للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَبِالْمُحَرَّمِ مَعَ تَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِي جَمِيعِهَا؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُهَا فَالتَّحْرِيمُ فِيهِ أَغْلَظُ، وَقِيلَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْجَنَّةَ فِيهِ عَلَى إبْلِيسَ (وَرَجَبٍ) لِعِظَمِ حُرْمَتِهَا وَلَا يَتَحَقَّقُ بِهَا شَهْرُ رَمَضَانَ، وَإِنْ كَانَ سَيِّدَ الشُّهُورِ؛ لِأَنَّ الْمُتَّبَعَ فِي ذَلِكَ التَّوْقِيفُ، قَالَ تَعَالَى {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: ٣٦] وَالظُّلْمُ فِي غَيْرِهِنَّ مُحَرَّمٌ أَيْضًا.

وَقَالَ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة: ٢١٧] وَلَا يُشْكِلُ ذَلِكَ بِنَسْخِ حُرْمَةِ الْقِتَالِ فِيهَا؛ لِأَنَّ أَثَرَ الْحُرْمَةِ بَاقٍ كَمَا أَنَّ دِينَ الْيَهُودِ نُسِخَ وَبَقِيَتْ حُرْمَتُهُ وَلَا بِالْحَرَمِ الْإِحْرَامُ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ عَارِضَةٌ غَيْرُ دَائِمَةٍ سَوَاءٌ أَكَانَا مُحْرِمَيْنِ أَمْ أَحَدُهُمَا، وَلَا بِحَرَمِ مَكَّةَ حَرَمُ الْمَدِينَةِ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ الْجَزَاءِ بِقَتْلِ صَيْدِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي عَدِّهَا هُوَ الصَّوَابُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ: إنَّ الْأَخْبَارَ تَظَافَرَتْ بَعْدَهَا كَذَلِكَ فَلَوْ نَذَرَ صَوْمَهَا بَدَأَ بِالْقَعْدَةِ (أَوْ) قَتَلَ (مَحْرَمًا ذَا رَحِمٍ) كَأُمٍّ وَأُخْتٍ (فَمُثَلَّثَةٌ) لِعِظَمِ حُرْمَةِ الرَّحِمِ لِمَا وَرَدَ فِيهِ، وَخَرَجَ بِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمُ بِرَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ، وَبِالْمَحْرَمِ ذُو الرَّحِمِ غَيْرُ الْمَحْرَمِ كَبِنْتِ الْعَمِّ وَابْنِ الْعَمِّ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنَّمَا يُغَلَّظُ بِالْخَطَأِ فِي الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فَقَطْ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمَحْرَمِيَّةُ مِنْ الرَّحِمِ لِيَخْرُجَ نَحْوُ ابْنِ عَمٍّ هُوَ أَخٌ مِنْ الرَّضَاعِ وَبِنْتِ عَمٍّ هِيَ أُمُّ زَوْجَتِهِ فَإِنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَا تَغْلِيظَ فِيهِ؛ إذْ الْمَحْرَمِيَّةُ لَيْسَتْ مِنْ الرَّحِمِ كَمَا فُهِمَ ذَلِكَ مِنْ سِيَاقِهِ، وَالتَّغْلِيظُ وَالتَّخْفِيفُ يَأْتِي فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالذِّمِّيِّ وَالْمَجُوسِيِّ، وَالْجِرَاحَاتُ بِحِسَابِهَا وَالْأَطْرَافُ وَالْمَعَانِي بِخِلَافِ نَفْسِ الْقِنِّ (وَالْخَطَأُ وَإِنْ تَثَلَّثَ) لِأَحَدِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ أَيْ دِيَتُهُ (فَعَلَى الْعَاقِلَةِ) أَتَى بِالْفَاءِ رِعَايَةً لِمَا فِي الْمُبْتَدَإِ مِنْ الْعُمُومِ الْمُشَابِهِ لِلشَّرْطِ (مُؤَجَّلَةً) لِمَا يَأْتِي فَغُلِّظَتْ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَخُفِّفَتْ مِنْ وَجْهَيْنِ كَدِيَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ (وَالْعَمْدُ) أَيْ دِيَتُهُ (عَلَى الْجَانِي مُعَجَّلَةً) ؛ لِأَنَّهَا قِيَاسُ بَدَلِ الْمُتْلَفَاتِ (وَشِبْهُ الْعَمْدِ) أَيْ دِيَتُهُ (مُثَلَّثَةً عَلَى الْعَاقِلَةِ مُؤَجَّلَةً) لِمَا يَأْتِي فَهُوَ لِأَخْذِهِ شَبَهًا مِنْ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ مُلْحَقٌ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ وَجْهٍ، وَيَجُوزُ فِي مُعَجَّلَةٍ وَمُؤَجَّلَةٍ الرَّفْعُ خَبَرًا أَوْ النَّصْبُ حَالًا

