زَعَمَتَاهُ (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَلَا يَقَعُ) الطَّلَاقُ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَيْضِ وَبَقَاءُ النِّكَاحِ، نَعَمْ إنْ أَقَامَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِحَيْضِهَا وَقَعَ صَرَّحَ بِهِ فِي الشَّامِلِ، وَتَوَقَّفَ فِيهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِنَّ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِوِلَادَتِهَا فَشَهِدَ النِّسْوَةُ بِهَا لَمْ يَقَعْ، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ: إنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِشَهَادَتِهِنَّ الْحَيْضُ، وَإِذَا ثَبَتَ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ مَمْنُوعٌ، إذْ لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرَهُ لَوَقَعَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْوِلَادَةِ عِنْدَ ثُبُوتِهَا بِشَهَادَتِهِنَّ (وَإِنْ كَذَّبَ وَاحِدَةً) مِنْهُمَا (طَلُقَتْ) أَيْ الْمُكَذَّبَةُ (فَقَطْ) إنْ حَلَفَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ لِوُجُودِ الشَّرْطَيْنِ فِي حَقِّهَا لِثُبُوتِ حَيْضِهَا بِيَمِينِهَا وَحَيْضِ ضَرَّتِهَا بِتَصْدِيقِ الزَّوْجِ لَهَا، وَلَا تَطْلُقُ الْمُصَدَّقَةُ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ حَيْضُ ضَرَّتِهَا بِيَمِينِهَا فِي حَقِّهَا لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمْ تُؤَثِّرْ فِي حَقِّ غَيْرِ الْحَالِفِ فَلَمْ تَطْلُقْ، وَتَطْلُقُ الْمُكَذَّبَةُ فَقَطْ بِلَا يَمِينٍ فِي قَوْلِهِ مَنْ حَاضَتْ مِنْكُمَا فَصَاحِبَتُهَا طَالِقٌ وَادَّعَيَاهُ وَصَدَّقَ إحْدَاهُمَا وَكَذَّبَ الْأُخْرَى لِثُبُوتِ حَيْضِ الْمُصَدَّقَةِ بِتَصْدِيقِ الزَّوْجِ.
وَلَوْ قَالَتَا فَوْرًا حِضْنَا اُعْتُبِرَ حَيْضٌ مُسْتَأْنَفٌ وَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِدْعَائِهِ زَمَنًا، وَاسْتِعْمَالُ الزَّعْمِ فِي الْقَوْلِ الصَّحِيحِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْأَكْثَرِ إنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَوْ أُقِيمَ عَلَى خِلَافِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} [التغابن: ٧] وَلَوْ قَالَ إنْ حِضْتُمَا حَيْضَةً أَوْ وَلَدْتُمَا وَلَدًا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ لَغَتْ لَفْظَةُ الْحَيْضَةِ أَوْ الْوَلَدِ، فَإِنْ قَالَ إنْ وَلَدْتُمَا وَلَدًا وَاحِدًا أَوْ حِضْتُمَا حَيْضَةً وَاحِدَةً فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ فَتَعْلِيقٌ بِمُحَالٍ فَلَا تَطْلُقَانِ بِوِلَادَتِهِمَا، وَاسْتَشْكَلَ فِي الْمُهِمَّاتِ ذَلِكَ بِأَنَّا إنْ نَظَرْنَا إلَى تَقْيِيدِهِ بِالْحَيْضَةِ وَتَعَذُّرِ اشْتِرَاكِهِمَا فِيهَا لَزِمَ عَدَمُ الْوُقُوعِ أَوْ إلَى الْمَعْنَى وَهُوَ تَمَامُ حَيْضَةٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ لَزِمَ تَوَقُّفُ الْوُقُوعِ إلَى تَمَامِهَا فَالْخُرُوجُ عَنْ هَذَيْنِ مُشْكِلٌ، ثُمَّ مَا ذَكَرَ فِي الْوَلَدِ مِنْ أَنَّ لَفْظَ وَاحِدًا تَعْلِيقٌ بِمُحَالٍ يَجْرِي بِعَيْنِهِ فِي الْحَيْضَةِ لِأَنَّهَا لِلْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ كَقَوْلِهِ وَلَدًا وَاحِدًا اهـ.
وَأَجَابَ الشَّيْخُ بِأَنَّ وَلَدًا وَاحِدًا نَصٌّ فِي الْوِحْدَةِ فَأَلْغَى الْكَلَامَ كُلَّهُ وَحَيْضَةً ظَاهِرٌ فِيهَا فَأُلْغِيَتْ وَحْدَهَا وَبِإِلْغَائِهَا سَقَطَ اعْتِبَارُ تَمَامِ الْحَيْضَةِ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فَوْرًا إلَخْ (قَوْلُهُ: صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) أَيْ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حَيْضَهُمَا لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ وَالْيَمِينُ فِيهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لَا عَلَى الْبَتِّ (قَوْلُهُ: وَتَوَقَّفَ فِيهِ) وَجْهُ التَّوَقُّفِ ظَاهِرٌ بَلْ يُؤْخَذُ اعْتِمَادُهُ مِنْ تَضْعِيفِهِ كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ (قَوْلُهُ: إذْ لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرَهُ) أَيْ الْأَذْرَعِيُّ (قَوْلُهُ: لَغَتْ لَفْظَةُ الْحَيْضِ) أَيْ وَطَلُقَتَا بِحَيْضِهِمَا أَوْ وِلَادَتِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَبِنْ ذَلِكَ حَيْضَةً مِنْهُمَا وَلَا وَلَدًا (قَوْلُهُ: ثُمَّ مَا ذُكِرَ فِي الْوَلَدِ) لَا يُقَالُ: هُوَ سَوَّى بَيْنَهُمَا أَوَّلًا فِي قَوْلِهِ فَتَعْلِيقٌ بِمُحَالٍ فَلَا يُطَلَّقَانِ. لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُرَادُ مِمَّا ذَكَرَهُ الِاسْتِدْلَال عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِمُحَالٍ فِيهِمَا لِأَنَّ الْحَيْضَةَ الْوَاحِدَةَ لَيْسَتْ مَذْكُورَةً فِي كَلَامِهِمْ بَلْ هِيَ بَحْثٌ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ فَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّعْلِيقَ فِيهَا تَعْلِيقٌ بِمُحَالٍ بِمَا ذَكَرُوهُ فِي الْوَلَدِ الْوَاحِدِ (قَوْلُهُ بِأَنَّ وَلَدًا وَاحِدًا) أَيْ وَكَذَا حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ (قَوْلُهُ وَحَيْضَةً) أَيْ بِدُونِ وَاحِدَةٍ ظَاهِرٌ فِيهَا لِأَنَّ التَّاءَ لِلْمَرَّةِ وَتُحْتَمَلُ لِإِرَادَةِ الْمَاهِيَّةِ. فَمَا فَرَّقَ بِهِ الشَّيْخُ إنَّمَا هُوَ بَيْنَ قَوْلِهِ وَلَدًا وَاحِدًا وَبَيْنَ قَوْلِهِ حَيْضَةً مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالْوَحِدَةِ، وَمِثْلُهُ يَجْرِي
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ أَقَامَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً إلَخْ.) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: نَعَمْ إنْ أَقَامَتْ كُلٌّ بَيِّنَةً بِحَيْضِهَا وَقَعَ عَلَى مَا فِي الشَّامِلِ، وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ الْبَيِّنَةِ فِيهِ عَلَى رَجُلَيْنِ دُونَ النِّسْوَةِ إذْ لَا يَثْبُتُ بِهِنَّ الطَّلَاقُ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ مَا مَرَّ آنِفًا فِي الْحَمْلِ وَالْوِلَادَةِ وَمِنْ ثَمَّ تَوَقَّفَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي إطْلَاقِ الشَّامِلِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ سَقْطًا أَوْ خَلَلًا (قَوْلُهُ: بِيَمِينِهَا فِي حَقِّهَا) الضَّمِيرُ فِي بِيَمِينِهَا لِلضَّرَّةِ وَفِي حَقِّهَا لِلْمُصَدَّقَةِ (قَوْلُهُ: اُعْتُبِرَ حَيْضٌ مُسْتَأْنَفٌ إلَخْ) لَا يَخْفَى مَا فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ مِنْ الصُّعُوبَةِ وَعَدَمِ إفْهَامِ الْمُرَادِ (قَوْلُهُ: مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْأَكْثَرِ إلَخْ.) قَالَ فِي التُّحْفَةِ: وَبِالتَّوَقُّفِ عَلَى تَصْدِيقِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الزَّعْمَ فِي حَقِيقَتِهِ وَهُوَ مَا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ لِتَصْدِيقِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ حِضْتُمَا حَيْضَةً وَاحِدَةً) لَيْسَتْ هَذِهِ فِي الرَّوْضِ الَّذِي تَبِعَهُ الشَّارِحُ مَعَ شَرْحِهِ هُنَا فِي عِبَارَتِهِمَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا الشَّارِحُ بِطَرِيقِ الْمُقَايَسَةِ وَكَانَ يَنْبَغِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute