للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجُنُونُ وَالْإِفَاقَةُ فِي النَّهَارِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ لِأَنَّ غَالِبَ الْكَسْبِ إنَّمَا يَتَيَسَّرُ نَهَارًا.

وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَيَسِّرًا لَيْلًا أَجْزَأَ، وَأَنَّ مَنْ يُبْصِرُ وَقْتًا دُونَ وَقْتٍ كَالْمَجْنُونِ فِي تَفْصِيلِهِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ، وَبَقَاءُ نَحْوِ خَبَلٍ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ يَمْنَعُ الْعَمَلَ فِي حُكْمِ الْجُنُونِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَلِ النِّكَاحَ مَنْ اسْتَوَى زَمَنُ جُنُونِهِ وَإِفَاقَتِهِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ لِطُولِ نَظَرٍ وَاخْتِبَارٍ لَيَعْرِفَ الْأَكْفَاءَ، وَلَا يَتِمُّ لَهُ ذَلِكَ مَعَ التَّسَاوِي، وَاحْتُرِزَ بِالْجُنُونِ عَنْ الْإِغْمَاءِ لِأَنَّ زَوَالَهُ مَرْجُوٌّ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ لَكِنْ تَوَقَّفَ غَيْرُهُ فِيمَا لَوْ اطَّرَدَتْ الْعَادَةُ بِتَكَرُّرِهِ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ (وَ) لَا (مَرِيضٌ لَا يُرْجَى) عِنْدَ الْعِتْقِ بُرْءُ مَرَضِهِ كَفَالِجٍ وَسُلٍّ وَلَا مَنْ قُدِّمَ لِلْقَتْلِ، بِخِلَافِ مَنْ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ فِي الْمُحَارَبَةِ: أَيْ قَبْلَ الرَّفْعِ لِلْإِمَامِ، أَمَّا إذَا رُجِيَ بُرْؤُهُ فَيُجْزِئُ وَإِنْ اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِهُجُومِ عِلَّةٍ، بَلْ لَوْ تَحَقَّقَ مَوْتُهُ بِذَلِكَ الْمَرَضِ أَجْزَأَ فِي الْأَصَحِّ.

(فَإِنْ) (بَرِئَ) مَنْ يُرْجَى بُرْؤُهُ بَعْدَ إعْتَاقِهِ (بَانَ الْإِجْزَاءُ فِي الْأَصَحِّ) لِخَطَأِ الظَّنِّ، وَبِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا مَرَّ قُبَيْلَ فَصْلِ تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الْفَوْرِ عَنْ وَالِدِ الرُّويَانِيِّ لِأَنَّهُ ظَنَّ ثُمَّ أَخْلَفَ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النِّصَابِ ثَمَّ وَالْأَصْلُ: أَيْ الْغَالِبُ هُنَا الْبُرْءُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْتَقَ أَعْمَى فَأَبْصَرَ لِتَحَقُّقِ يَأْسِ إبْصَارِهِ فَكَأَنَّ عَوْدَهُ نِعْمَةٌ جَدِيدَةٌ مَحْضَةٌ وَالثَّانِي لَا، لِاخْتِلَالِ النِّيَّةِ وَقْتَ الْعِتْقِ كَمَا لَوْ حَجَّ عَنْ غَيْرِ الْمَعْضُوبِ ثُمَّ بَانَ كَوْنُهُ مَعْضُوبًا فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَرَجَّحَ جَمْعٌ مُقَابِلَ الْأَصَحِّ، وَرُدَّ بِمَنْعِ تَأْثِيرِ ذَلِكَ فِي النِّيَّةِ لِأَنَّهُ جَازِمٌ بِالْإِعْتَاقِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُتَرَدِّدٌ فِي اسْتِمْرَارِ مَرَضِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى إعْتَاقٍ ثَانٍ أَوْ لَا فَلَا، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْجَزْمِ بِالنِّيَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ فِي الْأَعْمَى تَبَيَّنَ عَدَمُ مُنَافَاتِهِ لِقَوْلِهِمْ لَوْ ذَهَبَ بَصَرُهُ بِجِنَايَةٍ فَأَخَذَ دِيَتَهُ ثُمَّ عَادَ اُسْتُرِدَّتْ لِأَنَّ الْعَمَى الْمُحَقَّقَ لَا يَزُولُ، وَوَجْهُ نَفْيِ الْمُنَافَاةِ أَنَّ الْمَدَارَ هُنَا عَلَى مَا يُنَافِي الْجَزْمَ بِالنِّيَّةِ، وَالْعَمَى يُنَافِيهِ نَظَرًا لِحَقِيقَتِهِ الْمُتَبَادِرَةِ مِنْ حُصُولِ صُورَتِهِ فَلَمْ يُجْزِ الْأَعْمَى مُطْلَقًا، وَثَمَّ عَلَى مَا يُمْكِنُ عَادَةً عَوْدُهُ وَبِالزَّوَالِ بَانَ أَنَّهُ غَيْرُ أَعْمَى، فَوَجَبَ الِاسْتِرْدَادُ.

