أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَأَفْسَدَهَا ثُمَّ أَدْخَلَهُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ كَصَحِيحِهِ لَا بِبَاطِلِهِ، وَلَوْ قَالَ لَا أَبِيعُ فَاسِدًا فَبَاعَ فَاسِدًا فَفِيهِ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا رَجَّحَهُ الْإِمَامُ الْحِنْثُ وَمَالَ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمَا عَدَمَهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ (وَلَا يَحْنَثُ بِعَقْدِ وَكِيلِهِ لَهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَعْقِدْ، وَأَخَذَ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ تَفْرِيقِهِمْ بَيْنَ الْمَصْدَرِ وَأَنْ وَالْفِعْلِ فِي قَوْلِهِمْ يَمْلِكُ الْمُسْتَعِيرُ أَنْ يَنْتَفِعَ فَلَا يُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ الْمَنْفَعَةَ فَيُؤَجِّرُ أَنَّهُ لَوْ أَتَى هُنَا بِالْمَصْدَرِ كَلَا أَفْعَلُ الشِّرَاءَ أَوْ الزَّرْعَ حَنِثَ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْكَلَامَ ثَمَّ فِي مَدْلُولِ ذَيْنِك اللَّفْظَيْنِ شَرْعًا وَهُوَ مَا ذَكَرُوهُ فِيهِمَا، وَهُنَا فِي مَدْلُولِ مَا وَقَعَ فِي لَفْظِ الْحَالِفِ وَهُوَ فِي لَا أَفْعَلُ الشِّرَاءَ وَلَا أَشْتَرِي وَفِي حَلَفْت أَنْ لَا أَشْتَرِي وَاحِدٌ وَهُوَ مُبَاشَرَتُهُ لِلشِّرَاءِ بِنَفْسِهِ.
(أَوْ) حَلَفَ (لَا يُزَوِّجُ أَوْ لَا يُطَلِّقُ أَوْ لَا يُعْتِقُ أَوْ لَا يَضْرِبُ فَوَكَّلَ مَنْ فَعَلَهُ) (لَا يَحْنَثُ) لِأَنَّ حَلِفَهُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَلَمْ يُوجَدْ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَكَانَ لَائِقًا بِالْحَالِفِ فِعْلُهُ بِنَفْسِهِ وَيُحَسِّنُهُ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ أَكَانَ حَاضِرًا فِعْلَ الْوَكِيلِ أَمْ لَا، وَإِنَّمَا جَعَلُوا إعْطَاءَ وَكِيلِهَا بِحَضْرَتِهَا.
بِإِعْطَائِهَا كَمَا مَرَّ فِي الْخُلْعِ فِي إنْ أَعْطَيْتنِي لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُسَمَّى إعْطَاءً، وَأَوْجَبُوا التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْمُوَكِّلِ وَخَصْمِهِ فِي الْمَجْلِسِ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي، وَلَمْ يَنْظُرُوا لِلْوَكِيلِ لِكَسْرِ قَلْبِ الْخَصْمِ بِتَمْيِيزِ خَصْمِهِ حَقِيقَةً وَهُوَ الْمُوَكَّلُ عَلَيْهِ (إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنْ لَا يَفْعَلَ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ) فَيَحْنَثُ بِالتَّوْكِيلِ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ لِأَنَّ الْمَجَازَ الْمَرْجُوحَ يَصِيرُ قَوِيًّا بِالنِّيَّةِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ.
قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ اسْتَبْعَدَهُ أَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ وَلَا يُوَكِّلُ لَمْ يَحْنَثْ بِبَيْعِ وَكِيلِهِ قَبْلَ الْحَلِفِ لِأَنَّهُ بَعْدَهُ لَمْ يُوَكِّلْ وَلَمْ يُبَاشِرْ، وَأَخَذَ مِنْهُ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ زَوْجَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَكَانَ أَذِنَ لَهَا قَبْلَ الْحَلِفِ فِي الْخُرُوجِ إلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ فَخَرَجَتْ إلَيْهِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَمْ يَحْنَثْ، وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْحِنْثُ (أَوْ لَا يَنْكِحُ) وَلَا نِيَّةَ لَهُ (حَنِثَ بِعَقْدِ وَكِيلِهِ لَهُ) لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ مَحْضٌ وَلِهَذَا يَتَعَيَّنُ إضَافَةُ الْقَبُولِ لَهُ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ حَلَفَتْ مُجْبَرَةٌ لَا تَتَزَوَّجُ لَمْ تَحْنَثْ بِتَزْوِيجِ الْمُجْبِرِ لَهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ زُوِّجَتْ الثَّيِّبُ بِإِذْنِهَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بَيْنَ الْعَامِّيِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: لَا بِبَاطِلِهِ) قَالَ حَجّ: وَقَضِيَّةُ فَرْقِهِمْ بَيْنَ الْبَاطِلِ وَالْفَاسِدِ فِي الْعَارِيَّةِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ إلْحَاقُهَا بِالْحَجِّ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْحِنْثِ بِفَاسِدِهَا دُونَ بَاطِلِهَا وَفِيهِ نَظَرٌ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ كَالشَّارِحِ لِلْعُمْرَةِ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَعْتَمِرُ فَاعْتَمَرَ فَاسِدًا (قَوْلُهُ بَلْ لَا يَصِحُّ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُبَاشَرَتُهُ لِلشِّرَاءِ بِنَفْسِهِ) أَيْ فَلَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُوَكَّلُ عَلَيْهِ) مُتَعَلِّقٌ بِتَمْيِيزٍ (قَوْلُهُ) : (فَيَحْنَثُ بِالتَّوْكِيلِ) أَيْ بِفِعْلِ الْوَكِيلِ النَّاشِئِ عَنْ التَّوْكِيلِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بَعْدَهُ) أَيْ الْحَلِفِ (قَوْلُهُ: لَمْ تَحْنَثْ بِتَزْوِيجِ الْمُجْبِرِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ أَذِنَتْ لَهُ وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ لِوُجُودِ الْإِذْنِ فَالْأَقْرَبُ الْحِنْثُ بِإِذْنِهَا الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ زُوِّجَتْ الثَّيِّبُ) أَيْ أَوْ الْبِكْرُ بِأَنْ زَوَّجَهَا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ بِإِذْنِهَا فَيَحْنَثُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْكَلَامَ ثَمَّ فِي مَدْلُولِ ذَيْنِك اللَّفْظَيْنِ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا وَجْهُ النَّظَرِ وَسَكَتَ عَنْ وَجْهِ عَدَمِ الصِّحَّةِ، وَلَعَلَّهُ أَنَّ الْمَصْدَرَ هُوَ الِانْتِفَاعُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ وَالْفِعْلَ ثَمَّ فَالْمُسْتَعِيرُ كَمَا يَمْلِكُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمِلْكِ الِانْتِفَاعِ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْهُ وَإِنَّمَا الْمَنْفِيُّ عَنْهُ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالْعَيْنِ وَلَيْسَتْ مَصْدَرًا (قَوْلُهُ: فِي مَدْلُولِ ذَيْنِك اللَّفْظَيْنِ شَرْعًا) أَيْ بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ مَدْلُولِهِمَا الْأَصْلِيِّ، إذْ الشَّارِعُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا هُنَا بِخِلَافِهِ هُنَاكَ فَتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُسَمَّى إعْطَاءً) هَلْ يَجْرِي ذَلِكَ هُنَا كَذَا قَالَهُ ابْنُ قَاسِمٍ مَعَ أَنَّهُ مَرَّ قَبْلَهُ النَّصُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كَفِعْلِهِ (قَوْلُهُ: عَلَيْهِ) مُتَعَلِّقٌ بِتَمْيِيزٍ (قَوْلُهُ الْمَرْجُوحَ) لَعَلَّهُ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ إذْ هُوَ مَرْجُوحٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَقِيقَةِ لِأَصَالَتِهَا (قَوْلُهُ: وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ) أَيْ فِي الْحُكْمِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَالْأَقْرَبُ الْحِنْثُ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ النَّظَرَ فِي أَصْلِ الْأَخْذِ أَيْضًا وَوَجْهُ النَّظَرِ فِيهِ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: لَمْ يَحْنَثْ بِتَزْوِيجِ الْمُجْبِرِ لَهَا) أَيْ بِالْإِجْبَارِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَذِنَتْ، وَقَدْ يُقَالُ هَلَّا انْتَفَى الْحِنْثُ عَنْ الْمَرْأَةِ مُطْلَقًا بِتَزْوِيجِ الْوَلِيِّ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ مُتَعَذِّرَةٌ أَصْلًا، وَالْقَوْلُ بِحِنْثِهَا إنَّمَا يُنَاسِبُ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَتْ الْحَقِيقَةُ وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى الْمَجَازِ فَلْيُتَأَمَّلْ