تَعْلِيقٌ مَحْضٌ بِصِفَةٍ فَيَقَعُ بِمَا إنْ وُجِدَتْ وَإِلَّا فَلَا، وَتَعْبِيرُهُ بِالْجَمْعِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ وَاحِدٌ أَوْ انْقَطَعَ لِعُذْرٍ لَمْ تُوجَدْ الصِّفَةُ. وَاسْتَبْعَدَهُ بَعْضُهُمْ وَاسْتَظْهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ الْجِنْسُ، وَهَلْ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ لِلْأَكْثَرِ أَوْ لِمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ أَوْ إلَى جَمِيعِ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ مِمَّنْ يُرِيدُ الرُّجُوعَ؟ احْتِمَالَاتٌ: أَقْرَبُهَا ثَانِيهَا، وَلَوْ قَالَ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْت طَالِقٌ وَقَصَدَ مَنْعَهُ وَهُوَ مِمَّنْ يُبَالَى بِحَلِفِهِ حَالَةَ الْحَلِفِ فِيمَا يَظْهَرُ فَحَلِفٌ، أَوْ التَّعْلِيقَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا أَوْ كَانَ بِفِعْلِ مَنْ لَمْ يُبَالِ كَالسُّلْطَانِ فَتَعْلِيقٌ، وَلَوْ تَنَازَعَا فِي طُلُوعِ الشَّمْسِ فَقَالَتْ لَمْ تَطْلُعْ فَقَالَ إنْ لَمْ تَطْلُعْ فَأَنْت طَالِقٌ طَلُقَتْ حَالًا لِأَنَّ غَرَضَهُ التَّحْقِيقُ فَهُوَ حَلِفٌ، أَوْ قَالَ لِمَوْطُوءَةٍ إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ أَعَادَهُ أَرْبَعًا وَقَعَ بِالثَّانِيَةِ طَلْقَةً وَتَنْحَلُّ الْأُولَى وَبِالثَّالِثَةِ طَلْقَةً ثَانِيَةً بِحُكْمِ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ وَتَنْحَلُّ وَيَقَعُ بِالرَّابِعَةِ طَلْقَةً ثَالِثَةً بِحُكْمِ الْيَمِينِ الثَّالِثَةِ وَتَنْحَلُّ.
(وَلَوْ) (قِيلَ لَهُ اسْتِخْبَارًا أَطْلَقْتهَا) أَيْ زَوْجَتَك (فَقَالَ نَعَمْ) أَوْ مُرَادِفَهَا كَجَيْرٍ أَوْ أَجَلٍ وَإِي بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ بَلَى هُنَا كَذَلِكَ لِمَا مَرَّ فِي الْإِقْرَارِ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا لُغَوِيٌّ لَا شَرْعِيٌّ (فَإِقْرَارٌ بِهِ) لِأَنَّهُ صَرِيحٌ إقْرَارٌ، فَإِنْ كَذَبَ فَهِيَ زَوْجَتُهُ بَاطِنًا (فَإِنْ قَالَ أَرَدْت) طَلَاقًا (مَاضِيًا وَرَاجَعْت فِيهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) لِاحْتِمَالِ مَا يَدَّعِيهِ، وَخَرَجَ بِرَاجَعْتُ جَدَّدْت، وَحُكْمُهُ مَا مَرَّ فِي أَنْتِ طَالِقٌ وَفَسَّرَهُ بِذَلِكَ (فَإِنْ قِيلَ) لَهُ (ذَلِكَ الْتِمَاسًا) أَيْ طَلَبًا مِنْهُ (لَا إنْشَاءً) لِإِيقَاعِ طَلَاقٍ، وَمِنْهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لَوْ قِيلَ لَهُ وَقَدْ تَنَازَعَا فِي فِعْلِهِ لِشَيْءٍ الطَّلَاقُ يَلْزَمُك مَا فَعَلْت كَذَا (فَقَالَ نَعَمْ) أَوْ نَحْوَهَا (فَصَرِيحٌ) فِي الْإِيقَاعِ حَالًا (وَقِيلَ كِنَايَةً) لِأَنَّ نَعَمْ لَيْسَتْ مِنْ صَرَائِحِ الطَّلَاقِ.
وَيُرَدُّ بِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِيهِ لَكِنَّهَا حَاكِيَةٌ لِمَا قَبْلَهَا اللَّازِمُ مِنْهُ إفَادَتُهَا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ، إذْ الْمَعْنَى نَعَمْ طَلَّقْتهَا وَلِصَرَاحَتِهَا فِي الْحِكَايَةِ تَنَزَّلَتْ عَلَى قَصْدِ السَّائِلِ فَكَانَتْ صَرِيحَةً فِي الْإِقْرَارِ تَارَةً وَفِي الْإِنْشَاءِ أُخْرَى تَبَعًا لِقَصْدِهِ، وَبِهَذَا يَتَّضِحُ قَوْلُ الْقَاضِي وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ، وَاقْتَضَى كَلَامُ الرَّوْضَةِ تَرْجِيحَهُ، وَمِنْ ثَمَّ جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ مُخْتَصِرَيْهَا، وَلَوْ قِيلَ لَهُ إنْ فَعَلْت كَذَا فَزَوْجَتُك طَالِقٌ فَقَالَ نَعَمْ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا، وَبِهِ أَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَا اسْتِخْبَارٌ وَلَا إنْشَاءٌ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِ بَلْ تَعْلِيقٌ، وَنَعَمْ لَا تُؤَدِّي مَعْنَاهُ فَانْدَفَعَ قَوْلُ الْبَغَوِيّ مَرَّةً أُخْرَى
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ حَثٍّ أَوْ مَنْعٍ أَوْ تَحْقِيقِ خَبَرٍ (قَوْلُهُ: فَيَقَعُ بِهَا إنْ وُجِدَتْ) أَيْ وَلَوْ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الْمُعْتَادِ كَأَنْ تَأَخَّرَ الْحَاجُّ عَنْ الْعَادَةِ فِي مَجِيئِهِ (قَوْلُهُ أَقْرَبُهَا ثَانِيهَا) وَعَلَيْهِ فَهُوَ الْمُرَادُ قُدُومُهُمْ لِلْبَرَكَةِ مَثَلًا أَوْ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِهِمْ الْبَلَدَ حَتَّى يَقَعَ، وَلَوْ كَانَ الْمُعَلِّقُ مِنْ قَرْيَةِ قُرَى مِصْرِ هَلْ يُشْتَرَطُ قُدُومُ الْحُجَّاجِ لِبَلَدِهِ أَوْ يَكْفِي وُصُولُهُمْ إلَى مِصْرَ أَوْ يَكْفِي الْحَالُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي فَلَا بُدَّ مِنْ دُخُولِهِمْ إلَى الْبَلَدِ فِي الْأُولَى وَإِلَى قَرِينِهِ فِي الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ فَحَلَفَ) أَيْ فَيَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بِالْحَلِفِ (قَوْلُهُ: طَلُقَتْ حَالًا) لِأَنَّهُ عَلَّقَ بِمُسْتَحِيلٍ وَهُوَ مُقْتَضَى الْوُقُوعِ حَالًا فَيَقَعُ الطَّلَاقُ لِتَحَقُّقِ الْحَلِفِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ: أَيْ مَا لَمْ يُرِدْ بِالطُّلُوعِ ظُهُورَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ وَاحْتُمِلَ عَدَمُهُ لِكَوْنِهِ زَمَنَ غَيْمٍ، وَإِلَّا فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ حَيْثُ كَانَ مُرَادُهُ إنْ فَاتَ طُلُوعُهَا فِي ظَنِّي فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ أَعَادَهُ) أَيْ إنْ حَلَفْت إلَخْ.
[فَرْعٌ] وَمِمَّا يُغْفَلُ عَنْهُ أَنْ يَحْلِفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُ ثُمَّ يُخَاطِبُهُ بِنَحْوِ اذْهَبْ مُتَّصِلًا بِالْحَلِفِ فَيَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ لِأَنَّ ذَلِكَ خِطَابٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَدِينَ فِيمَا لَوْ قَالَ أَرَدْت بَعْدَ هَذَا الْوَقْتِ الَّذِي هُوَ حَاضِرٌ عِنْدِي فِيهِ.
(قَوْلُهُ: أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَلَى وَنَعَمْ (قَوْلُهُ: وَفَسَّرَهُ بِذَلِكَ) أَيْ فَلَا يُقْبَلُ ظَاهِرًا (قَوْلُهُ وَمِنْهُ) أَيْ وَمِنْ الِالْتِمَاسِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَكُنْ شَيْئًا) أَيْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَمِثْلُهُ مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ أَنَّهُ يُقَالُ لِلزَّوْجِ بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْهَا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَأَبْرَأْت مِنْ كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ فَيَقُولُ نَعَمْ مِنْ غَيْرِ التَّلَفُّظِ بِتَعْلِيقٍ (قَوْلُهُ: لَا تُؤَدِّي مَعْنَاهُ) أَيْ التَّعْلِيقِ (قَوْلُهُ: فَانْدَفَعَ قَوْلُ الْبَغَوِيّ إلَخْ)
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: طَلُقَتْ حَالًا لِأَنَّ غَرَضَهُ التَّحْقِيقُ) هُوَ مِنْ أَمْثِلَةِ الْمَتْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute