للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِنَاءٍ) لَهُمْ وَإِنْ خَافُوا نَحْوَ سُرَّاقٍ يَقْصِدُونَهُمْ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ (عَلَى بِنَاءِ جَارٍ مُسْلِمٍ) وَإِنْ كَانَ قَصِيرًا وَقَدَرَ عَلَى رَفْعِهِ بِلَا مَشَقَّةٍ، نَعَمْ يُتَّجَهُ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا اُعْتِيدَ مِثْلُهُ لِلسُّكْنَى، وَإِلَّا لَمْ يُكَلَّفْ الذِّمِّيُّ النَّقْصَ عَنْ أَقَلِّ الْمُعْتَادِ وَإِنْ عَجَزَ الْمُسْلِمُ عَنْ تَتْمِيمِ بِنَائِهِ وَذَلِكَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَتَعْظِيمًا لِدِينِهِ فَلَا يُبَاحُ بِرِضَا الْجَارِ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ تَعَالَى، أَمَّا جَارٌ ذِمِّيٌّ فَلَا مَنْعَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمَا فِيمَا يَظْهَرُ، وَخَرَجَ بِرَفْعٍ شِرَاؤُهُ لِدَارٍ عَالِيَةٍ لَمْ تَسْتَحِقَّ الْهَدْمَ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ. نَعَمْ لَيْسَ لَهُ الْإِشْرَافُ مِنْهَا كَمَا تُمْنَعُ صِبْيَانُهُمْ مِنْ طُلُوعِ سَطْحِهَا إلَّا بَعْدَ تَحْجِيرِهِ، وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ كَوْنُهُ زِيَادَةَ تَعْلِيَةٍ إنْ كَانَ بِنَحْوِ بِنَاءٍ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِمَصْلَحَتِنَا لَمْ يُنْظَرْ فِيهِ لِذَلِكَ وَلَهُ اسْتِئْجَارُهَا أَيْضًا وَسُكْنَاهُمْ، وَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ قَبْلَهُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَيَبْقَى رَوْشَنُهَا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَإِنْ كَانَ حَقَّ الْإِسْلَامِ وَقَدْ زَالَ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ، وَلَا نُسَلِّمُ دَعْوَى أَنَّ التَّعْلِيَةَ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ خَاصَّةً بَلْ مِنْ حُقُوقِ الْإِسْلَامِ أَيْضًا كَمَا مَرَّ فِي رِضَا الْجَارِ بِهَا عَلَى أَنَّهَا أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنْ الرَّوْشَنِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لَوْ أَذِنَ فِي إخْرَاجِ رَوْشَنٍ فِي هَوَاءِ مِلْكِهِ جَازَ وَلَا كَذَلِكَ التَّعْلِيَةُ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْجَارَ هُنَا أَهْلُ مَحَلَّتِهِ كَمَا قَالَ الْجُرْجَانِيُّ وَاسْتَظْهَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُلْحَقُ بِمَا مَرَّ فِي الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَعْلُو عَلَى أَهْلِ مَحَلَّتِهِ وَيَعْلُو عَلَى مُلَاصِقِهِ مِنْ مَحَلَّةٍ أُخْرَى، نَعَمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ مُلَاصِقِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ مَحَلَّتِهِ (وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ مِنْ الْمُسَاوَاةِ) أَيْضًا تَمْيِيزًا بَيْنَهُمَا (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا بِمَحَلَّةٍ مُنْفَصِلَةٍ) عَنْ الْمُسْلِمِينَ كَطَرَفٍ مُنْقَطِعٍ عَنْ الْعِمَارَةِ بِأَنْ كَانَ دَاخِلَ السُّوَرِ مَثَلًا وَلَيْسَ بِجِوَارِهِمْ مُسْلِمٌ يُشْرِفُونَ عَلَيْهِ لِبُعْدِ مَا بَيْنَ الْبِنَاءَيْنِ (لَمْ يُمْنَعُوا مِنْ رَفْعِ الْبِنَاءِ) لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ هُنَا بِوَجْهٍ. وَالثَّانِي يُمْنَعُونَ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّجَمُّلِ وَالشَّرَفِ، وَلَوْ لَاصَقَتْ أَبْنِيَتُهُمْ دُورَ الْبَلَدِ مِنْ جَانِبٍ جَازَ الرَّفْعُ مِنْ بَقِيَّةِ الْجَوَانِبِ أَيْ حَيْثُ لَا إشْرَافَ مِنْهُ، وَأَفْتَى الْعِرَاقِيُّ بِمَنْعِ بُرُوزِهِمْ فِي نَحْوِ الْخُلْجَانِ عَلَى بِنَاءِ جَارٍ مُسْلِمٍ لِإِضْرَارِهِمْ لَهُ بِالِاطِّلَاعِ عَلَى عَوْرَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

بِالشَّرْطِ الْأَوَّلِ

(قَوْلُهُ: وَقَدَرَ عَلَى رَفْعِهِ) أَيْ الْمُسْلِمُ (قَوْلُهُ: وَذَاكَ لِحَقِّ اللَّهِ) تَوْجِيهٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْكَافِرِ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً (قَوْلُهُ: إلَّا بَعْدَ تَحْجِيرِهِ) أَيْ بِنَاءُ مَا يَمْنَعُ مِنْ الرُّؤْيَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ كَوْنُهُ) أَيْ التَّحْجِيرِ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ فِي رِضَا الْجَارِ بِهَا) أَيْ مِنْ أَنَّ رِضَاهُ لَا يُجَوِّزُ تَمْكِينَ الْكَافِرِ مِنْ رَفْعِ بِنَائِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ لَوْ أَذِنَ) لِلذِّمِّيِّ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْجَارَ هُنَا أَهْلُ مَحَلَّتِهِ) أَيْ فَمَا زَادَ عَلَى أَهْلِ مَحَلَّتِهِ لَا يَمْنَعُ مِنْ مُسَاوَاةِ بِنَائِهِ لَهُ أَوْ رَفْعِهِ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَصِلْ لِلْأَرْبَعِينَ دَارًا (قَوْلُهُ: لَوْ كَانُوا بِمَحَلَّةٍ) عِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ: وَالْمَحَلُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَالْكَسْرُ لُغَةٌ حَكَاهَا ابْنُ الْقَطَّاعِ مَوْضِعُ الْحُلُولِ، وَالْمَحِلُّ بِالْكَسْرِ الْأَجَلُ، وَالْمَحَلَّةُ بِالْفَتْحِ الْمَكَانُ يَنْزِلُهُ الْقَوْمُ (قَوْلُهُ: عَلَى بِنَاءِ جَارٍ مُسْلِمٍ) ظَاهِرُ التَّقْيِيدِ بِهِ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ الْبُرُوزِ عَلَى الْخُلْجَانِ بِغَيْرِ هَذَا الْقَيْدِ، وَحَيْثُ قَيَّدَ بِالْجَارِ فَانْظُرْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَيَبْقَى رَوْشَنُهَا) أَيْ فِي صُورَةِ الشِّرَاءِ (قَوْلُهُ: وَلَا نُسَلِّمُ دَعْوَى أَنَّ التَّعْلِيَةَ إلَخْ) يُشِيرُ بِهَذَا إلَى رَدِّ قَوْلِ الزَّرْكَشِيّ فِي تَرَدُّدِهِ فِي بَقَاءِ الرَّوْشَنِ: إنَّ التَّعْلِيَةَ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ وَالرَّوْشَنُ لِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَقَدْ زَالَ (قَوْلُهُ: أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لَوْ أَذِنَ فِي إخْرَاجِ رَوْشَنٍ فِي هَوَاءِ مِلْكِهِ) أَيْ أَذِنَ لِلذِّمِّيِّ فِي إخْرَاجِ الرَّوْشَنِ فِي هَوَاءِ مِلْكِ الْمُسْلِمِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْكَلَامِ وَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ اسْتَشْكَلَهُ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ إنَّمَا مُنِعَ مِنْ الْإِشْرَاعِ فِي الطُّرُقِ السَّابِلَةِ لِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِالْإِحْيَاءِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ وَلَا كَذَلِكَ الْإِشْرَاعُ فِي مِلْكِ الْمُسْلِمِ بِإِذْنِهِ لِأَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا كَانَ لِخُصُوصِ حَقِّ الْمِلْكِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ نَعَمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ) يَعْنِي مَا اسْتَوْجَهَهُ. فَالْحَاصِلُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ لَا يَعْلُو عَلَى أَهْلِ مَحَلَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يُلَاصِقُوهُ، وَلَا عَلَى مُلَاصِقِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ مَحَلَّتِهِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ دَاخِلَ السُّوَرِ) مُرَادُهُ بِذَلِكَ تَصْوِيرُ الِانْفِصَالِ مَعَ عِدَّةٍ مِنْ الْبَلَدِ (قَوْلُهُ وَأَفْتَى الْعِرَاقِيُّ بِمَنْعِ بُرُوزِهِمْ فِي نَحْوِ الْخُلْجَانِ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: فِي نَحْوِ النِّيلِ ثُمَّ ذَكَرَ عَقِبَ إفْتَاءِ الْعِرَاقِيِّ مَا نَصُّهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>