لِلْمُسْلِمِينَ كَرِسَالَةٍ وَحَمْلِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ) كَثِيرًا مِنْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ وَكَإِرَادَةِ عَقْدِ جِزْيَةٍ أَوْ هُدْنَةٍ لِمَصْلَحَةٍ، وَهُنَا لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ فِي مُقَابَلَةِ دُخُولِهِ.
أَمَّا مَعَ عَدَمِ الْمَصْلَحَةِ فَيَمْتَنِعُ الْإِذْنُ كَمَا لَا يَخْفَى (فَإِنْ كَانَ) دُخُولُهُ وَلَوْ امْرَأَةً (لِتِجَارَةٍ لَيْسَ فِيهَا كَبِيرُ حَاجَةٍ) كَعِطْرٍ (لَمْ يَأْذَنْ) أَيْ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْإِذْنُ فِي دُخُولِهِ (إلَّا) إنْ كَانَ ذِمِّيًّا كَمَا نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ (بِشَرْطِ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ مَتَاعِهَا: أَيْ أَوْ مِنْ ثَمَنِهِ فَيُمْهِلُهُمْ لِلْبَيْعِ نَظِيرَ قَوْلِهِمْ فِي دَاخِلِ دَارِنَا لِتِجَارَةٍ لَمْ يُضْطَرَّ إلَيْهَا، وَشُرِطَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا جَازَ، فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ عُشْرَ الثَّمَنِ أُمْهِلُوا إلَى الْبَيْعِ اهـ.
وَظَاهِرٌ أَنَّهُمْ لَا يُكَلِّفُونَهُ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَحِينَئِذٍ فَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ بَدَلُهُ إنْ رَضُوا، وَإِلَّا فَبَعْضُ أَمْتِعَتِهِمْ عِوَضًا عَنْهُ، وَيُجْتَهَدُ فِي قَدْرِهِ، وَلَا يُؤْخَذُ فِي السَّنَةِ سِوَى مَرَّةً كَالْجِزْيَةِ (وَلَا يُقِيمُ) بِالْحِجَازِ حَيْثُ دَخَلَهُ وَلَوْ بِتِجَارَتِهِ وَلَوْ الْمُضْطَرَّ إلَيْهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ بَعْدَ الْإِذْنِ فِي دُخُولِهِ (إلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ) غَيْرَ يَوْمَيْ دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ اقْتِدَاءً بِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنْ أَقَامَ بِمَحَلٍّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ بِآخَرَ مِثْلِهَا وَهَكَذَا لَمْ يُمْنَعْ إنْ كَانَ بَيْنَ كُلِّ مَحَلَّيْنِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ
(وَيُمْنَعُ) كُلُّ كَافِرٍ (دُخُولَ حَرَمِ مَكَّةَ) وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: ٢٨] أَيْ الْحَرَمَ بِالْإِجْمَاعِ (فَإِنْ كَانَ رَسُولًا) لِمَنْ بِالْحُرُمِ مِنْ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ (خَرَجَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ لِيَسْمَعَهُ) وَيُخْبِرَ الْإِمَامَ، فَإِنْ قَالَ لَا أُؤَدِّيهَا إلَّا مُشَافَهَةً تَعَيَّنَ خُرُوجُ الْإِمَامِ إلَيْهِ لِذَلِكَ، أَوْ مُنَاظِرٌ خَرَجَ إلَيْهِ مَنْ يُنَاظِرُهُ، وَحِكْمَةُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا أَخْرَجُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكُفْرِهِمْ عُوقِبَ جَمِيعُ الْكُفَّارِ بِمَنْعِهِمْ مِنْهُ مُطْلَقًا وَإِنْ دَعَتْ لِذَلِكَ ضَرُورَةٌ كَمَا فِي الْأُمِّ، وَبِهِ يَرِدُ قَوْلُ ابْنِ كَجٍّ: يَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ كَطَبِيبٍ اُحْتِيجَ إلَيْهِ، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ لَهُ عَلَى مَا إذَا مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ، وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُ الْمَرِيضِ لَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ (فَإِنْ) (مَرِضَ فِيهِ) أَيْ الْحَرَمِ (نُقِلَ وَإِنْ خِيفَ مَوْتُهُ) بِالنَّقْلِ لِظُلْمِهِ بِدُخُولِهِ وَلَوْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ (فَإِنْ) (مَاتَ) وَهُوَ ذِمِّيٌّ (لَمْ يُدْفَنْ فِيهِ) تَطْهِيرًا لِلْحَرَمِ عَنْهُ (فَإِنْ دُفِنَ نُبِشَ وَأُخْرِجَ) ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ جِيفَتِهِ فِيهِ أَشَدُّ مِنْ دُخُولِهِ حَيًّا، نَعَمْ لَوْ تَقَطَّعَ تُرِكَ وَلَا يَلْحَقُ حَرَمُ الْمَدِينَةِ بِحَرَمِ مَكَّةَ فِي ذَلِكَ وُجُوبًا بَلْ نَدْبًا لِأَفْضَلِيَّتِهِ وَتَمَيُّزِهِ بِمَا لَمْ يُشَارَكْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ فَيَمْتَنِعُ الْإِذْنُ) أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ أَذِنَ لَهُ وَدَخَلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَيْضًا لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ مَالًا (قَوْلُهُ: لَا يُكَلِّفُونَهُ) أَيْ الْبَيْعَ (قَوْلُهُ: وَلَا يُؤْخَذُ فِي السَّنَةِ سِوَى مَرَّةٍ) ظَاهِرَةٌ وَإِنْ تَكَرَّرَ الدُّخُولُ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ تَعَدَّدَ الْأَصْنَافُ الَّتِي يَدْخُلُونَ بِهَا، وَكَانَتْ مُخْتَلِفَةً بِاخْتِلَافِ عَدَدِ مَرَّاتِ الدُّخُولِ فَهَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى دُونَ مَا عَدَاهَا أَوْ مِنْ الصِّنْفِ الَّذِي يَخْتَارُهُ الْإِمَامُ، أَوْ كَيْفَ الْحَالُ فَلْيُرَاجَعْ، وَلَوْ قِيلَ يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ جَاءُوا بِهِ، وَإِنْ تَكَرَّرَ دُخُولُهُمْ بِهِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ بَيْعِهِمْ عَلَيْنَا وَدُخُولِهِمْ بِهِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ مَرَّةٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ الْمُضْطَرَّ) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الْمُضْطَرَّ أَوْ هِيَ الْمُضْطَرَّ إلَخْ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ) أَيْ أَمَّا لَوْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ إلَى دُخُولِهِ كَمَا لَوْ انْهَدَمَتْ الْكَعْبَةُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ بِنَاؤُهَا إلَّا كَافِرٌ فَيَنْبَغِي جَوَازُهُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ دَعَتْ لِذَلِكَ ضَرُورَةٌ إلَخْ لِإِمْكَانِ حَمْلِ مَا يَأْتِي عَلَى حَاجَةٍ شَدِيدَةٍ يُمْكِنُ قِيَامُ غَيْرِ الْكَافِرِ بِهَا أَوْ لَا يَحْصُلُ مِنْ عَدَمِ فِعْلِهَا خَلَلٌ قَوِيٌّ كَهَذِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ لَا أُؤَدِّيهَا) أَيْ الرِّسَالَةَ
[حاشية الرشيدي]
الْبَحْرِ فَضْلًا عَنْ الْإِقَامَةِ فَهُوَ قَيْدٌ لِلْمَفْهُومِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ
(قَوْلُهُ: وَيُخْبَرُ الْإِمَامُ) فِيهِ إخْرَاجُ الْمَتْنِ عَنْ ظَاهِرِهِ إذْ الضَّمِيرُ فِيهِ لِلْخَارِجِ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، وَهَذَا يُعَيِّنُ كَوْنَهُ لِلنَّائِبِ، ثُمَّ إنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ بِنَائِبِهِ نَائِبُهُ فِي خُصُوصِ الْخُرُوجِ وَالسَّمَاعِ وَهَلَّا كَانَ الْمُرَادُ نَائِبَهُ الْعَامَّ، وَالْمَعْنَى خَرَجَ الْإِمَامُ إنْ حَضَرَ وَإِلَّا فَنَائِبُهُ (قَوْلُهُ: وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ إلَخْ) لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي تَضَمَّنَهُ هَذَا الْحَمْلُ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ حَمْلُ كَلَامِ ابْنِ كَجٍّ عَلَيْهِ وَإِنْ أَوْهَمَتْهُ الْعِبَارَةُ (قَوْلُهُ: لِأَفْضَلِيَّتِهِ) عِلَّةٌ لِانْتِفَاءِ الْإِلْحَاقِ فَالضَّمِيرُ فِيهِ لِحَرَمِ مَكَّةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute