للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمُوجِبٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَا يَتَحَتَّمُ دُخُولُهُ فِي النَّارِ وَلَا يَخْلُدُ، وَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَتَقَبَّلَ تَوْبَتَهُ.

وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} [البقرة: ١٧٨] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قِيلَ وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاَللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ» وَخَبَرِ «سُئِلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ، قَالَ: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا، وَهُوَ خَلَقَكَ، قِيلَ ثُمَّ أَيُّ قَالَ: أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَك» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَخَبَرِ «لَقَتْلُ مُؤْمِنٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَبِالْقَوَدِ أَوْ الْعَفْوِ أَوْ أَخْذِ الدِّيَةِ لَا تَبْقَى مُطَالَبَةٌ أُخْرَوِيَّةٌ، وَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الْأَسِيرَ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَقْتُلُ بِالْمَصْلَحَةِ، وَحَيْثُ اقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ قَتْلَهُ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ قَتْلُهُ وَاجِبًا إنْ تَرَتَّبَ عَلَى عَدَمِهِ مَفْسَدَةٌ، وَمَنْدُوبًا إنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ يَتَرَجَّحُ عَلَى التَّرْكِ بَلْ يُحْتَمَلُ الْوُجُوبُ مُطْلَقًا حَيْثُ ظَهَرَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي قَتْلِهِ

(قَوْلُهُ: وَمُوجِبٌ) أَيْ مُحَقِّقٌ وَمُثْبِتٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْعُقُوبَةِ؛ إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَعَالَى شَيْءٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْعُقُوبَةِ حُصُولُهَا، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ وَلَا يَتَحَتَّمُ إلَخْ

(قَوْلُهُ: دُخُولُهُ) أَيْ الْقَاتِلِ

(قَوْلُهُ: وَلَا يَخْلُدُ) وَلَا يُنَافِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النساء: ٩٣] الْآيَةَ لِحَمْلِ الْخُلُودِ فِيهَا عَلَى طُولِ الْمُدَّةِ وَعَبَّرَ بِهِ زَجْرًا وَتَنْفِيرًا، أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ اسْتَحَلَّهُ

(قَوْلُهُ: وَتَقَبَّلَ تَوْبَتَهُ) أَشَارَ بِهِ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَيَسْقُطُ بِهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى.

أَمَّا حَقُّ الْآدَمِيِّ فَلَا عَلَى مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ) مِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْآيَةَ سِيقَتْ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَصْلِ الْجِنَايَةِ.

وَأَمَّا تَفَاصِيلُهَا وَأَحْكَامُهَا فَلَهَا أَدِلَّةٌ خَاصَّةٌ تَأْتِي

(قَوْلُهُ: الْمُوبِقَاتِ) أَيْ الْمُهْلِكَاتِ

(قَوْلُهُ: إلَّا بِالْحَقِّ) رَاجِعٌ لِقَتْلِ النَّفْسِ دُونَ مَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: «وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ» ) أَيْ مِنْ غَيْرِ مُقْتَضٍ لَهُ كَزِيَادَةِ الْعَدُوِّ عَلَى ضَعْفِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ خَلَقَكَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ خَلَقَك

(قَوْلُهُ: أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك) لَيْسَ بِقَيْدٍ، أَوْ يُقَالُ قَيَّدَ بِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ قَتْلَهُ لِمَا ذُكِرَ أَعْظَمُ إثْمًا مِنْ قَتْلِ غَيْرِهِ، ثُمَّ قَضِيَّةُ عَطْفِهِ بِثُمَّ يَقْتَضِي أَنَّ قَتْلَ الْوَلَدِ لِمَا ذُكِرَ أَعْظَمُ إثْمًا مِنْ غَيْرِ الشِّرْكِ مِنْ بَقِيَّةِ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، وَقَدْ يُقَالُ: أَرَادَ بِالشِّرْكِ هُنَا مُطْلَقَ الْكُفْرِ، وَعَبَّرَ بِهِ لِكَوْنِهِ الْأَغْلَبَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا (قَوْلُهُ: «مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» ) الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّنْفِيرِ (قَوْلُهُ: أَوْ الْعَفْوِ) شَامِلٌ لِلْعَفْوِ عَلَى الدِّيَةِ قح، وَبِهِ صَرَّحَ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: أَوْ أَخْذِ الدِّيَةِ) أَيْ فِي قَتْلٍ لَا يُوجِبُ الْقَوَدَ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ عُفِيَ عَنْ الْقِصَاصِ مَجَّانًا أَوْ عَلَى الدِّيَةِ سَقَطَ الطَّلَبُ عَنْ الْقَاتِلِ فِي الْآخِرَةِ، وَظَاهِرُهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ الْوَارِثُ مِنْهُ الدِّيَةَ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: لَا تَبْقَى مُطَالَبَةٌ أُخْرَوِيَّةٌ) ظَاهِرُهُ لَا لِلْوَارِثِ وَلَا لِلْمَقْتُولِ.

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ:

وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْقَاتِلَ يَتَعَلَّقُ بِهِ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ: حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَحَقٌّ لِلْمَقْتُولِ، وَحَقٌّ لِلْوَلِيِّ، فَإِذَا أَسْلَمَ الْقَاتِلُ نَفْسَهُ طَوْعًا وَاخْتِيَارًا إلَى الْوَلِيِّ نَدَمًا عَلَى مَا فَعَلَ خَوْفًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوْبَةً نَصُوحًا سَقَطَ حَقُّ اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ، وَحَقُّ الْأَوْلِيَاءِ بِالِاسْتِيفَاءِ أَوْ الصُّلْحِ وَالْعَفْوِ، وَبَقِيَ حَقُّ الْمَقْتُولِ يُعَوِّضُهُ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ عَبْدِهِ التَّائِبِ وَيُصْلِحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ اهـ.

وَهُوَ لَا يُنَافِي قَوْلَهُ لَا تَبْقَى مُطَالَبَةٌ أُخْرَوِيَّةٌ لِجَوَازِ حَمْلِهِ عَلَى أَنَّ عَدَمَ الْمُطَالَبَةِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

لِأَنَّ التَّرْجَمَةَ لِشَيْءٍ ثُمَّ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ غَيْرُ مَعِيبٍ (قَوْلُهُ: كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إلَى آخِرِ الْأَخْبَارِ الَّتِي سَاقَهَا) فِيهِ أَنَّ غَايَةَ مَا فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَمِنْ ثَمَّ سَاقَهَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ عَقِبَ قَوْلِ الْمَتْنِ الْقَتْلُ ظُلْمًا أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الْكُفْرِ فَلَيْسَتْ أَصْلًا لِمَا عُقِدَ لَهُ الْبَابُ مِنْ أَحْكَامِ الْجِرَاحِ وَغَيْرِهِ، إنَّمَا جَعَلَ الْأَصْلَ فِي الْبَابِ نَحْوَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ» إلَخْ. (قَوْلُهُ: لَا تَبْقَى مُطَالَبَةٌ أُخْرَوِيَّةٌ) أَيْ مِنْ جِهَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>