أَيْ إنْ أَسْمَعَ نَفْسَهُ أَوْ كَانَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ لَوْلَا الْعَارِضُ كَمَا هُوَ قِيَاسُ نَظَائِرِهِ لِانْصِرَافِ الْكَلَامِ عُرْفًا إلَى كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ فِي مُحَاوَرَاتِهِمْ وَمِنْ ثَمَّ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَدَعْوَى أَنَّ نَحْوَ التَّسْبِيحِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ كَلَامٌ لُغَةً وَعُرْفًا وَهُوَ لَمْ يَحْلِفْ لَا يُكَلِّمُ النَّاسَ بَلْ لَا يَتَكَلَّمُ تُرَدُّ بِأَنَّ عُرْفَ الشَّرْعِ مُقَدَّمٌ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ الْخَبَرِ أَنَّ هَذَا لَا يُسَمَّى كَلَامًا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، عَلَى أَنَّ الْعَادَةَ الْمُطَّرِدَةَ أَنَّ الْحَالِفِينَ كَذَلِكَ إنَّمَا يُرِيدُونَ غَيْرَ مَا ذُكِرَ، وَكَفَى بِذَلِكَ مُرَجِّحًا، وَكَذَا نَحْوُ بَعْضِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ.
(أَوْ) (لَا يُكَلِّمُهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ) وَلَوْ مِنْ صَلَاةٍ كَمَا مَرَّ أَوْ قَالَ لَهُ قُمْ مَثَلًا أَوْ دَقَّ عَلَيْهِ الْبَابَ، فَقَالَ لَهُ عَالِمًا بِهِ مَنْ (حَنِثَ) إنْ سَمِعَهُ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ حِينَئِذٍ فَهْمُهُ لِمَا سَمِعَهُ وَلَوْ بِوَجْهٍ أَوْ لَا؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ.
وَقَضِيَّةُ اشْتِرَاطِهِمْ سَمْعَهُ الْأَوَّلَ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ، لَكِنْ مَنَعَ مِنْهُ عَارِضٌ كَانَ كَمَا لَوْ سَمِعَهُ، وَلَوْ عَرَضَ لَهُ كَأَنْ خَاطَبَ جِدَارًا بِحَضْرَتِهِ بِكَلَامٍ لِيُفْهِمَهُ بِهِ أَوْ ذَكَرَ كَلَامًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخَاطِبَ أَحَدًا بِهِ اُتُّجِهَ جَرَيَانُ مَا ذُكِرَ فِي التَّفْصِيلِ فِي قِرَاءَةِ آيَةٍ فِي ذَلِكَ (وَإِنْ كَاتَبَهُ أَوْ رَاسَلَهُ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ بِيَدٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا) حِنْثَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَخْرَسَ أَوْ أَصَمَّ (فِي الْجَدِيدِ) لِانْتِفَاءِ كَوْنِهَا كَلَامًا عُرْفًا وَإِنْ كَانَتْ لُغَةً وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ وَالْقَدِيمُ نَعَمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا} [الشورى: ٥١] فَاسْتَثْنَى الرِّسَالَةَ مِنْ التَّكَلُّمِ وقَوْله تَعَالَى {أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: ٤١] فَاسْتَثْنَى الرَّمْزَ مِنْ الْكَلَامِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا مِنْهُ، نَعَمْ إنْ نَوَى شَيْئًا مِمَّا مَرَّ حَنِثَ بِهِ لِأَنَّ الْمَجَازَ يَقْبَلُ إرَادَتَهُ بِالنِّيَّةِ وَجُعِلَتْ نَحْوُ إشَارَةِ الْأَخْرَسِ فِي غَيْرِ هَذَا وَنَحْوِهِ كَعِبَارَتِهِ لِلضَّرُورَةِ (وَإِنْ قَرَأَ آيَةً أَفْهَمَهُ بِهَا مَقْصُودَهُ وَقَصَدَ قِرَاءَةً) وَلَوْ مَعَ قَصْدِ التَّفْهِيمِ (لَمْ يَحْنَثْ) لِعَدَمِ تَكْلِيمِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ قَصَدَ التَّفْهِيمَ وَحْدَهُ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا (حَنِثَ) لِأَنَّهُ كَلَّمَهُ، وَمَا نُوَزِّعُ بِهِ صُورَةَ الْإِطْلَاقِ مَرْدُودٌ بِإِبَاحَةِ الْقِرَاءَةِ حِينَئِذٍ لِلْجُنُبِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ مَا تَلَفَّظَ بِهِ كَلَامٌ لَا قُرْآنٌ.
