للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَثْنِيَةُ الضَّمِيرِ، وَإِنْ كَانَ الْعَطْفُ بِأَوْ؛ لِأَنَّهُمَا ضِدَّانِ كَمَا فِي {فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} [النساء: ١٣٥] (وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ دِيَةِ مُسْلِمٍ مُخَفَّفَةٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ) اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْإِصَابَةِ؛ لِأَنَّهَا حَالَةُ اتِّصَالِ الْجِنَايَةِ وَالرَّمْيُ كَالْمُقَدِّمَةِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى الْجِنَايَةِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا قَوَدَ بِذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الْمُكَافَأَةِ أَوَّلَ أَجْزَاءِ الْجِنَايَةِ، وَقِيلَ يَجِبُ فِي الْمُرْتَدِّ دُونَ الْحَرْبِيِّ، وَلَوْ جَرَحَ حَرْبِيٌّ مَعْصُومًا ثُمَّ عُصِمَ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَإِنْ عُصِمَ بَعْدَ الرَّمْيِ وَقَبْلَ الْإِصَابَةِ ضَمِنَهُ بِالْمَالِ لَا الْقَوَدِ

(وَلَوْ) (ارْتَدَّ الْمَجْرُوحُ وَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ) مُرْتَدًّا (فَالنَّفْسُ) بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْجَارِحِ الْمُرْتَدِّ (هَدَرٌ) لَا شَيْءَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ حِينَئِذٍ مُبَاشَرَةً لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ فَالسِّرَايَةُ أَوْلَى (وَيَجِبُ قِصَاصُ الْجُرْحِ) الَّذِي فِيهِ قِصَاصٌ كَالْمُوضِحَةِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِاسْتِقْرَارِهِ فَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِمَا حَدَثَ بَعْدُ، وَالثَّانِي لَا؛ إذْ الطَّرَفُ تَبَعٌ لِلنَّفْسِ حَيْثُ صَارَتْ الْجِنَايَةُ قَتْلًا فَإِذَا لَمْ يَجِبْ قِصَاصُ النَّفْسِ لَمْ يَجِبْ فِي الطَّرَفِ، ثُمَّ هَذَا الْقِصَاصُ (يَسْتَوْفِيهِ قَرِيبُهُ) أَيْ وَارِثُهُ لَوْلَا الرِّدَّةُ وَلَوْ مُعْتَقًا (الْمُسْلِمُ) الْكَامِلُ وَإِلَّا فَبَعْدَ كَمَالِهِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلتَّشَفِّي وَهُوَ لَهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِمَامَ يَسْتَوْفِيهِ عِنْدَ فَقْدِ مَنْ ذُكِرَ (وَقِيلَ) لَا يَسْتَوْفِيهِ إلَّا (الْإِمَامُ) إذْ لَا وَارِثَ لِلْمُرْتَدِّ (فَإِنْ اقْتَضَى الْجُرْحُ مَالًا) لَا قَوَدًا كَجَائِفَةٍ (وَجَبَ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أَرْشِهِ وَدِيَةٍ) لِلنَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ، فَلَوْ كَانَ الْجُرْحُ قَطْعَ يَدٍ وَجَبَ نِصْفُ دِيَةٍ أَوْ يَدَيْهِ فَدِيَةٌ وَيَكُونُ الْوَاجِبُ فَيْئًا لَا شَيْءَ مِنْهُ لِلْوَارِثِ الْمَذْكُورِ (وَقِيلَ) الْوَاجِبُ (أَرْشُهُ) أَيْ الْجُرْحِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَإِنْ زَادَ عَلَى دِيَةِ نَفْسٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْدَرِجُ فِي نَفْسٍ تُضْمَنُ (وَقِيلَ هَدَرٌ) لَا شَيْءَ فِيهِ إذْ الْجُرْحُ مَتَى سَرَى تَبِعَ النَّفْسَ

(وَلَوْ) (ارْتَدَّ) الْمَجْرُوحُ (ثُمَّ أَسْلَمَ فَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ) (فَلَا قِصَاصَ) لِتَخَلُّلِ الْمُهْدَرِ فَصَارَ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْقَوَدِ (وَقِيلَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

لَوْ كَانَ الرَّامِي الْإِمَامَ لِقَتْلِ الرِّدَّةِ فَالْمُتَّجَهُ عَدَمُ الضَّمَانِ، كَذَا حَاوَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ غَايَةَ أَمْرِهِ أَنْ يَكُونَ كَالْحَرْبِيِّ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: {فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} [النساء: ١٣٥] أَيْ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ.

