للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ أَكَلَ مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ) قَبْلَ قَتْلِهِ أَوْ عَقِبَهُ (لَمْ يَحِلَّ ذَلِكَ الصَّيْدُ فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ عَدَمَ الْأَكْلِ شَرْطٌ فِي التَّعَلُّمِ ابْتِدَاءً فَكَذَلِكَ دَوَامًا وَالثَّانِي يَحِلُّ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ عَلَى التَّأْدِيبِ وَالْأَكْلُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِشِدَّةِ جُوعٍ أَوْ غَيْظٍ عَلَى الصَّيْدِ وَلَوْ أَرَادَ الصَّائِدُ أَخْذَهُ مِنْهُ فَامْتَنَعَ وَصَارَ يُقَاتِلُ دُونَهُ فَكَمَا لَوْ أَكَلَ مِنْهُ لِأَنَّهُ أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَوْلُهُ ثُمَّ أَكَلَ مُقَيَّدٌ بِمَرَّةٍ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ لِيَخْرُجَ بِهِ مَا إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ الْأَكْلُ وَصَارَ عَادَةً لَهُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ مَا أَكَلَ مِنْهُ قَطْعًا، وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ الصَّيْدُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَطِفُ التَّحْرِيمُ عَلَى مَا اصْطَادَهُ قَبْلَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِالْأَكْلِ عَنْ التَّعْلِيمِ إلَّا إذَا أَكَلَ مَا أُرْسِلَ عَلَيْهِ، فَإِنْ اسْتَرْسَلَ الْمُعَلَّمُ بِنَفْسِهِ فَقَتَلَ وَأَكَلَ لَمْ يَقْدَحْ فِي تَعْلِيمِهِ جَزْمًا، وَقَوْلُهُ مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ مِثَالٌ فَجِلْدُهُ وَحُشْوَتُهُ وَأُذُنُهُ وَعَظْمُهُ مِثْلُهُ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ الْقَطْعُ بِالْحِلِّ فِي تَنَاوُلِ شَعْرِهِ إذْ لَيْسَ عَادَتُهُ الْأَكْلَ مِنْهُ، وَمِثْلُهُ الصُّوفُ وَالرِّيشُ (فَيُشْتَرَطُ) عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ (تَعْلِيمٌ جَدِيدٌ) لِفَسَادِ التَّعْلِيمِ الْأَوَّلِ مِنْ حِينِهِ لَا مِنْ أَصْلِهِ (وَلَا أَثَرَ لِلَعْقِ الدَّمِ) لِأَنَّ الْمَنْعَ مَنُوطٌ فِي الْخَبَرِ بِالْأَكْلِ مِنْ الصَّيْدِ وَلَمْ يُوجَدْ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْ شَيْئًا مِنْ مَقْصُودِ الصَّائِدِ فَكَانَ كَتَنَاوُلِهِ الْفَرْثَ.

(وَمَعَضُّ الْكَلْبِ مِنْ الصَّيْدِ نَجَسٌ) كَغَيْرِهِ مِمَّا تَنَجَّسَ مِنْهُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ) كَمَا لَوْ أَصَابَ ثَوْبًا فَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ وَتَعْفِيرِهِ، وَالثَّانِي نَعَمْ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ فَأَشْبَهَ الدَّمَ الَّذِي فِي الْعُرُوقِ (وَأَنَّهُ يَكْفِي غَسْلُهُ بِمَاءٍ وَتُرَابٍ) سَبْعًا كَغَيْرِهِ لِعُمُومِ الْأَمْرِ بِذَلِكَ (وَلَا يَجِبُ أَنْ يُقَوَّرَ وَيُطْرَحَ) لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ، وَالثَّانِي يَجِبُ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ يَشْرَبُ لُعَابَهُ فَلَا يَتَخَلَّلُهُ الْمَاءُ.

(وَلَوْ تَحَامَلَتْ الْجَارِحَةُ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَتْهُ بِثِقَلِهَا حَلَّ فِي الْأَظْهَرِ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: ٤] وَلِأَنَّهُ يَعِزُّ تَعْلِيمُهُ أَنْ لَا يَقْتُلَ إلَّا جُرْحًا وَلَيْسَ كَالْإِصَابَةِ بِعَرْضِ السَّهْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ سُوءِ الرَّمْيِ.

وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ آلَةٌ فَلَمْ يَحِلَّ بِثِقَلِهِ كَالسِّلَاحِ وَلِأَنَّ اللَّهَ سَمَّاهَا جَوَارِحَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَجْرَحَ، وَالْأَوَّلُ قَالَ: الْجَوَارِحُ الْكَوَاسِبُ بِالْبَاءِ، وَأَنَّثَ هُنَا الْجَارِحَةَ وَذَكَّرَهَا فِيمَا مَرَّ نَظَرًا لِلَّفْظِ تَارَةً وَلِلْمَعْنَى أُخْرَى، وَاحْتَرَزَ بِثِقَلِهِ عَمَّا لَوْ مَاتَ فَزَعًا مِنْهُ أَوْ بِشِدَّةِ عَدْوِهِ فَلَا يَحِلُّ قَطْعًا وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا لَمْ يَجْرَحْ الْكَلْبُ الصَّيْدَ فَإِنْ جَرَحَهُ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ حَلَّ قَطْعًا

(وَلَوْ) (كَانَ بِيَدِهِ سِكِّينٌ فَسَقَطَ وَانْجَرَحَ بِهِ صَيْدٌ أَوْ احْتَكَّتْ بِهِ شَاةٌ وَهُوَ فِي يَدِهِ فَانْقَطَعَ حُلْقُومُهَا وَمَرِيئُهَا أَوْ اسْتَرْسَلَ كَلْبٌ) مَثَلًا (بِنَفْسِهِ فَقَتَلَ) (لَمْ يَحِلَّ) لِأَنَّ الذَّبْحَ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَصْدُ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِي الضَّمَانِ: لِأَنَّهُ أَوْسَعُ وَلِانْتِفَاءِ الْإِرْسَالِ فِي الثَّالِثَةِ، وَقَدْ قَيَّدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَازَ الْأَكْلِ بِالْإِرْسَالِ فَقَالَ «إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ فَكُلْ» (وَكَذَا لَوْ اُسْتُرْسِلَ فَأَغْرَاهُ صَاحِبُهُ فَزَادَ عَدْوُهُ فِي الْأَصَحِّ) لِاجْتِمَاعِ الْمُحَرِّمِ وَالْمُبِيحِ فَغُلِّبَ الْمُحَرِّمُ، وَالثَّانِي يَحِلُّ لِظُهُورِ أَثَرِ الْإِغْرَاءِ بِالْعَدْوِ فَانْقَطَعَ بِهِ الِاسْتِرْسَالُ وَصَارَ كَأَنَّهُ جَرَحَ بِإِغْرَاءِ صَاحِبِهِ،

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَحْرُمُ مَا أَكَلَ مِنْهُ) مُرَادُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ مَا أَكَلَ مِنْهُ وَمَا بَعْدَهُ، وَلَوْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ إلَى أَنْ يَسْتَأْنِفَ لَهُ تَعْلِيمًا جَدِيدًا بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ تَعَلُّمُهُ (قَوْلُهُ: فَقَتَلَ وَأَكَلَ لَمْ يَقْدَحْ فِي تَعْلِيمِهِ) وَكَذَا كُلُّ مَا اسْتَرْسَلَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ فَقَتَلَهُ بِغَيْرِ إرْسَالٍ لِعَدَمِ الِاصْطِيَادِ بِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ سَقَطَتْ السِّكِّينُ عَلَى حَلْقِ شَاةٍ فَقَطَعَتْهُ (قَوْلُهُ: إذْ لَيْسَ عَادَتُهُ الْأَكْلَ) أَيْ عَادَةُ مَا صَادَ بِهِ، فَلَا يُقَالُ: أَكْلُهُ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مَا اعْتَادَهُ قَبْلَ التَّعَلُّمِ مِنْ الْأَكْلِ فَالتَّعْلِيمُ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ

(قَوْلُهُ: بِثِقَلِهَا حَلَّ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَجْرَحْهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ يَعِزُّ تَعْلِيمُهُ أَنْ لَا يَقْتُلَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلِلْمَعْنَى إلَخْ) أَيْ وَهُوَ أَنَّهَا اسْمٌ لِلْحَيَوَانِ الَّذِي يَجْرَحُ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى وَلَفْظُ الْحَيَوَانِ مُذَكَّرٌ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمَعْنَى أَنَّهَا اسْمٌ لِلذَّكَرِ خَاصَّةً، وَعِبَارَةُ الْمُخْتَارِ: وَالْجَوَارِحُ مِنْ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ ذَاتُ الصَّيْدِ

(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ يَشْتَرِطْ فِي الضَّمَانِ) أَيْ فَمَتَى تَلِفَ شَيْءٌ بِفِعْلِهِ ضَمِنَهُ وَإِنْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: الْفَرْثُ) هُوَ دَاخِلَ الْكَرِشِ

<<  <  ج: ص:  >  >>