(وَلَا يُجْزِئُ) (شِرَاءُ) أَوْ تَمَلُّكُ (قَرِيبٍ) أَصْلٍ أَوْ فَرْعٍ (بِنِيَّةِ كَفَّارَةٍ) لِأَنَّ عِتْقَهُ مُسْتَحَقٌّ لَا بِجِهَةِ الْكَفَّارَةِ فَهُوَ كَدَفْعِ نَفَقَتِهِ الْوَاجِبَةِ إلَيْهِ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ (وَلَا) عِتْقٌ فَهُوَ الْمَعْطُوفُ عَلَى الشِّرَاءِ، وَحُذِفَ إقَامَةً لِلْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَ الْمُضَافِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَلِ النِّكَاحَ) الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا تُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ لِمَا ذَكَرَهُ ثَمَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ زُوِّجَ فِي زَمَنِ الْإِفَاقَةِ صَحَّ وَإِنْ قَلَّتْ جِدًّا كَيَوْمٍ فِي سَنَةٍ (قَوْلُهُ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ) وَالْقِيَاسُ عَدَمُ إجْزَائِهِ (قَوْلُهُ: قَبْلَ الرَّفْعِ لِلْإِمَامِ) أَيْ فَلَوْ رُفِعَ لَهُ وَقُتِلَ فَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَتَبَيَّنُ عَدَمُ إجْزَائِهِ لِتَبَيُّنِ مَوْتِهِ بِالسَّبَبِ السَّابِقِ عَلَى الْإِعْتَاقِ.

(قَوْلُهُ فَأَبْصَرَ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ (قَوْلُهُ: الْمُتَبَادِرَةِ مِنْ حُصُولِ صُورَتِهِ) صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَوْ أَبْصَرَ وَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا كَانَ بِعَيْنَيْهِ غِشَاوَةٌ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِأَعْمَى لَمْ يَجُزْ لِفَسَادِ النِّيَّةِ، وَعَلَيْهِ فَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرِيضِ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ حَيْثُ أَجْزَأَ إذَا بَرِئَ أَنَّ الْمَرَضَ لَيْسَ فِيهِ صُورَةٌ ظَاهِرَةٌ تُنَافِي الْإِجْزَاءَ فَضَعُفَ تَأْثِيرُهُ فِي النِّيَّةِ وَلَا كَذَلِكَ الْأَعْمَى، وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ زَوَالُ الْجُنُونِ وَالزَّمَانَةِ فَلَا يَكْفِي عَنْ الْكَفَّارَةِ أَخْذًا مِنْ الْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْعَمَى الْمُحَقَّقُ أَيِسَ مَعَهُ مِنْ عَوْدِ الْبَصَرِ، بِخِلَافِ الْجُنُونِ وَالزَّمَانِ الْمُحَقَّقَيْنِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُمْكِنُ زَوَالُهُ بَلْ عُهِدَ وَشُوهِدَ وُقُوعُهُ كَثِيرًا (قَوْلُهُ: فَلَمْ يُجْزِ الْأَعْمَى مُطْلَقًا)

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَلَا مَنْ قُدِّمَ لِلْقَتْلِ) أَيْ وَقُتِلَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا يَأْتِي

(قَوْلُهُ: فَكَأَنَّ عَوْدَهُ نِعْمَةٌ جَدِيدَةٌ) هُوَ بِتَشْدِيدِ النُّونِ مِنْ فَكَأَنَّ لِيُوَافِقَ مَا سَيَأْتِي قَرِيبًا آخِرَ السِّوَادَةِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ جَازِمٌ بِالْإِعْتَاقِ) قَالَ الشِّهَابُ سم: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ النِّيَّةَ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ قَصْدِ الْإِعْتَاقِ بَلْ الْإِعْتَاقُ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ فِيهِ قَطْعًا فَانْظُرْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا بَنَاهُ عَلَى هَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَوَجْهُ عَدَمِ الْمُنَافَاةِ إلَخْ.) قَالَ الشِّهَابُ الْمَذْكُورُ: قَدْ يُقَالُ هَذَا لَا يَدْفَعُ الْمُنَافَاةَ الْمُورَدَةَ هُنَا، وَهِيَ دَلَالَةُ مَا هُنَا عَلَى زَوَالِ الْعَمَى الْمُحَقَّقِ وَمَا هُنَاكَ عَلَى عَدَمِ زَوَالِهِ فَتَأَمَّلْهُ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>