شَهْوَةٍ لِآيَةِ {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: ٢٢٢] وَهُوَ الْحَيْضُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ عَمَّا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ فَقَالَ: مَا فَوْقَ الْإِزَارِ» وَخَصَّ بِمَفْهُومِهِ عُمُومَ خَبَرِ مُسْلِمٍ «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ» وَلِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ بِمَا تَحْتَ الْإِزَارِ يَدْعُو إلَى الْجِمَاعِ فَحُرِّمَ، لِأَنَّ مَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمُضَاجَعَةُ وَالْقُبْلَةُ وَنَحْوُهُمَا جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ رَدِّ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ إلَيْهِ، وَيُعَضِّدُهُ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ حُرْمَةُ وَطْئِهَا فِي فَرْجِهَا وَلَوْ بِحَائِلٍ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَجَوَازُ النَّظَرِ وَلَوْ بِشَهْوَةٍ لَهَا إذْ لَيْسَ هُوَ أَعْظَمَ مِنْ تَقْبِيلِهَا فِي وَجْهِهَا بِشَهْوَةٍ، وَإِنْ كَانَ تَعْبِيرُ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالْمُحَرَّرِ وَتَبِعَهُ فِي الرَّوْضَةِ بِالِاسْتِمْتَاعِ يَقْتَضِي تَحْرِيمَهُ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنْ بَيَّنَ التَّعْبِيرَ بِالِاسْتِمْتَاعِ وَالْمُبَاشَرَةِ عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ: أَيْ لِكَوْنِ الْمُبَاشَرَةِ لَا تَكُونُ إلَّا بِاللَّمْسِ سَوَاءٌ أَكَانَ بِشَهْوَةٍ أَمْ لَا، وَالِاسْتِمْتَاعُ يَكُونُ بِاللَّمْسِ وَالنَّظَرِ، وَلَا يَكُونُ إلَّا بِشَهْوَةٍ.
أَمَّا الِاسْتِمْتَاعُ بِمَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَلَوْ بِوَطْءٍ فَجَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ حَائِلٌ، وَكَذَا بِمَا بَيْنَهُمَا بِحَائِلٍ بِغَيْرِ وَطْءٍ فِي الْفَرْجِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِيمَنْ لَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إنْ بَاشَرَهَا وَطِئَ لِمَا عَرَفَهُ مِنْ عَادَتِهِ مِنْ قُوَّةِ شَبَقِهِ وَقِلَّةِ تَقْوَاهُ، وَهُوَ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ مِمَّنْ حَرَّكَتْ الْقُبْلَةُ شَهْوَتَهُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَأَمَّا نَفْسُ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فَهَلْ هُمَا كَمَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ.
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّنْقِيحِ: لَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا كَلَامًا فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِالسُّرَّةِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
كَمَا فِي الْحَيَاةِ، بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَحْرُمُ بَعْدَ الْمَوْتِ مَسُّ مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ حَائِضًا بِخِلَافِهِ فِي الْحَيَاةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجَنَائِزِ، فَحَالُ الْمَوْتِ أَضْيَقُ فَكَانَتْ الْحُرْمَةُ فِيهِ فِيمَا ذُكِرَ أَوْلَى اهـ سم عَلَى حَجّ.
أَقُولُ: وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ حُرْمَةُ مَسِّ الشَّعْرِ النَّابِتِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَإِنْ طَالَ، وَهُوَ قَرِيبٌ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُنِيطُوا الْحُكْمَ هُنَا بِالشَّهْوَةِ وَعَدَمِهَا فَلْيُرَاجَعْ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا حُرْمَةُ مَسِّ ذَلِكَ بِظُفْرِهِ أَوْ سِنِّهِ أَوْ شَعْرِهِ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ أَيْضًا لِأَنَّ مَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، لَكِنَّ فِي بَعْضِ الْهَوَامِشِ نَقْلًا عَنْ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ الشَّوْبَرِيِّ أَنَّهُ لَوْ مَسَّ بِسِنِّهِ أَوْ شَعْرِهِ أَوْ ظُفْرِهِ لَمْ يَحْرُمْ وَفِيهِ وَقْفَةٌ.
[فَرْعٌ] لَوْ خَافَ الزِّنَا إنْ لَمْ يَطَأْ الْحَائِضَ: أَيْ بِأَنْ تَعَيَّنَ وَطْؤُهَا لِدَفْعِهِ جَازَ لِأَنَّهُ يَرْتَكِبُ أَخَفَّ الْمَفْسَدَتَيْنِ لِدَفْعِ أَشَدِّهِمَا، بَلْ يَنْبَغِي وُجُوبُهُ، وَقِيَاسُ ذَلِكَ حِلُّ اسْتِمْنَاءٍ بِيَدِهِ تَعَيَّنَ لِدَفْعِ الزِّنَا اهـ سم أَيْضًا عَلَى حَجّ.
وَقَوْلُهُ: لِدَفْعِ أَشَدِّهِمَا يَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ مَا لَوْ تَعَارَضَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا وَالِاسْتِمْنَاءُ بِيَدِهِ فَيُقَدِّمُ الْوَطْءَ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا يُبَاحُ لَهُ فِعْلُهُ بَلْ هُوَ بِخُصُوصِهِ مُبَاحٌ لَوْلَا الْحَيْضُ، وَلَا كَذَلِكَ اسْتِمْنَاؤُهُ بِيَدِهِ.
وَقَوْلُهُ: بَلْ يَنْبَغِي وُجُوبُهُ: أَيْ وَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ تَصَدُّقٌ حِينَئِذٍ لِعَدَمِ حُرْمَتِهِ.
وَقَوْلُهُ: وَقِيَاسُ ذَلِكَ حِلُّ اسْتِمْنَاءٍ بِيَدِهِ إلَخْ أَوْ يَدِ زَوْجَتِهِ مُقَدِّمًا عَلَى وَطْئِهَا حَائِضًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إنْ تَعَيَّنَ لِدَفْعِ الزِّنَا.
أَمَّا بِدُونِ تَعَيُّنِ دَفْعِ الزِّنَا فَجَائِزٌ مُطْلَقًا.
وَبَقِيَ مَا لَوْ دَارَ الْحَالُ بَيْنَ وَطْءِ زَوْجَتِهِ فِي دُبُرِهَا بِأَنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا كَأَنْ انْسَدَّ قُبُلُهَا وَبَيْنَ الزِّنَا هَلْ يُقَدِّمُ الْأَوَّلَ أَوْ الثَّانِيَ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا فِي الْجُمْلَةِ وَلِأَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ بِذَلِكَ.
وَبَقِيَ أَيْضًا مَا لَوْ تَعَارَضَ وَطْؤُهَا فِي الدُّبُرِ وَالِاسْتِمْنَاءُ بِيَدِ نَفْسِهِ فِي دَفْعِ الزِّنَا، فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ تَقْدِيمُ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ أَيْضًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ مَحَلُّ تَمَتُّعِهِ فِي الْجُمْلَةِ.
وَيَنْبَغِي كُفْرُ مَنْ اعْتَقَدَ حِلَّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَمَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ (قَوْلُهُ: الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) هُوَ قَوْلُهُ «مَا فَوْقَ الْإِزَارِ» ، وَقَوْلُهُ: إلَيْهِ: أَيْ إلَى قَوْلِهِ " اصْنَعُوا " فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ، وَقَوْلُهُ وَيُعَضِّدُهُ: أَيْ قَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِهِ إلَخْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
أَيْ أَنْ يُبَاشِرَهَا فِيمَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا وَلِفَاعِلِهِ: أَيْ أَنْ تُبَاشِرَهُ لَكِنْ عَلَى الثَّانِي تَكُونُ فِي بِمَعْنَى الْبَاءِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِوَطْءٍ) الْمُرَادُ بِهِ الْمُبَاشَرَةُ بِالذَّكَرِ.