للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» أَيْ الَّتِي أَحَلَّتْهَا أَحَلَّتْهُ تَبَعًا لَهَا مَا لَمْ يَنْفَصِلْ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَإِلَّا اُشْتُرِطَتْ تَذْكِيَتُهُ، فَإِنْ خَرَجَ وَبِهِ حَرَكَةُ مَذْبُوحٍ وَمَاتَ حَالًا حَلَّ، وَإِنْ خَرَجَ بَعْدَ ذَبْحِ أُمِّهِ مَيِّتًا وَاضْطَرَبَ فِي بَطْنِهَا بَعْدَ ذَبْحِهَا زَمَانًا طَوِيلًا ثُمَّ سَكَنَ لَمْ يَحِلَّ، أَوْ سَكَنَ عَقِبَهُ حَلَّ، كَذَا ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَعَلَيْهِ لَوْ أَخْرَجَ رَأْسَهُ وَبِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ لَمْ يَجِبْ ذَبْحُهُ حَتَّى يَخْرُجَ، وَإِنْ أَخْرَجَ رَأْسَهُ مَيِّتًا ثُمَّ ذُبِحَتْ أُمُّهُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ لَمْ يَحِلَّ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْإِمَامِ وَهُوَ الْأَصَحُّ خِلَافًا لِلْبَغَوِيِّ، وَلَا بُدَّ فِي الْحِلِّ مِنْ أَنْ تَكُونَ الذَّكَاةُ مُؤَثِّرَةً فِيهِ، فَلَوْ كَانَ مُضْغَةً لَمْ تَتَبَيَّنْ بِهَا صُورَةٌ لَمْ تَحِلَّ، وَلَوْ كَانَ لِلْمُذَكَّاةِ عُضْوٌ أَشَلُّ حَلَّ

(وَمَنْ) (خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مَوْتًا أَوْ مَرَضًا مَخُوفًا) أَوْ غَيْرَ مَخُوفٍ أَوْ نَحْوِهِمَا مِنْ كُلِّ مَحْذُورٍ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ وَلَمْ يَجِدْ حَلَالًا وَهُوَ مَعْصُومٌ غَيْرُ عَاصٍ بِسَفَرِهِ وَنَحْوِهِ (وَوَجَدَ مُحَرَّمًا) غَيْرَ مُسْكِرٍ كَمَيْتَةٍ وَلَوْ مُغَلَّظَةً وَدَمٍ (لَزِمَهُ أَكْلُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنِ اضْطُرَّ} [البقرة: ١٧٣] الْآيَةَ مَعَ قَوْلِهِ {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: ٢٩] وَكَذَا لَوْ خَافَ الْعَجْزَ عَنْ نَحْوِ الْمَشْيِ أَوْ التَّخَلُّفِ عَنْ الرُّفْقَةِ إنْ حَصَلَ لَهُ بِهِ ضَرَرٌ لَا نَحْوُ وَحْشَةٍ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ، وَكَذَا لَوْ أَجْهَدَهُ الْجُوعُ وَعِيلَ صَبْرُهُ وَغَلَبَةُ الظَّنِّ فِي ذَلِكَ كَافِيَةٌ، بَلْ لَوْ جَوَّزَ السَّلَامَةَ وَالتَّلَفَ عَلَى السَّوَاءِ حَلَّ لَهُ تَنَاوُلُ الْمُحَرَّمِ كَمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ صَرِيحِ كَلَامِهِمْ، وَاكْتُفِيَ بِالظَّنِّ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى أَكْلِ ذَلِكَ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّيَقُّنُ وَلَا الْإِشْرَافُ عَلَى الْمَوْتِ، بَلْ لَوْ انْتَهَى إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْلُهُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَلَوْ امْتَنَعَ مَالِكُ طَعَامٍ مِنْ بَذْلِهِ إلَّا بَعْدَ وَطْئِهَا زَنَى لَمْ يَجُزْ لَهَا تَمْكِينُهُ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ الْإِكْرَاهَ بِالْقَتْلِ لَا يُبِيحُهُ وَاللِّوَاطُ وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَظِنَّةً فِي الْجُمْلَةِ لِاخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ شُدِّدَ فِيهِ أَكْثَرَ (وَقِيلَ يَجُوزُ) كَمَا فِي الِاسْتِسْلَامِ لِلْمُسْلِمِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ فِي هَذَا إيثَارًا فِي الْجُمْلَةِ لِلشَّهَادَةِ بِخِلَافِ ذَاكَ، وَلَوْ وَجَدَ مَيْتَةً يَحِلُّ مَذْبُوحُهَا وَأُخْرَى لَا يَحِلُّ: أَيْ كَآدَمِيٍّ غَيْرِ مُحْتَرَمٍ فِيمَا يَظْهَرُ تَخَيَّرَ أَوْ مُغَلَّظَةٍ وَغَيْرِهَا تَعَيَّنَ غَيْرُهَا: قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ.

وَاعْتِرَاضُ الْإِسْنَوِيِّ لَهُ مَرْدُودٌ، أَمَّا الْمُسْكِرُ فَلَا يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ لِجُوعٍ وَلَا عَطَشٍ كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا الْعَاصِي بِسَفَرِهِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَنَاوُلُ الْمُحَرَّمِ حَتَّى يَتُوبَ وَمِثْلُهُ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ مُرْتَدٌّ وَحَرْبِيٌّ حَتَّى يُسْلِمَا، قَالَ: وَكَذَا

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَلَا يُشْكِلُ تَقْدِيمُ الزِّرَاعَةِ عَلَى قَوْله تَعَالَى {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: ٢٦٧] لِأَنَّهُ عَطَفَ فِي الْآيَةِ بِالْوَاوِ وَهِيَ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا

(قَوْلُهُ حَلَّ) أَيْ وَلَا يَتَوَقَّفُ حِلُّهُ عَلَى ذَبْحٍ (قَوْلُهُ: وَاضْطَرَبَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ اضْطَرَبَ إلَخْ، وَإِنَّمَا حَرُمَ وَالْحَالَةُ مَا ذَكَرَ لِأَنَّ اضْطِرَابَهُ عَلَامَةٌ عَلَى أَنَّ مَوْتَهُ لَيْسَ بِتَذْكِيَةِ أُمِّهِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَجِبْ ذَبْحُهُ) وَعَلَيْهِ فَلَوْ ذُبِحَتْ أُمُّهُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ وَمَاتَ بِذَبْحِهَا حَلَّ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ مُغَلَّظَةً) وَمَيْتَةُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ أَخْذًا مِنْ إطْلَاقِهِ (قَوْلُهُ: وَعِيلَ) أَيْ فَقَدَ (قَوْلُهُ: وَغَلَبَةُ الظَّنِّ) قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي حُصُولِ الظَّنِّ الِاعْتِمَادُ عَلَى قَوْلِ طَبِيبٍ بَلْ يَكْفِي مُجَرَّدُ ظَنِّهِ بِأَمَارَةٍ يُدْرِكُهَا، وَقِيَاسُ مَا فِي التَّيَمُّمِ اشْتِرَاطُ الظَّنِّ مُسْتَنِدًا لِخَبَرِ عَدْلٍ رَوَاهُ أَوْ مَعْرِفَتِهِ بِالطِّبِّ (قَوْلُهُ: بَلْ لَوْ جَوَّزَ السَّلَامَةَ وَالتَّلَفَ عَلَى السَّوَاءِ حَلَّ) أَفْهَمَ أَنَّهُ إذَا جَوَّزَ التَّلَفَ مَعَ كَوْنِ الْغَالِبِ السَّلَامَةَ لَمْ يَجُزْ تَنَاوُلُهُ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ) أَيْ الزِّنَا (قَوْلُهُ: شَدَّدَ فِيهِ أَكْثَرَ) أَيْ مِنْ اللِّوَاطِ (قَوْلُهُ: بِأَنَّ فِي هَذَا إيثَارًا) أَيْ فِي الْجُمْلَةِ (قَوْلُهُ كَآدَمِيٍّ غَيْرِ مُحْتَرَمٍ) هَلَّا وَجَبَ تَقْدِيمُ لَحْمِ الْمَيْتَةِ عَلَى لَحْمِ الْآدَمِيِّ لِاحْتِرَامِ ذَاتِهِ، وَمِنْ ثَمَّ جَرَى الشَّارِحُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

فَضَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

(قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ لَوْ أَخْرَجَ رَأْسَهُ إلَخْ) هَذَا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مَا قَبْلَهُ كَمَا لَا يَخْفَى، فَالْوَجْهُ حَذْفُ لَفْظِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَجِبْ ذَبْحُهُ حَتَّى يَخْرُجَ) أَيْ فَيَحِلُّ إذَا مَاتَ عَقِبَ خُرُوجِهِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ وَإِنْ صَارَ بِخُرُوجِ رَأْسِهِ مَقْدُورًا عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: مَعَ قَوْلِهِ {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: ٢٩] هَذَا لَا يَكْفِي فِي لُزُومِ أَكْلِ الْمُحَرَّمِ الْمَذْكُورِ لِلْخَوْفِ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ فَيَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ (قَوْلُهُ وَاللِّوَاطَ) مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي يُبِيحُهُ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَظِنَّةَ إلَخْ) الصَّوَابُ

<<  <  ج: ص:  >  >>