وَأُجِيبَ عَنْ الْآيَةِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْبَابِ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ فِيهَا إنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ يَكُنْ فَقِيرًا فَالضَّمِيرُ فِي بِهِمَا رَاجِعٌ لِمَعْمُولِ الْمُتَعَاطِفَيْنِ لَا لَهُمَا

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَجِبُ) أَيْ الْقِصَاصُ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ جَرَحَ حَرْبِيٌّ) هَذِهِ لَا تَدْخُلُ فِي تَغَيُّرِ حَالِ الْمَجْرُوحِ؛ إذْ الْمُتَغَيِّرُ هُنَا حَالُ الْجَارِحِ لَكِنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِ كُلُّ جُرْحٍ أَوَّلُهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: ثُمَّ عُصِمَ) أَيْ الْحَرْبِيُّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ عُصِمَ) هَذِهِ لَمْ تَشْمَلْهَا الْقَاعِدَةُ السَّابِقَةُ وَكَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ ارْتَدَّ الْمَجْرُوحُ إلَخْ لَمْ تَشْمَلْهُ الْقَاعِدَةُ، وَلَا يُرَدُّ عَلَى الشَّارِحِ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ قَبْلُ: الْمَبْنِيُّ عَلَيْهَا أَكْثَرُ الْمَسَائِلِ إلَخْ.

وَقَاعِدَةُ هَذِهِ أَنْ يُقَالَ: كُلُّ جُرْحٍ أَوَّلُهُ مَضْمُونٌ وَآخِرُهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ فَالنَّفْسُ هَدَرٌ وَيَجِبُ قِصَاصُ الْجُرْحِ، وَفِيمَا قَبْلَهَا كُلُّ فِعْلٍ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ الْجُرْحِ إلَى الزَّهُوقِ مَضْمُونٌ تَجِبُ فِيهِ دِيَةُ مُسْلِمٍ مُخَفَّفَةٌ

(قَوْلُهُ: ضَمِنَهُ) أَيْ بِدِيَةِ مُسْلِمٍ مُخَفَّفَةٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ مُعْتَقًا) نَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَرِيبِ الْوَارِثُ وَلَوْ أَجْنَبِيًّا فَيَشْمَلُ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلتَّشَفِّي) أَيْ وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ الْقِصَاصُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْمَالُ كَالْقَتِيلِ الَّذِي عَلَيْهِ دُيُونٌ، وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.

وَيُرِيدُ بِالتَّعْلِيلِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: كَالْقَتِيلِ إلَخْ، وَوَجْهُ التَّشْبِيهِ أَنَّ وَارِثَ الْمَدْيُونِ يَقْتَصُّ مِنْ قَاتِلِهِ وَإِذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى الدِّيَةِ أَخَذَهَا الدَّائِنُ، وَجْهُ النَّظَرِ أَنَّ الْمَالَ يُقَدَّرُ دُخُولُهُ فِي مِلْكِ الْقَتِيلِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ لِرَبِّ الدَّيْنِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ لَهُ) أَيْ وَعَلَيْهِ فَلَوْ عَفَا وَارِثُهُ عَنْ قِصَاصِ الْجُرْحِ عَلَى مَالٍ صَحَّ وَكَانَ الْمَالُ الْوَاجِبُ فَيْئًا فِيمَا يَظْهَرُ وَتَرَدَّدَ فِيهِ سم عَلَى مَنْهَجٍ، ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الْخَطِيبِ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ مَا قُلْته

(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ) ع: إيضَاحُهُ أَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ إذَا كَانَتْ أَقَلَّ مُسَاوٍ لِنَظِيرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِ، وَأَمَّا إيجَابُ الْأَرْشِ إذَا كَانَ أَقَلَّ فَلِأَنَّهُ وَجَبَ بِالْجِنَايَةِ أَرْشٌ، وَالرِّدَّةُ مَنَعَتْ مِنْ وُجُوبِ شَيْءٍ بَعْدَهَا، وَلَا تُسْقِطُ مَا وَجَبَ قَبْلَهَا

ــ

[حاشية الرشيدي]

فِي الْأَصَحِّ فَهَذَا لَا يُكَافِئُهُ إلَى الزُّهُوقِ (قَوْلُهُ: فَعُلِمَ إلَخْ.) هَذَا لَا حَاجَة إلَيْهِ بَعْد تَصْرِيحِ الْمَتْنِ بِهِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي التُّحْفَةِ

(قَوْلُهُ: فَإِنْ اقْتَضَى الْجُرْحُ مَالًا) أَيْ وَلَوْ بِالْعَفْوِ أَوْ كَانَ خَطَأً مَثَلًا حَتَّى يَتَأَتَّى قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي فَلَوْ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>