وَلَوْ حَلَفَ لَيُثْنِيَنَّ عَلَى اللَّهِ بِأَجَلِّ الثَّنَاءِ وَأَعْظَمِهِ فَطَرِيقُ الْبِرِّ أَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَك لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك، فَلَوْ قَالَ: أَحْمَدُهُ بِمَجَامِعِ الْحَمْدِ أَوْ بِأَجَلِّهَا فَإِنَّهُ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ، أَوْ لَأُصَلِّيَنَّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلَ صَلَاةٍ فِيمَا يُقَالُ عَقِبَ التَّشَهُّدِ فِيهَا.
وَلَوْ قِيلَ لَهُ كَلِّمْ زَيْدًا الْيَوْمَ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْته انْعَقَدَتْ عَلَى الْأَبَدِ مَا لَمْ يَنْوِ الْيَوْمَ، فَإِنْ كَانَ فِي طَلَاقٍ وَقَالَ أَرَدْت
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَكَذَا نَحْوُ بَعْضِ التَّوْرَاةِ) أَيْ فَلَا يَحْنَثُ بِهِ، أَيْ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ تَبْدِيلُهُمَا وَإِلَّا فَيَحْنَثُ بِذَلِكَ، وَخَرَجَ بِالْبَعْضِ مَا لَوْ قَرَأَهُمَا كُلَّهُمَا فَيَحْنَثُ لِتَحَقُّقِ أَنَّهُ أَتَى بِمَا هُوَ مُبَدَّلٌ.
قَالَ حَجّ بَلْ لَوْ قِيلَ إنَّ أَكْثَرَهُمَا كَكُلِّهِمَا لَمْ يَبْعُدْ
(قَوْلُهُ: لَكِنْ مَنَعَ مِنْهُ عَارِضٌ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْعَارِضُ صَمَمًا.
وَقَضِيَّةُ مَا مَرَّ فِي الْجُمُعَةِ مِنْ أَنَّ الصُّمَّ لَا قُوَّةَ فِيهِمْ وَلَا فَعَلَ عَدَمَ الْحِنْثِ هُنَا بِتَكْلِيمِهِ الْأَصَمَّ فَلْيُرَاجَعْ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي حَجّ مَا نَصُّهُ: نَعَمْ فِي الذَّخَائِرِ كَالْحِلْيَةِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِتَكْلِيمِهِ الْأَصَمَّ، وَإِنَّمَا يُتَّجَهُ فِي صَمَمٍ يَمْنَعُ السَّمَاعَ مِنْ أَصْلِهِ اهـ.
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ طُرُوءِ الصَّمَمِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحَلِفِ وَكَوْنِهِ كَذَلِكَ وَقْتَهُ وَإِنْ عُلِمَ بِهِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَجَازَ يَقْبَلُ إرَادَتَهُ) وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْكَلَامِ بِالْفَمِ.
وَقَضِيَّةُ مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ فَصْلِ " حَلَفَ لَا يَسْكُنُهَا " مِنْ قَوْلِهِ: إنَّ الْأَلْفَاظَ تُحْمَلُ عَلَى حَقَائِقِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَجَازُ مُتَعَارَفًا وَيُرِيدُ دُخُولَهُ فَيَدْخُلُ أَيْضًا خِلَافُهُ، وَيُؤَيِّدُ الْحِنْثَ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ وَقَالَ: أَرَدْت مَسْكَنَهُ مِنْ الْحِنْثِ بِمَا يَسْكُنُهُ وَلَيْسَا مِلْكًا لَهُ وَبِمَا يَمْلِكُهُ وَلَمْ يَسْكُنْهُ حَيْثُ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ.
(قَوْلُهُ: أَنْ يَقُولَ) أَيْ حَاصِلٌ بِأَنْ يَقُولَ إلَخْ.
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَقَدْ عُلِمَ مِنْ الْخَبَرِ) أَيْ خَبَرِ مُسْلِمٍ «إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ»
(قَوْلُهُ: اُتُّجِهَ جَرَيَانُ مَا ذُكِرَ) أَيْ فِيمَا يَأْتِي