للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَا أَصْعَدُ السَّمَاءَ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْحِنْثِ فِيهِ بِذَاتِهِ فَلَا إخْلَالَ فِيهِ بِتَعْظِيمِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، بِخِلَافِ لَا أَمُوتُ وَلَأَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ وَلَأَقْتُلَنَّ الْمَيِّتَ فَإِنَّهُ يَمِينٌ يَجِبُ تَكْفِيرُهَا حَالًا مَا لَمْ يُقَيِّدْ الْأَخِيرَةَ بِوَقْتٍ كَغَدٍ فَيُكَفِّرُ غَدًا وَذَلِكَ لِهَتْكِهِ حُرْمَةَ الِاسْمِ، وَلَا تَرِدُ هَذِهِ عَلَى التَّعْرِيفِ لِفَهْمِهَا مِنْهُ بِالْأَوْلَى إذْ الْمُحْتَمَلُ لَهُ فِيهِ شَائِبَةُ عُذْرٍ بِاحْتِمَالِ الْوُقُوعِ وَعَدَمِهِ، بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّهُ عِنْدَ حَلِفِهِ هَاتِكٌ حُرْمَةَ الِاسْمِ لِعِلْمِهِ بِاسْتِحَالَةِ الْبِرِّ فِيهِ، وَشَرْطُ الْحَالِفِ يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ، بَلْ وَمِمَّا يَأْتِي مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْقَصْدِ وَعَدَمِهِ وَهُوَ مُكَلَّفٌ أَوْ سَكْرَانُ مُخْتَارٌ قَاصِدٌ، فَخَرَجَ صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ وَمُكْرَهٌ وَسَاهٍ.

وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ قَوْله تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: ٨٩] الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: ٧٧] وَأَخْبَارٌ مِنْهَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَحْلِفُ لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ» وَقَوْلُهُ «وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (لَا تَنْعَقِدُ) الْيَمِينُ (إلَّا بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ اسْمٍ دَالٍّ عَلَيْهَا وَإِنْ دَلَّ عَلَى صِفَةٍ مَعَهَا (أَوْ صِفَةٍ لَهُ) وَسَتَأْتِي، فَالْأَوَّلُ (كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ وَرَبِّ الْعَالَمِينَ) أَيْ مَالِكِ الْمَخْلُوقَاتِ لِأَنَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ دَالٌّ عَلَى وُجُودِ خَالِقِهِ، وَالْعَالَمُ بِفَتْحِ اللَّامِ كُلُّ الْمَخْلُوقَاتِ (وَالْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَمَنْ نَفْسِي بِيَدِهِ) أَيْ قُدْرَتِهِ يُصَرِّفُهَا كَيْفَ شَاءَ وَمَنْ فَلَقَ الْحَبَّةَ (وَكُلِّ اسْمٍ مُخْتَصٍّ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) كَالْإِلَهِ وَمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مُنْعَقِدَةٌ بِمَنْ عُلِمَتْ حُرْمَتُهُ وَلَزِمَتْ طَاعَتُهُ، وَإِطْلَاقُ هَذَا مُخْتَصٌّ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَنْعَقِدُ بِمَخْلُوقٍ كَوَحَقِّ النَّبِيِّ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

بِاَللَّهِ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ لَا أَمُوتُ) أَيْ وَيَحْنَثُ بِهِ فِي الطَّلَاقِ حَالًا (قَوْلُهُ وَلَأَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ) أَيْ مَا لَمْ تُخْرَقْ الْعَادَةُ لَهُ فَيَصْعَدُهَا (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ هَذَا) مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ بِخِلَافِ لَا أَمُوتُ (قَوْلُهُ: وَمُكْرَهٌ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ بِحَقٍّ وَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوهُ إمَّا لِبُعْدِهِ أَوْ عَدَمِ تَصَوُّرِهِ (قَوْلُهُ: لَا وَمَقْلَبَ الْقُلُوبِ) لَا نَافِيَةٌ وَمَنْفِيُّهَا مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ كَمَا لَوْ قِيلَ هَلَّا كَانَ كَذَا فَيُقَالُ فِي جَوَابِهِ لَا: أَيْ لَمْ يَكُنْ (قَوْلُهُ: كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) لَوْ قَالَ وَرَبِّ الْعَالَمِ وَقَالَ أَرَدْتُ بِالْعَالَمِ كَذَا مِنْ الْمَالِ وَبِرَبِّهِ مَالِكَهُ قُبِلَ لِأَنَّ مَا قَالَهُ مُحْتَمَلٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ دَالٌ عَلَى وُجُودِ خَالِقِهِ) وَعَلَى هَذَا فَالْعَالَمِينَ لَيْسَ مَخْصُوصًا بِالْعُقَلَاءِ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْبِرْمَاوِيُّ كَكَثِيرِينَ، وَذَهَبَ ابْنُ مَالِكٍ إلَى اخْتِصَاصِهِ بِالْعُقَلَاءِ.

[فَائِدَةٌ] وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا يَقَعُ مِنْ قَوْلِ الْعَوَامّ وَالِاسْمُ الْأَعْظَمُ هَلْ هُوَ يَمِينٌ أَمْ لَا؟ وَنُقِلَ بِالدَّرْسِ عَنْ م ر انْعِقَادُ الْيَمِينِ بِمَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: وَالْعَالَمُ) بِفَتْحِ اللَّامِ كُلُّ الْمَخْلُوقَاتِ إنْ أُرِيدَ بِالْكُلِّ الْكُلُّ الْمَجْمُوعِي يَعْنِي جُمْلَةَ الْمَخْلُوقَاتِ نَافِي قَوْلِهِ قُبِلَ لِأَنَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ دَالٌ إلَخْ، فَلَعَلَّ الْمُرَادَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ أَوْ كُلُّ نَوْعٍ مِنْهَا (قَوْلُهُ وَمَنْ فَلَقَ الْحَبَّةَ) مِنْهُ يُؤْخَذُ صِحَّةُ إطْلَاقِ الْأَسْمَاءِ الْمُبْهَمَةِ عَلَيْهِ تَعَالَى وَبِهِ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ (قَوْلُهُ وَكُلُّ اسْمٍ مُخْتَصٌّ) لَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْ ذِكْرِهِ بَيَانُ تَفْصِيلِ مَا دَلَّ عَلَى ذَاتِهِ تَعَالَى مِنْ كَوْنِهِ مُخْتَصًّا بِهِ أَوْ غَالِبًا فِيهِ أَوْ غَيْرَ غَالِبٍ كَمَا يَأْتِي، وَإِلَّا فَالدَّالُّ عَلَى الذَّاتِ هُوَ الِاسْمُ الْمُخْتَصُّ بِهِ أَوْ الْغَالِبُ فِيهِ إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي، وَلَعَلَّ الشَّارِحَ إنَّمَا فَسَّرَ الذَّاتَ بِالِاسْمِ الدَّالِّ عَلَيْهَا وَلَمْ يَجْعَلْ الْحَلِفَ بِهَا مَقْصُورًا عَلَى قَوْلِهِ وَذَاتِ اللَّهِ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ وَرَبِّ إلَخْ (قَوْلُهُ: كَوَحَقِّ النَّبِيِّ) وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ عَلَى النَّهْيِ عَنْ مِثْلِهِ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ «فَمَنْ كَانَ حَالِفًا» إلَخْ وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ " أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ " إنَّمَا اقْتَصَرَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَاصِدٌ تَحْقِيقَهُ بِالْيَمِينِ وَكَذَا فِي الْمَنْعِ، لَكِنْ اُنْظُرْ مَا وَجْهُ الْمُغَايَرَةِ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا مَرَّ فِي الْحَلِفِ (قَوْلُهُ: بِذَاتِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِتَصَوُّرِ الْمَنْفِيِّ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُقَيِّدْ الْأَخِيرَ) اُنْظُرْ هَلَّا كَانَ مِثْلَهُ مَا قَبْلَهُ وَابْنُ حَجَرٍ لَمْ يُقَيِّدْ بِهَذَا الْقَيْدِ، لَكِنْ شَمَلَ إطْلَاقُهُ الْأَوَّلَ وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: لِفَهْمِهَا مِنْهُ بِالْأَوْلَى) نَظَرَ فِيهِ ابْنُ قَاسِمٍ بِأَنَّ الْأَوْلَوِيَّةَ لَا تُعْتَبَرُ فِي التَّعَارِيفِ (قَوْلُهُ: أَيْ اسْمٍ دَالٍّ عَلَيْهَا) شَمَلَ نَحْوَ " وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ " فَهُوَ اسْمٌ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ غَيْرِهِ أَنَّهُ قَسِيمٌ لِلِاسْمِ فَلَعَلَّهُمَا اصْطِلَاحَانِ (قَوْلُهُ دَالٌّ عَلَى وُجُودِ خَالِقِهِ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: عَلَامَةٌ عَلَى وُجُودِ خَالِقِهِ انْتَهَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>