وَلِأَنَّ التَّحْضِيضِيَّةَ تَخْتَصُّ بِالْمُضَارِعِ أَوْ مَا فِي تَأْوِيلِهِ نَحْوَ {لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ} [النمل: ٤٦] وَنَحْوَ {لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} [المنافقون: ١٠] .
(لَا) إنْ قَالَ (أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت) أَوْ إذَا شِئْت فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ الْفَوْرُ فِي الْمَشِيئَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ، بِخِلَافِ نَحْوِ مَتَى شِئْت وَخَرَجَ بِخِطَابِهَا خِطَابُ غَيْرِهَا فَلَا فَوْرَ فِيهِ، وَفِي إنْ شِئْت وَشَاءَ زَيْدٌ يُعْتَبَرُ فِيهَا لَا فِيهِ (وَلَا) تَقْتَضِيَنَّ (تَكْرَارًا) بَلْ إذَا وُجِدَتْ مَرَّةً انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَلَمْ يُؤَثِّرْ وُجُودُهَا ثَانِيًا لِدَلَالَتِهِنَّ عَلَى مُجَرَّدِ صُدُورِ الْفِعْلِ الَّذِي فِي حَيِّزِهِنَّ وَلَوْ مَعَ تَقْيِيدِهِ بِالْأَبَدِ كَإِنْ خَرَجْت أَبَدًا إلَّا بِإِذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَيَّ وَقْتٍ خَرَجْت (إلَّا كُلَّمَا) فَإِنَّهَا تَقْتَضِيهِ، وَلَوْ قَالَ مَتَى سَكَنْت بِزَوْجَتِي فَاطِمَةَ فِي بَلَدٍ مِنْ الْبِلَادِ وَلَمْ تَكُنْ مَعَهَا زَوْجَتِي أُمُّ الْخَيْرِ كَانَتْ أُمُّ الْخَيْرِ طَالِقًا ثُمَّ سَكَنَ بِهِمَا فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى انْحَلَّتْ يَمِينُهُ لِأَنَّهَا تَعَلَّقَتْ بِسُكْنَى وَاحِدَةٍ إذْ لَيْسَ فِيهَا مَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَيَّدَهَا بِوَاحِدَةٍ، وَلِأَنَّ لِهَذِهِ الْيَمِينِ جِهَةَ بِرٍّ وَهِيَ سُكْنَاهُ بِزَوْجَتِهِ فَاطِمَةَ فِي بَلَدٍ وَمَعَهَا زَوْجَتُهُ أُمُّ الْخَيْرِ وَجِهَةَ حِنْثٍ وَهِيَ سُكْنَاهُ بِفَاطِمَةَ فِي بَلْدَةٍ دُونَ أُمِّ الْخَيْرِ، وَيُفَارِقُ هَذَا مَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ خَرَجْت لَابِسَةً حَرِيرٍ فَأَنْت طَالِقٌ فَخَرَجَتْ غَيْرَ لَابِسَةٍ لَهُ حَيْثُ لَا تَنْحَلُّ حَتَّى يَحْنَثَ بِخُرُوجِهَا ثَانِيًا لَابِسَةً لَهُ بِأَنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَى جِهَتَيْنِ وَإِنَّمَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِخُرُوجٍ مُقَيَّدٍ فَإِذَا وُجِدَ وَقَعَ الطَّلَاقُ، أَفْتَى بِذَلِكَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَفْتَى أَيْضًا بِانْحِلَالِ يَمِينِ مَنْ حَلَفَ لَا يَخْدُمُ عِنْدَ غَيْرِ زَيْدٍ إلَّا أَنْ تَأْخُذَهُ يَدٌ عَادِيَةٌ فَأَخَذَتْهُ وَاسْتَخْدَمَتْهُ مُدَّةً ثُمَّ أَطْلَقَهُ وَخَدَمَ عِنْدَ غَيْرِهِ بَعْدَ ذَلِكَ مُخْتَارًا.
(وَلَوْ) (قَالَ) لِمَوْطُوءَةٍ كَمَا عُلِمَ بِالْأُولَى مِنْ كَلَامِهِ الْآتِي فِي كُلَّمَا (إذَا طَلَّقْتُك) أَوْ أَوْقَعْت طَلَاقَك مَثَلًا (فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا) بِنَفْسِهِ دُونَ وَكِيلِهِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ بِصَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ مَعَ نِيَّةٍ (أَوْ عَلَّقَ) طَلَاقَهَا (بِصِفَةٍ فَوُجِدَتْ فَطَلْقَتَانِ) تَقَعَانِ عَلَيْهَا إنْ مَلَكَهُمَا وَاحِدَةً بِالتَّطْلِيقِ بِالتَّنْجِيزِ أَوْ التَّعْلِيقِ بِصِفَةٍ وُجِدَتْ وَأُخْرَى بِالتَّعْلِيقِ بِهِ إذْ التَّعْلِيقُ مَعَ وُجُودِ الصِّفَةِ تَطْلِيقٌ وَإِيقَاعٌ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَنَّ.
(قَوْلُهُ: وَقَدْ تَلِي الْفِعْلَ غَيْرَ مُفْهِمَةٍ) وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ إفْصَاحٌ فِيمَا إذَا قَصَدَ تَحْضِيضًا بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ مُطْلَقًا أَوْ إنْ لَمْ تَدْخُلْ الدَّارَ، وَقَدْ يَدُلُّ اسْتِدْلَالُهُ بِقَوْلِهِ حَمْلًا أَنَّ لَوْلَا الِامْتِنَاعِيَّةَ إلَخْ، وَقَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْعِصْمَةِ فَلَا وُقُوعَ إذَا قَصَدَ التَّحْضِيضَ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقَعْ عِنْدَ قَصْدِ التَّحْضِيضِ لَمْ يَكُنْ فِي تَفْصِيلِهِ فَائِدَةٌ لِثُبُوتِ عَدَمِ الْوُقُوعِ حِينَئِذٍ سَوَاءٌ أَرَادَ الِامْتِنَاعَ أَوْ التَّحْضِيضَ أَوْ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا أَوْ جُهِلَتْ إرَادَتُهُ، لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُرَادٍ لَهُ، بَلْ الْمُرَادُ عَدَمُ الْوُقُوعِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْكَوْكَبِ لِلْإِسْنَوِيِّ اهـ سم عَلَى حَجّ. أَقُولُ: لَكِنَّ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْكَوْكَبِ مِنْ عَدَمِ الْوُقُوعِ مُطْلَقًا عِنْدَ قَصْدِ التَّحْضِيضِ مِمَّا لَا وَجْهَ لَهُ، فَإِنَّ مَعْنَى التَّحْضِيضِ الْحَثُّ عَلَى الْفِعْلِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِك كَذَا وَذَاكَ يَقْتَضِي الْوُقُوعَ عِنْدَ عَدَمِ الْفِعْلِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ عَدَمُ فِعْلِهَا إلَّا بِالْيَأْسِ إنْ أُطْلِقَ وَيَتَحَقَّقُ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ الَّذِي قَصَدَهُ إنْ أَرَادَ وَقْتًا مُعَيَّنًا (قَوْلُهُ: {لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ} [النمل: ٤٦] بِمَعْنَى اسْتَغْفِرُوا اللَّهَ لِأَنَّهَا إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْمُضَارِعِ بِقَصْدِ الْحَثِّ عَلَيْهِ كَانَ بِمَعْنَى الْأَمْرِ (قَوْلُهُ: {لَوْلا أَخَّرْتَنِي} [المنافقون: ١٠] أَيْ فَإِنَّهُ بِمَعْنَى لَوْلَا تُؤَخِّرُنِي إلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ بِهِ طَلَبَ التَّأْخِيرِ
(قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ) أَيْ التَّعْلِيقَ، (وَقَوْلُهُ فَلَا فَوْرَ فِيهِ) فِي حَجّ، وَمِثْلُهُ: مَا لَوْ قَالَ طَالِقٌ هِيَ إنْ شَاءَتْ لَهُ (قَوْلُهُ يُعْتَبَرُ) أَيْ الْفَوْرُ، وَقَوْلُهُ لَا فِيهِ: أَيْ زَيْدٍ (قَوْلُهُ: بِسُكْنَى وَاحِدَةٍ) صِفَةُ سُكْنَى (قَوْلُهُ: وَاسْتَخْدَمَتْهُ مُدَّةً) أَيْ وَإِنْ قَلَّتْ كَيَوْمٍ.
[حاشية الرشيدي]
فِي صُورَةِ التَّعْلِيلِ
(قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِخِطَابِهَا إلَخْ.) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَخَرَجَ بِخِطَابِهَا إنْ شَاءَتْ وَخِطَابِ غَيْرِهَا (قَوْلُهُ: بَلْ إذَا وُجِدَتْ مَرَّةً انْحَلَّتْ الْيَمِينُ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ تَكْرَارًا نَصُّهَا: لِلْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، بَلْ إذَا وُجِدَ مَرَّةً فَكَانَ الْمُنَاسِبُ تَذْكِيرَ الضَّمِيرِ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي لِيَرْجِعَ إلَى الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ السَّابِقِ فِي كَلَامِهِ آنِفًا (قَوْلُهُ: فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى) لَيْسَ قَوْلُهُ: أُخْرَى قَيْدًا وَلَيْسَ هُوَ فِي جَوَابِ وَالِدِهِ فِي الْفَتَاوَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute