِأَنَّ إذْنَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ مُحَقِّقٌ لِرَغْبَتِهَا (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهَا مَا ذَكَرَ) أَيْ فِي أَوْ عِنْدَ
(قَوْلُهُ: إنْ عَلِمَهُ) أَيْ الِاسْتِدْخَالَ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ) أَيْ: فَلَا يُسَمَّى بِدْعِيًّا، وَأَمَّا كَوْنُهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْإِقْدَامُ مَعَ عَدَمِ عِلْمِهِ بِالِانْقِطَاعِ، فَيَنْبَغِي الْجَزْمُ بِهِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَيَكُونُ سُنِّيًّا) أَيْ: عَلَى اصْطِلَاحِ الْمُصَنِّفِ لَا عَلَى الْمَشْهُورِ الْمَارِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute