وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَبْسٌ وَلَا تَرْسِيمٌ وَلَا اسْتِيفَاءُ عُقُوبَةٍ لِآدَمِيٍّ ثَبَتَ مُوجِبُهَا عِنْدَهُ لِئَلَّا يَخْرِقَ أُبَّهَتَهُمْ فَلَا افْتِيَاتَ.
قِيلَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ لِلْمُحَكَّمِ أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ زَعَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الرَّاجِحَ خِلَافُهُ، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيُّ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا: أَيْ صَرِيحًا بِشَرْطِ اجْتِهَادِهِ وَكَوْنِهِ ظَاهِرَ التَّقْوَى وَالْوَرَعِ، لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ مَنْعُ ذَلِكَ لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهِ عَنْ الْقَاضِي (وَقِيلَ) إنَّمَا يَجُوزُ (بِشَرْطِ عَدَمِ قَاضٍ بِالْبَلَدِ) لِلضَّرُورَةِ (وَقِيلَ يَخْتَصُّ) الْجَوَازُ (بِمَا دُونَ قِصَاصٍ وَنِكَاحٍ وَنَحْوِهِمَا) كَلِعَانٍ وَحَدِّ قَذْفٍ (وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ إلَّا عَلَى رَاضٍ) لَفْظًا فَلَا أَثَرَ لِلسُّكُوتِ أَخْذًا مِنْ نَظَائِرِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ رِضَا الزَّوْجَيْنِ مَعًا فِي النِّكَاحِ، وَالْأَوْجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِسُكُوتِ الْبِكْرِ فِي اسْتِئْذَانِهَا فِي التَّحْكِيمِ (بِهِ) أَيْ بِحُكْمِهِ الَّذِي يَتَحَكَّمُ بِهِ مِنْ ابْتِدَاءِ الْحُكْمِ إلَى الِانْتِهَاءِ مِنْهُ لِأَنَّهُ الْمُثْبِتُ لِلْوِلَايَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِهِ، نَعَمْ لَوْ كَانَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ لَمْ يُشْتَرَطْ رِضَاهُمَا لِأَنَّ ذَلِكَ تَوْلِيَةٌ مِنْهُ وَقَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ نَقْلًا عَنْ جَمْعٍ التَّحَاكُمُ لِشَخْصٍ لَيْسَ تَوْلِيَةً لَهُ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَجْرِ غَيْرُ الرِّضَا، وَحُمِلَ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا انْضَمَّ لَهُ لَفْظٌ يُفِيدُ التَّفْوِيضَ كَاحْكُمْ بَيْنَنَا مَثَلًا، وَفِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ (فَلَا يَكْفِي رِضَا قَاتِلٍ فِي ضَرْبِ دِيَةٍ عَلَى عَاقِلَتِهِ) بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رِضَا الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهُمْ لَا يُؤَاخَذُونَ بِإِقْرَارِ الْجَانِي فَكَيْفَ يُؤَاخَذُونَ بِرِضَاهُ (وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْحُكْمِ) وَلَوْ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ شُرُوطِ الْبَيِّنَةِ (امْتَنَعَ الْحُكْمُ) لِعَدَمِ اسْتِمْرَارِ الرِّضَا (وَلَا يُشْتَرَطُ الرِّضَا بَعْدَ الْحُكْمِ فِي الْأَظْهَرِ) كَحُكْمِ الْمَوْلَى مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ، وَلَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ إلَّا مِنْ حَيْثُ يُنْقَضُ حُكْمُ الْقَاضِي، وَلَهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى حُكْمِهِ وَإِثْبَاتِهِ مَنْ فِي مَجْلِسِهِ خَاصَّةً لِانْعِزَالِهِ بِالتَّفَرُّقِ، وَإِذَا تَوَلَّى الْقَضَاءَ بَعْدَ سَمَاعِ بَيِّنَةٍ حَكَمَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ إعَادَتِهَا.
وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ لِأَنَّ رِضَاهُمَا مُعْتَبَرٌ فِي الْحُكْمِ فَكَذَا فِي لُزُومِهِ.
(وَلَوْ) (نَصَّبَ) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ (قَاضِيَيْنِ) أَوْ أَكْثَرَ (بِبَلَدٍ وَخَصَّ كُلًّا بِمَكَانٍ) مِنْهُ (أَوْ زَمَنٍ أَوْ نَوْعٍ) كَأَنْ فَوَّضَ لِأَحَدِهِمَا الْحُكْمَ فِي الْأَمْوَالِ وَالْآخَرُ فِي الدِّمَاءِ أَوْ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ (جَازَ) لِعَدَمِ الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ وَلَيْسَ هُنَاكَ إلَّا قَاضِي رِجَالٍ أَوْ نِسَاءٍ لَمْ يَحْكُمْ بَيْنَهُمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَا فَإِنَّ الْعِبْرَةَ بِالطَّالِبِ عَلَى مَا مَرَّ (وَكَذَا إنْ لَمْ يَخُصَّ فِي الْأَصَحِّ) كَنَصْبِ الْوَصِيَّيْنِ وَالْوَكِيلَيْنِ فِي شَيْءٍ، وَإِذَا كَانَ فِي بَلَدٍ قَاضِيَانِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهَا أَصْلًا أُجِيبَ دَاعِيهِ وَإِلَّا فَمَنْ سَبَقَ دَاعِيهِ، فَإِنْ جَاءَا مَعًا أُقْرِعَ، فَإِنْ تَنَازَعَا فِي اخْتِيَارِهِمَا أُجِيبَ الْمُدَّعِي، فَإِنْ كَانَ كُلٌّ طَالِبًا وَمَطْلُوبًا كَأَنْ اُخْتُلِفَ فِيمَا يَقْتَضِي تَحَالَفَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: أَيْ صَرِيحًا) خَبَرٌ، وَقَوْلُهُ لَكِنْ الْمُعْتَمَدُ إلَخْ مِنْ م ر، وَقَوْلُهُ مُنِعَ ذَلِكَ: أَيْ وَلَوْ مُجْتَهِدًا (قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ مِنْ رِضَا الزَّوْجَيْنِ) أَيْ فَلَا يَكْتَفِي بِالرِّضَا مِنْ وَلِيِّ الْمَرْأَةِ وَالزَّوْجِ، بَلْ الرِّضَا إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ حَيْثُ كَانَتْ الْوِلَايَةُ لِلْقَاضِي، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ رِضَا الزَّوْجَةِ إذَا كَانَ لَهَا مَنْ يَتَكَلَّمُ عَنْهَا (قَوْلُهُ وَلَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ إلَّا مِنْ حَيْثُ يُنْقَضُ حُكْمُ الْقَاضِي) أَيْ وَذَلِكَ فِيمَا لَوْ خَالَفَ نَصًّا أَوْ قِيَاسًا جَلِيًّا (قَوْلُهُ: لِانْعِزَالِهِ بِالتَّفَرُّقِ) وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكْتَفِي فِي التَّفَرُّقِ هُنَا بِمَا اكْتَفَى بِهِ فِي التَّفَرُّقِ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ وُصُولِهِ إلَى بَيْتِهِ وَالسُّوقِ مَثَلًا (قَوْلُهُ: وَإِذَا تَوَلَّى) أَيْ الْمُحَكَّمُ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْعِبْرَةَ بِالطَّالِبِ عَلَى مَا مَرَّ) اُنْظُرْ فِي أَيِّ مَحَلٍّ مَرَّ، وَلَعَلَّهُ أَحَالَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ حَجّ (قَوْلُهُ: أُجِيبَ دَاعِيهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُدَّعِيًا أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَا إلَخْ) اُنْظُرْ الْفَرْقَ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا مَرَّ) هُوَ تَابِعٌ فِي هَذَا لِابْنِ حَجَرٍ، لَكِنَّ ذَاكَ قَدَّمَ هَذَا عَنْ بَحْثِ بَعْضِهِمْ، بِخِلَافِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ أُجِيبَ دَاعِيهِ) أَيْ رَسُولُهُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَنَازَعَا) أَيْ الْمُتَدَاعِيَانِ: أَيْ وَالصُّورَةُ أَنَّهُ لَا دَاعِيَ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي (قَوْلُهُ: أُجِيبَ الْمُدَّعِي) مَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَطْلُبْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْقَاضِي الْأَصِيلَ وَإِلَّا فَهُوَ الْمُجَابُ، إذْ مَنْ طَلَبَ الْأَصِيلَ مِنْهُمَا أُجِيبَ مُطْلَقًا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَأَفْتَى بِهِ وَالِدُ الشَّارِحِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute