وَالْمُرُوءَةُ بِأَنَّهُ لَا يُخَالِفُهُ وَيَبَرُّ قَسَمَهُ لِنَحْوِ حَيَاءٍ أَوْ صَدَاقَةٍ أَوْ حُسْنِ خُلُقٍ. قَالَ فِي التَّوْشِيحِ: فَلَوْ نَزَلَ بِهِ عَظِيمُ قَرْيَةٍ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَرْتَحِلَ حَتَّى يُضَيِّفَهُ فَهُوَ مِثَالٌ لِمَا ذَكَرَ (وَعَلِمَ) ذَلِكَ الْغَيْرُ بِتَعْلِيقِهِ يَعْنِي وَقَصَدَ إعْلَامَهُ بِهِ (فَكَذَلِكَ) لَا يَحْنَثُ بِفِعْلِهِ نَاسِيًا لِلتَّعْلِيقِ أَوْ الْمُعَلَّقِ بِهِ أَوْ مُكْرَهًا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ الْحَالِفُ حَثَّهُ أَوْ مَنْعَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ يُبَالِي بِتَعْلِيقِهِ كَالسُّلْطَانِ وَالْحَجِيجِ أَوْ كَانَ يُبَالِي وَلَمْ يَعْلَمْ وَتَمَكَّنَ مِنْ إعْلَامِهِ وَلَمْ يُعْلِمْهُ كَمَا شَمَلَهُ كَلَامُهُمْ (فَيَقَعُ قَطْعًا) وَلَوْ نَاسِيًا لِأَنَّ الْحَلِفَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حِينَئِذٍ غَرَضُ حَثٍّ وَلَا مَنْعٍ لِأَنَّهُ مَنُوطٌ بِوُجُودِ صُورَةِ الْفِعْلِ، نَعَمْ لَوْ عَلَّقَ بِقُدُومِ زَيْدٍ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: فَهُوَ مِثَالٌ لِمَا ذَكَرَ) أَيْ مِنْ التَّعْلِيقِ عَلَى فِعْلِ مَنْ يُبَالِي فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْآتِي (قَوْلُهُ أَوْ مُكْرَهًا) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ الْحَالِفُ هُوَ الْمُكْرِهُ لَهُ اهـ سم عَلَى حَجّ. قَالَ حَجّ: وَمِنْ الْإِكْرَاهِ أَنْ يُعَلِّقَ بِانْتِقَالِ زَوْجَتِهِ مِنْ بَيْتِ أَبِيهَا فَيَحْكُمَ الْقَاضِي عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا بِهِ وَإِنْ كَانَ هَذَا الْمُدَّعِي كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ وَلَيْسَ مِنْ تَفْوِيتِ الْبَرِّ بِالِاخْتِيَارِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَيْسَ إلَيْهِ. وَيُقَاسَ بِذَلِكَ نَظَائِرُهُ اهـ. وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم مَا نَصُّهُ: يُوَافِقُ ذَلِكَ مَا أَفْتَى بِهِ الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ عَلَّقَ أَنَّهُ مَتَى نَقَلَ زَوْجَتَهُ مِنْ سَكَنِ أَبَوَيْهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا وَرِضَا أَبَوَيْهَا وَأَبْرَأْته مِنْ قِسْطٍ مِنْ أَقْسَاطِ صَدَاقِهَا عَلَيْهِ كَانَتْ طَالِقَةً طَلْقَةً تَمْلِكُ بِهَا نَفْسَهَا فَهَلْ لَهُ حِيلَةٌ فِي نَقْلِهَا وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ يَحْكُمُ عَلَيْهَا الْحَاكِمُ بِانْتِقَالِهَا مَعَ زَوْجِهَا فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ طَلَاقٌ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَخْلُصُ بِذَلِكَ وَإِنْ تَسَبَّبَ فِي ذَلِكَ بِالرَّفْعِ إلَى الْحَاكِمِ وَالدَّعْوَى. وَفِي فَتَاوَى شَيْخِنَا الْمَذْكُورِ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ مَا نَصُّهُ: سُئِلَ عَنْ شَخْصٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنَّهُ لَا يُسَافِرُ إلَى مِصْرَ فِي هَذِهِ السَّفِينَةِ، فَجَاءَ رَيِّسٌ السَّفِينَةِ وَاسْتَأْجَرَهُ لِلْعَمَلِ فِيهَا إجَارَةَ عَيْنٍ ثُمَّ ذَهَبَ إلَى الْقَاضِي وَأَرْسَلَ خَلْفَهُ وَادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِيُسَافِرَ مَعَهُ إلَى مِصْرَ وَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ إجَارَةَ عَيْنٍ لِلْعَمَلِ فِي سَفِينَتِهِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ مِنْ السَّفَرِ مَعَهُ، فَأَلْزَمَهُ الْحَاكِمُ بِالسَّفَرِ مَعَهُ وَحَكَمَ بِالسَّفَرِ فِي السَّفِينَةِ لِتَوْفِيَةِ مَا اسْتَأْجَرَهُ عَلَيْهِ فَسَافَرَ فِيهَا فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ؟
فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَقَعُ لِتَفْوِيتِهِ الْبَرَّ بِاخْتِيَارِهِ وَلَا يَكُونُ إلْزَامُ السَّفَرِ مَعَهُ مَانِعًا مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، إذْ لَيْسَ مِنْ صُوَرِ الْإِكْرَاهِ فِي شَيْءٍ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيتُ عِنْدَ زَوْجَتِهِ فَاسْتَأْجَرَتْهُ لِلْإِينَاسِ بِهِ وَحَكَمَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ بِالْمَبِيتِ عِنْدَهَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِمَا ذُكِرَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنِّي إفْتَاءٌ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَاحْذَرْهُ (قَوْلُهُ: أَوْ مَنْعَهُ) أَيْ أَوْ أَطْلَقَ عَلَى مَا نَقَلَهُ سم عَلَى حَجّ عَنْ الشَّارِحِ، وَعَلَيْهِ فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ هُنَا وَإِلَّا عَلَى مَا لَوْ قَصَدَ التَّعْلِيقَ فَقَطْ، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا وَهِيَ أَنَّ شَخْصًا تَشَاجَرَ مَعَ أُمِّ زَوْجَتِهِ وَبِنْتِهَا فِي مَنْزِلِهَا فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهَا لَا تَأْتِي إلَيْهِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَلَمْ تَشْعُرْ الزَّوْجَةُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ إنَّهَا أَتَتْ إلَى مَنْزِلِ زَوْجِهَا هَلْ تَطْلُقُ الزَّوْجَةُ أَمْ لَا وَهُوَ عَدَمُ الْحِنْثِ وَعَدَمُ انْحِلَالِ الْيَمِينِ فَمَتَى عَادَتْ إلَى مَنْزِلِ وَالِدَتِهَا ثُمَّ رَجَعَتْ إلَى مَنْزِلِ زَوْجِهَا بَعْدِ الْعِلْمِ بِالْحَلِفِ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ (قَوْلُهُ: وَتَمَكَّنَ مِنْ إعْلَامِهِ) يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا وَهِيَ أَنَّ شَخْصًا قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ لَمْ تَبُسِّي لِي بَسِيسَةً فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا وَمَضَتْ اللَّيْلَةُ وَلَمْ تَفْعَلْ، وَالْحَالُ أَنَّهَا سَاكِنَةٌ مَعَهُ فِي مَحَلِّهِ وَهُوَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ عِلْمِهَا وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إعْلَامِهَا فَحَيْثُ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: يَعْنِي: وَقَصَدَ إعْلَامَهُ) أَيْ زِيَادَةً عَلَى عِلْمِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي لَهُ فِي الْمَفْهُومِ وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِهِ تَأْوِيلَ مَعْنَى الْعِلْمِ فِي الْمَتْنِ، فَمُرَادُ الْمَتْنِ بِكَوْنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عَلِمَ أَنَّ الْحَالِفَ قَصَدَ إعْلَامَهُ وَسَوَاءٌ عَلِمَ أَمْ لَمْ يَعْلَمْ وَإِنْ لَمْ يُنَاسِبْ مَا يَأْتِي لَهُ فِي الْمَفْهُومِ وَيُعَبِّرُ عَنْ قَصْدِ إعْلَامِهِ بِقَصْدِ مَنْعِهِ مِنْ الْفِعْلِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَعْلَمْ) هَذَا مَفْهُومُ قَوْلِ الْمَتْنِ عَلِمَ، لَكِنَّ قَضِيَّةَ أَنَّ الْوُقُوعَ فِي هَذِهِ أَيْضًا مَقْطُوعٌ بِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ بَلْ فِيهَا خِلَافٌ، وَالْأَصَحُّ مِنْهُ عَدَمُ الْوُقُوعِ، بَلْ قَالَ حَجّ: إنَّهُ الْمَنْقُولُ الْمُعْتَمَدُ وَمِنْ ثُمَّ قَالَ: أَعْنِي حَجّ: أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ غَيْرُ مُرَادَةٍ لِلْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ إعْلَامِهِ) الْمُنَاسِبُ فِي الْغَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إعْلَامِهِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حِينَئِذٍ غَرَضُ حَثٍّ إلَخْ.) لَا يُنَاسِبُ الصُّورَةَ الْأَخِيرَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute