للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حِينَئِذٍ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ قَتْلُهُ لِنَفْسِهِ قَبْلَ الْغَدِ مُقْتَضِيًا لِحِنْثِهِ لِأَنَّهُ مُفَوِّتٌ لِذَلِكَ أَيْضًا، وَكَذَا لَوْ تَلِفَ الطَّعَامُ قَبْلَهُ بِتَقْصِيرِهِ كَأَنْ أَمْكَنَهُ دَفْعُ أَكْلِهِ فَلَمْ يَدْفَعْهُ (وَ) فِي مَوْتِهِ أَوْ نِسْيَانِهِ (قَبْلَهُ) أَيْ التَّمَكُّنِ مِنْ ذَلِكَ (قَوْلَانِ كَمُكْرَهٍ) وَالْأَظْهَرُ عَدَمُهُ لِعُذْرِهِ وَحَيْثُ أَطْلَقُوا قَوْلَ الْمُكْرَهِ فَمُرَادُهُمْ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْحِنْثِ فَقَطْ، أَمَّا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْحَلِفِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا (وَإِنْ أَتْلَفَهُ) عَامِدًا عَالِمًا مُخْتَارًا (بِأَكْلٍ وَغَيْرِهِ) كَأَدَائِهِ الدَّيْنَ فِي الصُّورَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا وَلَمْ يَنْوِ أَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُ أَدَاءَهُ عَنْ الْغَدِ (قَبْلَ الْغَدِ) أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ (حَنِثَ) لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ، وَمَرَّ أَنَّ تَقْصِيرَهُ فِي تَلَفِهِ كَإِتْلَافِهِ لَهُ، ثُمَّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ إنَّمَا يَحْنَثُ بَعْدَ مَجِيءِ الْغَدِ وَمُضِيِّ زَمَنٍ يُمْكِنُهُ فِيهِ ذَلِكَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ (وَإِنْ تَلِفَ) الطَّعَامُ بِنَفْسِهِ (أَوْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ) قَبْلَ الْغَدِ أَوْ التَّمَكُّنِ وَلَمْ يُقَصِّرْ فِيهِمَا كَمَا مَرَّ (فَكَمُكْرَهٍ) فَلَا يَحْنَثُ إذْ لَا يَفُوتُ الْبِرُّ بِاخْتِيَارِهِ، وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ إلْحَاقِ مَسْأَلَةِ لَأَقْضِيَنَّ حَقَّهُ أَوْ لَأُسَافِرَن بِمَسْأَلَةِ الطَّعَامِ فِيمَا ذُكِرَ فِيهَا هُوَ الْقِيَاسُ، كَمَا لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَيُسَافِرَن فِي هَذَا الشَّهْرِ ثُمَّ خَالَعَ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ الثَّلَاثُ قَبْلَ الْخُلْعِ وَيَتَبَيَّنُ بُطْلَانُهُ لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ كَمَا مَرَّ مَبْسُوطًا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ.

(أَوْ) (لَأَقْضِيَنك حَقَّك) سَاعَةَ بَيْعِي لِكَذَا فَبَاعَهُ مَعَ غَيْبَةِ رَبِّ الدَّيْنِ حَنِثَ، وَإِنْ أَرْسَلَهُ إلَيْهِ حَالًا لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ بِبَيْعِهِ ذَلِكَ مَعَ غَيْبَةِ الْمُسْتَحِقِّ أَوْ إلَى زَمَنٍ فَمَاتَ بَعْدَ تَمَكُّنٍ مِنْ قَضَائِهِ حَنِثَ قُبَيْلَ مَوْتِهِ لِأَنَّ لَفْظَ الزَّمَنِ لَا يُعَيِّنُ وَقْتًا فَكَانَ جَمِيعُ الْعُمْرِ مُهْلَتَهُ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بَعْدَ لَحْظَةٍ فِي أَنْتِ طَالِقٌ بَعْدَ حِينٍ أَوْ إلَى زَمَنٍ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ فَتَعَلَّقَ بِأَوَّلِ مَا يُسَمَّى زَمَنًا وَمَا هُنَا وَعْدٌ وَهُوَ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِأَوَّلِ مَا يَقَعُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

لَكِنْ لَوْ تَعَاطَى مَا حَصَلَ بِهِ الشِّبَعُ الْمُفْرِطُ فِي زَمَنٍ يُعْلَمُ عَادَةً أَنَّهُ لَا يَنْهَضِمُ الطَّعَامُ فِيهِ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ هَلْ يَحْنَثُ لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ أَوَّلًا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِمَا ذُكِرَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ مِثْلُ هَذَا التَّفْصِيلِ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ ذِي الرُّمَّانَةَ مَثَلًا فَوَجَدَهَا عَافِنَةً تَعَافُهَا الْأَنْفُسُ وَيَتَوَلَّدُ الضَّرَرُ مِنْ تَنَاوُلِهَا فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى عَدَمِ الْأَكْلِ، أَمَّا لَوْ وَجَدَهَا سَلِيمَةً وَتَمَكَّنَ مِنْ أَكْلِهَا فَتَرَكَهَا حَتَّى عَفِنَتْ فَيَحْنَثُ لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ.

وَكَتَبَ أَيْضًا لَطَفَ اللَّهُ بِهِ: قَوْلَهُ حَيْثُ لَا ضَرَرَ، وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ ضَرَرٌ لَا يُحْتَمَلُ فِي الْعَادَةِ وَإِنْ لَمْ يُبَحْ التَّيَمُّمُ كَمَا يُفْهِمُهُ قَوْلُهُ كَمَا عُلِمَ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مُفَوِّتٌ لِذَلِكَ) هَذَا بِمُجَرَّدِهِ لَا يَقْتَضِي الْحِنْثَ لِمَا قَدَّمَهُ فِيمَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْغَدِ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ زَمَنَ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ وَحَيْثُ لَمْ يَبْلُغْهَا فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا حِنْثَ وَإِنْ قَتَلَ نَفْسَهُ فَلْيُرَاجَعْ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ زَمَنَ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ وَلَا فَوَّتَ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ.

وَكَتَبَ أَيْضًا لَطَفَ اللَّهُ بِهِ: قَوْلَهُ لِأَنَّهُ مُفَوِّتٌ لِذَلِكَ وَلَيْسَ مِنْهُ فِيمَا يَظْهَرُ مَا لَوْ قَتَلَ عَمْدًا عُدْوَانًا وَقُتِلَ فِيهِ وَلَوْ بِتَسْلِيمِهِ نَفْسَهُ لِجَوَازِ الْعَفْوِ عَنْهُ مِنْ الْوَرَثَةِ (قَوْلُهُ: كَأَدَائِهِ الدَّيْنَ) الْكَافُ فِيهِ لِلتَّنْظِيرِ لَا لِلتَّمْثِيلِ لِأَنَّ أَدَاءَ الدَّيْنِ لَيْسَ إتْلَافًا وَلَكِنَّهُ تَفْوِيتٌ لِلْبِرِّ (قَوْلُهُ: الَّتِي قَدَّمْنَاهَا) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ. [فَرْعٌ]

وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَنْ رَجُلٍ حَنَفِيِّ الْمَذْهَبِ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بِشَاهِدَيْنِ حَنَفِيَّيْنِ فَهَلْ الْعَقْدُ صَحِيحٌ أَمْ لَا؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ بِمَا صُورَتُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَقْدُ صَحِيحٌ، وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِ الشُّهُودِ حَنَفِيَّةً وَلَا لِكَوْنِ الزَّوْجِ وَالْعَاقِدِ لَهُ كَذَلِكَ، وَلَهُ تَقْلِيدُ الشَّافِعِيِّ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَنْقُولُ عِنْدَهُمْ خِلَافَهُ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَرْفَعَ إلَى حَاكِمٍ شَافِعِيٍّ وَالدَّعْوَى عِنْدَهُ وَلَوْ حِسْبَةً بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِمُقْتَضَى التَّعْلِيقِ وَطَلَبِ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا فَيَحْكُمُ الشَّافِعِيُّ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ لِيَرْتَفِعَ الْخِلَافُ.

(قَوْلُهُ: لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ) وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يُرِدْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ) قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: أَيْ الْفَرْضُ أَنَّهُ أَتْلَفَهُ عَامِدًا عَالِمًا مُخْتَارًا قَبْلَ الْغَدِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْعِبَارَةِ، وَحِينَئِذٍ فَعَدَمُ الْحِنْثِ هُنَا مُشْكِلٌ عَلَى قَوْلِهِ السَّابِقِ وَمِنْ ثَمَّ أَلْحَقَ قَتْلَهُ لِنَفْسِهِ إلَخْ إذْ هُوَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مُفَوِّتٌ لِلْبِرِّ بِاخْتِيَارِهِ فَتَأَمَّلْهُ اهـ وَقَدْ يُفَرَّقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>