(وَلَا يُقْبَلُ) فِي إبِلِ الدِّيَةِ (مَعِيبٌ) بِمَا يُثْبِتُ الرَّدَّ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَتْ إبِلُ الْجَانِي مَعِيبَةً (وَ) مِنْهُ (مَرِيضٌ) فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَإِنْ كَانَتْ إبِلُ الْجَانِي كُلُّهَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَطْلَقَهَا فَاقْتَضَتْ السَّلَامَةَ، وَلِتَعَلُّقِهَا بِالذِّمَّةِ وَلِكَوْنِهَا مَحْضَ حَقِّ آدَمِيٍّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُضَايَقَةِ فَارَقَتْ مَا مَرَّ فِي الزَّكَاةِ (إلَّا بِرِضَاهُ) أَيْ الْمُسْتَحِقِّ الْأَهْلِ لِلتَّبَرُّعِ إذْ الْحَقُّ لَهُ

(وَيَثْبُتُ حَمْلُ الْخَلِفَةِ) عِنْدَ إنْكَارِ الْمُسْتَحِقِّ لَهُ (بِأَهْلِ خِبْرَةٍ) أَيْ عَدْلَيْنِ مِنْهُمْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الْجَزْمُ بِهِ فِي قَوْلِهِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُهَا) لَعَلَّهُ أَفْضَلُ مِنْ حَيْثُ الْمَجْمُوعُ فَلَا يُنَافِي أَنَّ عَرَفَةَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ

(قَوْلُهُ: وَبَقِيَتْ حُرْمَتُهُ) أَيْ حَيْثُ أُقِرَّ أَهْلُهُ بِالْجِزْيَةِ لِكَوْنِهِمْ أَهْلَ كِتَابٍ وَحَلَّتْ مُنَاكَحَتُهُمْ وَذَبِيحَتُهُمْ بِالشُّرُوطِ (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى مَنْعِ الْجَزَاءِ) أَيْ عَلَى الرَّاجِحِ ثَمَّ

(قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي عَدِّهَا) أَيْ مِنْ أَنَّهَا مِنْ سَنَتَيْنِ، وَأَنَّ أَوَّلَهَا الْقَعْدَةُ

(قَوْلُهُ: تَظَافَرَتْ) أَيْ تَتَابَعَتْ

(قَوْلُهُ: فَلَوْ نَذَرَ صَوْمَهَا بَدَأَ بِالْقَعْدَةِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ: أَبْتَدِئُ بِأَوَّلِهَا، لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ الزِّيَادِيِّ مَا نَصُّهُ: فَلَوْ نَذَرَ صَوْمَهَا بِأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ أَبْتَدِئُ بِالْأَوَّلِ مِنْهَا بَدَأَ بِالْقَعْدَةِ، أَمَّا لَوْ أَطْلَقَ فَقَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ يَبْدَأُ بِمَا يَلِي نَذْرَهُ هَكَذَا حَرَّرَ فِي الدَّرْسِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى مَا لَوْ وَقَعَ نَذْرُهُ قَبْلَهَا فَيُوَافِقُ مَا قَالَهُ الزِّيَادِيُّ

(قَوْلُهُ: لِمَا وَرَدَ فِيهِ) ع فِي الْحَدِيثِ «أَنَا الرَّحْمَنُ وَهَذِهِ الرَّحِمُ شَقَقْت لَهَا اسْمًا مِنْ اسْمِي، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْته وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعْته» اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ

(قَوْلُهُ: وَالذِّمِّيِّ) أَيْ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ لِمَا مَرَّ

(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ نَفْسِ الْقِنِّ) لَيْسَ بِقَيْدٍ فَمِثْلُ نَفْسِهِ غَيْرُهَا

(قَوْلُهُ: أَيْ عَدْلَيْنِ مِنْهُمْ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَبَقِيَتْ حُرْمَتُهُ) ، فَأَقَرَّ أَهْلُهُ بِالْجِزْيَةِ وَحَلَّتْ مُنَاكَحَتُهُمْ وَذَبِيحَتُهُمْ (قَوْلُهُ: وَلَا بِالْحَرَمِ الْإِحْرَامُ) أَيْ لَا يَلْحَقُ (قَوْلُهُ: بَدَأَ بِالْأَوَّلِ) أَيْ فِيمَا إذَا نَذَر الْبُدَاءَةَ بِالْأَوَّلِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الزِّيَادِيِّ بَحْثًا (قَوْلُهُ: كَأُمٍّ وَأُخْتٍ) كَانَ يَنْبَغِي كَأَبٍ وَأَخٍ، إذْ الْكَلَامُ هُنَا فِي دِيَةِ الْكَامِلِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ كَالْمَرْأَةِ فَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَالْجِرَاحَاتُ بِحِسَابِهَا) أَيْ الَّتِي لَهَا مُقَدَّرٌ كَمَا عُلِمَ مِمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>