للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا فِي الْبَصَرِ وَالسَّمْعِ (فَإِنْ زَالَ بِجُرْحٍ لَهُ أَرْشٌ) مُقَدَّرٌ كَالْمُوضِحَةِ (أَوْ حُكُومَةٌ وَجَبَا) أَيْ كُلٌّ مِنْ الْأَرْشِ وَالْحُكُومَةِ مَعَ دِيَةِ الْعَقْلِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ أَبْطَلَتْ مَنْفَعَةً لَيْسَتْ فِي مَحَلِّ الْجِنَايَةِ فَكَانَتْ كَمَا لَوْ أَوْضَحَهُ فَذَهَبَ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ، فَلَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَزَالَ عَقْلُهُ وَجَبَ ثَلَاثُ دِيَاتٍ، أَوْ أَوْضَحَهُ فِي صَدْرِهِ فَزَالَ عَقْلُهُ فَدِيَةٌ وَحُكُومَةٌ (وَفِي قَوْلٍ يَدْخُلُ الْأَوَّلُ فِي الْأَكْثَرِ) كَأَرْشِ الْمُوضِحَةِ وَكَذَا إنْ تَسَاوَيَا كَأَرْشِ الْيَدَيْنِ كَمَا لَا يُجْمَعُ بَيْنَ وَاجِبِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْحَدَقَةِ وَوَاجِبِ الضَّوْءِ، وَيُجَابُ بِاتِّحَادِ الْمَحَلِّ هُنَا يَقِينًا بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ (وَلَوْ اُدُّعِيَ) بِبِنَائِهِ لِلْمَفْعُولِ إذْ لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى مِنْ مَجْنُونٍ، وَإِنَّمَا تُسْمَعُ مِنْ وَلِيِّهِ أَوْ لِلْفَاعِلِ وَحُذِفَ لِلْعِلْمِ بِهِ إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمَجْنُونَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ ذَلِكَ بَلْ مِنْ وَلِيِّهِ فَسَقَطَ الْقَوْلُ بِتَعَيُّنِ الْأَوَّلِ (زَوَالُهُ) وَكَذَّبَهُ الْحِسُّ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ كَأَنْ كَانَتْ تِلْكَ الْجِنَايَةُ لَا تُزِيلُهُ عَادَةً فَيُحْمَلُ عَلَى مُوَافَقَةِ قَدَرٍ كَمَوْتِهِ بِقَلَمٍ خَفِيفٍ، وَإِلَّا سُمِعَتْ، فَإِنْ أَنْكَرَ الْجَانِي زَوَالَهُ اُخْتُبِرَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فِي غَفَلَاتِهِ إلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ أَوْ كَذِبُهُ (فَإِنْ لَمْ يَنْتَظِمْ) بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِعِلْمِ الْحَاكِمِ

(قَوْلُهُ: وَفِعْلُهُ فِي خَلَوَاتِهِ فَلَهُ دِيَةٌ) لِقِيَامِ الْقَرِينَةِ الظَّاهِرَةِ عَلَى صِدْقِهِ (بِلَا يَمِينٍ) ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ جُنُونَهُ، وَالْمَجْنُونُ لَا يَحْلِفُ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي جُنُونٍ مُتَقَطِّعٍ حَلَفَ زَمَنَ إفَاقَتِهِ، وَإِنْ انْتَظَمَا فَلَا دِيَةَ لِظَنِّ كَذِبِهِ، وَحَلَفَ الْجَانِي لِاحْتِمَالِ أَنَّهُمَا صَدَرَا اتِّفَاقًا أَوْ عَادَةً وَخَرَجَ بِزَوَالِهِ نَقْصُهُ فَيَحْلِفُ مُدَّعِيهِ؛ إذْ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ، وَلَوْ أُخِذَتْ دِيَةُ الْعَقْلِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَعَانِي ثُمَّ عَادَ اُسْتُرِدَّتْ

(وَفِي) إبْطَالِ (السَّمْعِ) (دِيَةٌ) إجْمَاعًا وَلِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْحَوَاسِّ حَتَّى مِنْ الْبَصَرِ كَمَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ؛ إذْ هُوَ الْمُدْرِكُ لِلشَّرْعِ الَّذِي بِهِ التَّكْلِيفُ وَلِأَنَّهُ يُدْرَكُ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْجِهَاتِ وَفِي كُلِّ الْأَحْوَالِ وَالْبَصَرُ يَتَوَقَّفُ عَلَى جِهَةِ الْمُقَابَلَةِ وَتَوَسُّطِ شُعَاعٍ أَوْ ضِيَاءٍ، وَمَا زَعَمَهُ الْمُتَكَلِّمُونَ مِنْ أَشْرَفِيَّتِهِ عَلَى السَّمْعِ لِقِصَرِ إدْرَاكِهِ عَلَى الْأَصْوَاتِ، وَذَاكَ يُدْرِكُ الْأَجْسَامَ وَالْأَلْوَانَ وَالْهَيْئَاتِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ كَثْرَةَ هَذِهِ الْمُتَعَلِّقَاتِ فَوَائِدُهَا دُنْيَوِيَّةٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا، أَلَا تَرَى مَنْ جَالَسَ أَصَمَّ فَكَأَنَّمَا صَاحَبَ حَجَرًا مُلْقًى وَإِنْ تَمَتَّعَ فِي نَفْسِهِ بِمُتَعَلِّقَاتِ بَصَرِهِ، وَأَمَّا الْأَعْمَى فَفِي غَايَةِ الْكَمَالِ الْفَهْمِيِّ وَالْعِلْمِ الذَّوْقِيِّ وَإِنْ نَقَصَ تَمَتُّعُهُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَيَسْتَوْحِشُ إذَا خَلَا فَالْحُكُومَةُ اهـ رَوْضٌ وَشَرْحُهُ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ

(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا تُسْمَعُ مِنْ وَلِيِّهِ) هَذَا مَعَ قَوْلِهِ الْآتِي: لِأَنَّهَا تُثْبِتُ جُنُونَهُ إلَخْ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الدَّعْوَى تَتَعَلَّقُ بِالْوَلِيِّ وَالْيَمِينَ بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَتَارَةً تَنْتَفِي عَنْهُ بِأَنْ دَامَ جُنُونُهُ وَتَارَةً تَثْبُتُ فِي حَقِّهِ بِأَنْ تُقْطَعَ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.

وَقَوْلُ سم: وَالْيَمِينُ بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْجُنُونِ الْمُتَقَطِّعِ وَالْمُطْبِقِ فِي أَنَّ الدَّعْوَى إنَّمَا تَكُونُ مِنْ الْوَلِيِّ، وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ لَوْ ادَّعَى زَمَنَ إفَاقَتِهِ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ ثُمَّ رَأَيْته عَلَى حَجّ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي قَوْلَةٍ أُخْرَى، فَالْمُرَادُ بِدَعْوَى الْوَلِيِّ فِي الْجُنُونِ الْمُتَقَطِّعِ أَنَّهُ إنْ اُتُّفِقَ لَهُ ذَلِكَ زَمَنَ الْجُنُونِ الْمُتَقَطِّعِ سُمِعَتْ وَلَا يُكَلَّفُ التَّأْخِيرَ إلَى زَمَنِ الْإِفَاقَةِ لِيَدَّعِيَ الْمَجْنُونُ بِنَفْسِهِ

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا سُمِعَتْ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يُكَذِّبْهُ الْحِسُّ

(قَوْلُهُ: حَلَفَ زَمَنَ إفَاقَتِهِ) أَيْ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ عَادَ اُسْتُرِدَّتْ) عَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ ذَهَابَهَا كَانَ مَظْنُونًا: أَيْ فَبِعَوْدِهَا بَانَ خِلَافُ الظَّنِّ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ بِذَهَابِهَا مَعْصُومٌ لَمْ تُسْتَرَدَّ؛ لِأَنَّ عَوْدَهَا حِينَئِذٍ نِعْمَةٌ جَدِيدَةٌ فَلْيُرَاجَعْ

(قَوْلُهُ: لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا) هَذَا مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى إدْرَاكِهَا التَّفَكُّرُ فِي مَصْنُوعَاتِ اللَّهِ الْبَدِيعَةِ الْعَجِيبَةِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

فَفَسَادُهُ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ فَسَادِ الْقَلْبِ، فَالْعَقْلُ إنَّمَا زَادَ فِي الْحَقِيقَةِ بِفَسَادِ الْقَلْبِ (قَوْلُهُ: أَيْ كُلٌّ مِنْ الْأَرْشِ وَالْحُكُومَةِ) أَيْ أَحَدُهُمَا، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْوَاوِ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَجَبَا (قَوْلُهُ: وَكَذَا إنْ تَسَاوَيَا) وَحِينَئِذٍ فَهَذَا الْقِيلُ قَائِلٌ بِالدُّخُولِ مُطْلَقًا كَمَا لَا يَخْفَى

(قَوْلُهُ: فَوَائِدُهَا دُنْيَوِيَّةٌ) كَذَا فِي التُّحْفَةِ، قَالَ سم: هَذَا مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى إدْرَاكِهَا التَّفَكُّرُ فِي مَصْنُوعَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الْبَدِيعَةِ وَقَدْ يَكُونُ نَفْسُهُ طَاعَةً كَمُشَاهَدَةِ نَحْوِ الْكَعْبَةِ وَالْمُصْحَفِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَمْثِلَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَا يَتَوَجَّهُ مَنْعًا عَلَى الشَّارِحِ كَابْنِ حَجَرٍ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا ادَّعَيَا أَنَّ أَكْثَرَ مُتَعَلَّقَاتِ الْبَصَرِ دُنْيَوِيَّةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>