لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ، وَلَا يُشْتَرَطُ حُدُوثُ زِيَادَةٍ فَاصِلَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَإِذَا جَاوَزَ ظِلُّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ بِأَقَلِّ زِيَادَةٍ فَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فَلَيْسَ مُخَالِفًا لِذَلِكَ بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ لَا يَكَادُ يُعْرَفُ إلَّا بِهَا وَهِيَ مِنْهُ (وَيَبْقَى) وَقْتُهُ (حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ) لِخَبَرِ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» وَقَوْلُهُ فِي خَبَرِ جِبْرِيلَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا وَإِلَى الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ «وَالْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ» مَحْمُولٌ عَلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ (وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْ مَصِيرِ الظِّلِّ مِثْلَيْنِ) غَيْرَ ظِلِّ الِاسْتِوَاءِ إنْ كَانَ لِلْخَبَرِ الْمَارِّ.
وَسُمِّيَ مُخْتَارًا لِأَرْجَحِيَّتِهِ عَلَى مَا بَعْدَهُ أَوْ لِاخْتِيَارِ جِبْرِيلَ إيَّاهُ.
وَلِلْعَصْرِ سَبْعَةُ أَوْقَاتٍ وَقْتُ فَضِيلَةٍ أَوَّلَهُ، وَوَقْتُ اخْتِيَارٍ وَوَقْتُ عُذْرٍ وَقْتُ الظُّهْرِ لِمَنْ يَجْمَعُ، وَوَقْتُ ضَرُورَةٍ، وَوَقْتُ جَوَازٍ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَوَقْتُ كَرَاهَةٍ، وَوَقْتُ حُرْمَةٍ آخِرَ وَقْتِهَا بِحَيْثُ لَا يَسَعُ جَمِيعَهَا وَإِنْ وَقَعَتْ أَدَاءً وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِوَقْتِ حُرْمَةٍ وَإِنَّمَا يَحْرُمُ التَّأْخِيرُ إلَيْهِ، وَهَذَا الْوَقْتُ وَقْتُ إيجَابٍ لِأَنَّهُ يَجِبُ فِعْلُ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَنَفْسُ التَّأْخِيرِ هُوَ الْمُحَرَّمُ لَا نَفْسُ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ انْتَهَى.
وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ مُرَادَهُمْ وَقْتُ الْحُرْمَةِ مِنْ حَيْثُ التَّأْخِيرُ لَا مِنْ حَيْثُ الصَّلَاةُ وَتَنْظِيرُهُ يَجْرِي فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ أَيْضًا، وَمَا زَادَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ فِيمَا لَوْ أَحْرَمَ لِصَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا ثُمَّ أَفْسَدَهَا عَمْدًا صَارَتْ قَضَاءً فَرَّعَهُ عَلَى رَأْيٍ مَرْجُوحٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا أَدَاءٌ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا.
(وَالْمَغْرِبُ) يَدْخُلُ وَقْتُهَا (بِالْغُرُوبِ) لِخَبَرِ جِبْرِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَوْنِهَا تُفْعَلُ عَقِبَ الْغُرُوبِ، وَأَصْلُ الْغُرُوبِ الْبُعْدُ، يُقَالُ غَرَبَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَالرَّاءِ إذَا بَعُدَ، وَالْمُرَادُ تَكَامُلُ غُرُوبِهَا فَلَا يُحْكَمُ بِخُرُوجِ وَقْتِ الْعَصْرِ بِغَيْبُوبَةِ الْبَعْضِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْجَمِيعِ، وَيَخْرُجُ وَقْتُ الصُّبْحِ بِطُلُوعِ بَعْضِهَا، وَالْفَرْقُ تَنْزِيلُ رُؤْيَةِ الْبَعْضِ مَنْزِلَةَ رُؤْيَةِ الْجَمِيعِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَإِنْ شِئْت قُلْت رَاعَيْنَا اسْمَ النَّهَارِ بِوُجُودِ الْبَعْضِ وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ كَثِيرُونَ مِنْ اللُّغَوِيِّينَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمَنْهَجُ وَشَرْحُهُ: فَوَقْتُ عَصْرٍ مِنْ آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم أَوْضَحَ مِنْ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ: وَآخِرُهُ مَصِيرُ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ سِوَى إلَخْ، لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ مَصِيرُ ظِلِّ الشَّيْءِ: أَيْ وَقْتُ صَيْرُورَتِهِ آخِرَ جُزْءٍ مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ: وَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْجُزْءَ الَّذِي يَتَحَقَّقُ فِيهِ صَيْرُورَةُ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ سِوَى ظِلِّ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ: أَعْنِي الْجُزْءَ الَّذِي يَعْقُبُ آخِرَ جُزْءٍ مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ فَإِنَّ عِنْدَهُ يَتَحَقَّقُ صَيْرُورَةُ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ سِوَى ظِلِّ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ: وَآخِرُهُ مَصِيرُ ظِلِّ الشَّيْءِ إلَخْ، فَلَا بُدَّ مِنْ التَّسَامُحِ بِأَنْ يُرَادَ الْأَوَّلُ، وَيَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ: أَيْ بِهِ يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ: أَيْ بِتَحَقُّقِهِ يَدْخُلُ ذَلِكَ، أَوْ يُرَادُ الثَّانِي وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ وَآخِرُهُ مَصِيرُ ظِلِّ الشَّيْءِ إلَى مِثْلِهِ إلَخْ أَنَّ آخِرَهُ بِتَحَقُّقِ هَذَا الْوَقْتِ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَفِي حِكَايَةِ الْمَحَلِّيِّ عِبَارَةُ الْوَجِيزِ إشَارَةٌ إلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ.
(قَوْلُهُ: وَقْتُ الْعَصْرِ) قَالَ حَجّ: سُمِّيَتْ الْعَصْرَ لِمُعَاصَرَتِهَا الْغُرُوبَ وَكَذَا قِيلَ وَلَوْ قِيلَ لِتَنَاقُصِ ضَوْءِ الشَّمْسِ مِنْهَا حَتَّى يَفْنَى تَشْبِيهًا بِتَنَاقُصِ الْغُسَالَةِ مِنْ الثَّوْبِ بِالْعَصْرِ حَتَّى تَفْنَى لَكَانَ أَوْضَحَ (قَوْلُهُ: وَسُمِّيَ مُخْتَارًا) قَالَ حَجّ: تَنْبِيهٌ الْمُرَادُ بِوَقْتِ الْفَضِيلَةِ مَا يَزِيدُ فِيهِ الثَّوَابُ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ، وَبِوَقْتِ الِاخْتِيَارِ مَا فِيهِ ثَوَابٌ دُونَ ذَلِكَ مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ، وَبِوَقْتِ الْجَوَازِ مَا لَا ثَوَابَ فِيهِ مِنْهَا، وَبِوَقْتِ الْكَرَاهَةِ مَا فِيهِ مَلَامٌ مِنْهَا، وَبِوَقْتِ الْحُرْمَةِ مَا فِيهِ إثْمٌ مِنْهَا (قَوْلُهُ: وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ) مِنْ الْعَظَائِمِ اسْتِشْكَالُ بَعْضِهِمْ تَسْمِيَةَ هَذَا الْوَقْتِ بِهَذَا الِاسْمِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَيْسَتْ لِلْوَقْتِ، وَكَأَنَّ هَذَا الْمُسْتَشْكِلَ مَا فَهِمَ قَطُّ مَعْنَى الْإِضَافَةِ وَهُوَ تَعَلُّقُ مَا بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ، وَإِنَّ هَذَا مَعْنًى مَشْهُورٌ مَطْرُوقٌ لَا يَقَعُ فِيهِ اسْتِشْكَالٌ إلَّا مِمَّنْ لَمْ يَسْمَعْهُ أَوْ لَمْ يَفْهَمْهُ قَطُّ، وَلَا خَفَاءَ فِي ثُبُوتِ هَذَا التَّعَلُّقِ هُنَا فَإِنَّ الْحُرْمَةَ وَصْفٌ لِلتَّأْخِيرِ إلَيْهِ فَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُرْمَةِ مُلَابَسَةٌ، لِأَنَّهُ وَقْتٌ ثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ عِنْدَ التَّأْخِيرِ إلَيْهِ اهـ سم عَلَى بَهْجَةٍ، وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ إلَخْ (قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ) أَيْ وَقْتِ الْحُرْمَةِ.
(قَوْلُهُ: قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا) أَيْ فَلَا يَجِبُ فِعْلُهَا فَوْرًا وَإِنْ أَوْقَعَ رَكْعَةً مِنْهَا فِي الْوَقْتِ فَأَدَاءٌ وَإِلَّا فَقَضَاءٌ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute