الزَّوْجِ (عَلَى الْمُرْضِعَةِ) الْمُخْتَارَةِ إنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً لَهُ أَوْ كَانَتْ مُكَاتَبَةً (نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ) وَإِنْ لَزِمَهَا الْإِرْضَاعُ لِتَعَيُّنِهَا لِأَنَّ غَرَامَةَ الْمُتْلِفِ لَا تَتَأَثَّرُ بِذَلِكَ، وَلَزِمَهَا النِّصْفُ اعْتِبَارًا لِمَا يَجِبُ لَهُ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ: أَيْ فِي الْجُمْلَةِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ نِصْفَ الْمَهْرِ اللَّازِمِ قَدْ يَزِيدُ عَلَى نِصْفِ الْمُسَمَّى، أَمَّا الْمُكْرَهَةُ لَهُ فَيَلْزَمُهَا ذَلِكَ لَكِنْ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا طَرِيقًا فِيهِ لَا بِطَرِيقِ الِاسْتِقْرَارِ، إذْ الْقَرَارُ عَلَى مُكْرِهِهَا، وَلَوْ حَلَبَتْ لَبَنَهَا ثُمَّ أَمَرَتْ أَجْنَبِيًّا بِسَقْيِهِ لَهَا كَانَ طَرِيقًا وَالْقَرَارُ عَلَيْهَا كَمَا فِي الْمُعْتَمَدِ، وَنَظَرَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ مُمَيِّزًا لَا يَرَى تَحَتُّمَ طَاعَتِهَا: أَيْ وَالْمُتَّجَهُ فِي الْمُمَيِّزِ أَنَّ الْغُرْمَ عَلَيْهِ فَقَطْ وَفِيمَنْ يَرَى تَحَتُّمَ الطَّاعَةِ أَنَّهُ عَلَيْهَا فَقَطْ (وَفِي قَوْلٍ) لَهُ عَلَيْهَا (كُلُّهُ) أَيْ مَهْرُ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ قِيمَةُ الْبُضْعِ الَّذِي فَوَّتَتْهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَارَقَتْ شُهُودَ طَلَاقٍ رَجَعُوا فَإِنَّهُمْ يَغْرَمُونَ الْكُلَّ بِأَنَّهُمْ أَحَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَقِّهِ الْبَاقِي بِزَعْمِهِ فَكَانُوا كَغَاصِبٍ حَالَ بَيْنَ الْمَالِكِ وَحَقِّهِ.
وَأَمَّا الْفُرْقَةُ هُنَا فَحَقِيقِيَّةٌ بِمَنْزِلَةِ التَّلَفِ فَلَمْ تَغْرَمْ الْمُرْضِعَةُ سِوَى مَا أَتْلَفَتْهُ وَهُوَ مَا غَرِمَهُ فَقَطْ، وَلَوْ نَكَحَ عَبْدٌ أَمَةً صَغِيرَةً بِتَفْوِيضِ سَيِّدِهَا فَأَرْضَعَتْهَا أُمُّهُ مَثَلًا فَلَهَا الْمُتْعَةُ فِي كَسْبِهِ، وَلَا يُطَالِبُ سَيِّدُهُ الْمُرْضِعَةَ إلَّا بِنِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَإِنَّمَا صَوَّرُوا ذَلِكَ بِالْأَمَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فِي الْحُرَّةِ لِانْتِفَاءِ الْكَفَاءَةِ (وَلَوْ) دَبَّتْ صَغِيرَةٌ وَ (رَضَعَتْ) رَضَاعًا مُحَرِّمًا (مِنْ) كَبِيرَةٍ (نَائِمَةٍ) أَوْ مُسْتَيْقِظَةٍ سَاكِتَةٍ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَجَعْلُهُ كَالْأَصْحَابِ التَّمْكِينَ مِنْ الْإِرْضَاعِ إرْضَاعًا إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّحْرِيمِ لَا الْغُرْمِ، وَإِنَّمَا عُدَّ سُكُوتُ الْمُحْرِمِ عَلَى الْحَلْقِ كَفِعْلِهِ لِأَنَّ الشَّعْرَ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ يَلْزَمُهُ دَفْعُ مُتْلِفَاتِهِ، وَلَا كَذَلِكَ هُنَا (فَلَا غُرْمَ) عَلَيْهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَصْنَعْ شَيْئًا (وَلَا مَهْرَ لِلْمُرْتَضِعَةِ) لِأَنَّ الِانْفِسَاخَ بِفِعْلِهَا وَهُوَ مُسْقِطٌ لَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَهُ فِي مَالِهَا مَهْرُ مِثْلِ الْكَبِيرَةِ الْمُنْفَسِخِ نِكَاحُهَا أَوْ نِصْفُهُ لِأَنَّهَا أَتْلَفَتْ عَلَيْهِ بُضْعَهَا وَضَمَانُ الْإِتْلَافِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَمْيِيزٍ، وَلَوْ حَمَلَتْ الرِّيحُ اللَّبَنَ مِنْ الْكَبِيرَةِ إلَى جَوْفِ الصَّغِيرَةِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِعَدَمِ صُنْعِهِمَا، وَلَوْ دَبَّتْ الصَّغِيرَةُ فَارْتَضَعَتْ مِنْ أُمِّ الزَّوْجِ أَرْبَعًا ثُمَّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بِأَنْ اسْتَدْخَلَتْ مَاءَهُ الْمُحْتَرَمَ فَإِنَّ الْوَلَدَ الْمُنْعَقِدَ مِنْهُ يَلْحَقُهُ وَيَصِيرُ اللَّبَنُ لَهُ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا) أَيْ فَلَوْ اخْتَلَفَا فِيهِ صَدَقَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَتْ مُكَاتَبَةً) أَيْ لَهُ (قَوْلُهُ: نِصْفُ مَهْرِ مِثْلٍ) أَيْ وَإِنْ وَجَبَ لِلصَّغِيرَةِ عَلَيْهِ نِصْفُ الْمُسَمَّى (قَوْلُهُ لَا تَتَأَثَّرُ بِذَلِكَ) أَيْ بِاللُّزُومِ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْمُعْتَمَدِ) أَيْ لِلْبَنْدَنِيجِيِّ (قَوْلُهُ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ مُسْتَأْجَرَةً لِلْإِرْضَاعِ، إذْ غَايَتُهُ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ عَدَمُ إرْضَاعِ الطِّفْلِ، وَهُوَ يَفُوتُ الْأُجْرَةُ وَلَيْسَ الْإِرْضَاعُ وَاجِبًا عَلَيْهَا عَيْنًا عَلَى أَنَّ مَا شَرِبَتْهُ الصَّغِيرَةُ لَيْسَ مُتَعَيِّنًا لِإِرْضَاعِ مَنْ اُسْتُؤْجِرَتْ لِإِرْضَاعِهِ، وَلَا يُشْكِلُ هَذَا بِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ لَزِمَهَا الْإِرْضَاعُ غَرِمَتْ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ ضَمَانَ الْمُتْلِفَاتِ لَا يَتَأَثَّرُ بِالْوُجُوبِ عَلَى الْمُتْلِفِ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَ مَنَاطَ الْفَرْقِ كَوْنَ الشَّعْرِ فِي يَدِهِ أَمَانَةً وَلَا كَذَلِكَ اللَّبَنُ (قَوْلُهُ وَلَهُ فِي مَالِهَا) أَيْ الصَّغِيرَةَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ بَقِيَ فِي ذِمَّتِهَا (قَوْلُهُ: مَهْرُ مِثْلِ الْكَبِيرَةِ) أَيْ حَيْثُ كَانَتْ زَوْجَةً، وَخَرَجَ بِهِ مَا لَوْ ارْتَضَعَتْ مِنْ أُمِّهِ أَوْ أُخْتِهِ أَوْ نَحْوِهِمَا فَلَا شَيْءَ فِيهِ لِلْكَبِيرَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: فَارْتَضَعَتْ مِنْ أُمِّ الزَّوْجِ) أَيْ مَثَلًا، وَالضَّابِطُ كَمَا مَرَّ أَنَّ الْعِبْرَةَ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَوْ كَانَتْ مُكَاتَبَةً) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً لَهُ: أَيْ أَوْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ لَكِنَّهَا مُكَاتَبَةٌ: أَيْ لَهُ، وَفِي نُسْخَةٍ مُكَاتَبَتَهُ بِالْإِضَافَةِ لِضَمِيرِهِ (قَوْلُهُ: وَيُبَيِّنُ حَقَّهُ الْبَاقِيَ بِزَعْمِهِ) هَلَّا قَالَ بِزَعْمِهِمْ إذْ هُوَ أَقْوَى فِي الْفَرْقِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ:؛ لِانْتِفَاءِ الْكَفَاءَةِ) لَيْسَ هَذَا التَّعْلِيلُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ هَذَا الْفَرْعُ مَعَ إمْكَانِ تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ بِكَوْنِ الزَّوْجِ حُرًّا فَتُوجَدُ الْكَفَاءَةُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الدَّاعِيَ لِهَذَا التَّصْوِيرِ إنَّمَا هُوَ عَدَمُ تَصْوِيرِ التَّفْوِيضِ فِي الْحُرَّةِ الصَّغِيرَةِ لِانْتِفَاءِ الْكَفَاءَةِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: بِالنِّسْبَةِ لِلتَّحْرِيمِ) فِيهِ أَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّمْكِينِ (قَوْلُهُ: إلَى جَوْفِ الصَّغِيرَةِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ خَرَجَ بِجَوْفِهَا مَا لَوْ حَمَلَتْهُ الرِّيحُ إلَى فَمِهَا فَابْتَلَعَتْهُ لِوُجُودِ الصُّنْعِ مِنْهَا فَلْيُرَاجَعْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute