عَلَى الْفُقَرَاءِ لَمْ يَكُنْ حُكْمًا وَلَكِنَّهُ فِي مَعْنَاهُ فَلَا يَصِحُّ رُجُوعُ الشَّاهِدِ بَعْدَهُ، بِخِلَافِ ثُبُوتِ سَبَبِهِ كَوَقْفِ فُلَانٍ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى نَظَرٍ آخَرَ، وَمِنْ ثَمَّ امْتَنَعَ عَلَى الْحَاكِمِ الْحُكْمُ بِهِ حَتَّى يَنْظُرَ فِي شُرُوطِهِ، وَيَجُوزُ تَنْفِيذُ الْحُكْمِ فِي الْبَلَدِ قَطْعًا مِنْ غَيْرِ دَعْوَى وَلَا حَلِفٍ فِي نَحْوِ غَائِبٍ، بِخِلَافِ تَنْفِيذِ الثُّبُوتِ الْمُجَرَّدِ فِيهَا فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا، وَالْأَقْرَبُ جَوَازُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حُكْمٌ بِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَنْفِيذَ الْحُكْمِ لَيْسَ بِحُكْمٍ مِنْ الْمُنَفِّذِ إلَّا إنْ وُجِدَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْحُكْمِ عِنْدَنَا وَإِلَّا كَانَ إثْبَاتًا لِحُكْمِ الْأَوَّلِ فَقَطْ، وَقَدْ قَدَّمْتُ فِي بَابِ الْهِبَةِ الْفَرْقَ بَيْنَ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ وَالْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ فَالْأَوَّلُ يَتَنَاوَلُ الْآثَارَ الْمَوْجُودَةَ وَالتَّابِعَةَ لَهَا: بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْمَوْجُودَ فَقَطْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ بِهِ أَقْوَى مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِمِلْكِ الْعَاقِدِ مَثَلًا، وَمِنْ ثَمَّ امْتَنَعَ عَلَى الْحَاكِمِ الْحُكْمُ بِهَذَا إلَّا بِحُجَّةٍ تُفِيدُ الْمِلْكَ، بِخِلَافِ الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ وَلَوْ حَكَمَ بِالصِّحَّةِ وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ اسْتَنَدَ لِحُجَّةٍ أَوْ لَا حَمَلْنَا حُكْمَهُ عَلَى الِاسْتِنَادِ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ، نَعَمْ يُتَّجَهُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ فِي قَاضٍ مَوْثُوقٍ بِدِينِهِ وَعِلْمِهِ كَكُلِّ حُكْمٍ أُجْمِلَ وَلَمْ يُعْلَمْ اسْتِيفَاؤُهُ لِشُرُوطِهِ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا مِمَّنْ ذُكِرَ (أَوْ) سَأَلَهُ الْمُدَّعِي وَمِثْلُهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ (أَنْ يَكْتُبَ لَهُ) بِقِرْطَاسٍ أَحْضَرَهُ مِنْ عِنْدِهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (مَحْضَرًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ (بِمَا جَرَى مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ أَوْ سِجِلًّا بِمَا حَكَمَ اُسْتُحِبَّ إجَابَتُهُ) لِأَنَّهُ يَذْكُرُ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ لِثُبُوتِ الْحَقِّ بِالشُّهُودِ دُونَ الْكِتَابِ (وَقِيلَ يَجِبُ) تَوْثِقَةً لِحَقِّهِ، نَعَمْ إنْ تَعَلَّقَتْ الْحُكُومَةُ بِصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ وَجَبَ التَّسْجِيلُ جَزْمًا، وَأَلْحَقَ بِهِمَا الزَّرْكَشِيُّ الْغَائِبَ وَنَحْوَ الْوَقْفِ مِمَّا يُحْتَاطُ لَهُ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْمَحْضَرَ مَا تُحْكَى فِيهِ وَاقِعَةُ الدَّعْوَى وَالْجَوَابُ وَسَمَاعُ الْبَيِّنَةِ بِلَا حُكْمٍ، وَالسِّجِلُّ مَا تَضَمَّنَ إشْهَادَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ حَكَمَ بِكَذَا أَوْ نَفَّذَهُ (وَيُسْتَحَبُّ نُسْخَتَانِ) أَيْ كِتَابَتُهُمَا (إحْدَاهُمَا) تُدْفَعُ (لَهُ) بِلَا خَتْمٍ (وَالْأُخْرَى تُحْفَظُ فِي دِيوَانِ الْحُكْمِ) مَخْتُومَةً وَيُكْتَبُ عَلَيْهَا اسْمُ الْخَصْمَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الْخَصْمُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ طَرِيقُ التَّذَكُّرِ لَوْ ضَاعَتْ تِلْكَ.
(وَإِذَا) (حَكَمَ بِاجْتِهَادِهِ) وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ أَوْ بِاجْتِهَادِ مُقَلَّدِهِ (ثُمَّ بَانَ) كَوْنُ مَا حَكَمَ بِهِ (خِلَافَ نَصِّ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ) الْمُتَوَاتِرَةِ أَوْ الْآحَادِ (أَوْ) بَانَ خِلَافَ (الْإِجْمَاعِ) وَمِنْهُ مَا خَالَفَ شَرْطَ الْوَاقِفِ (أَوْ) خِلَافُ (قِيَاسٍ جَلِيٍّ) وَهُوَ مَا يَعُمُّ الْأَوْلَى وَالْمُسَاوِيَ.
قَالَ الْقَرَافِيُّ: أَوْ خَالَفَ الْقَوَاعِدَ الْكُلِّيَّةَ.
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: أَوْ كَانَ حُكْمًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ: أَيْ قَطْعًا، فَلَا نَظَرَ لِمَا بَنَوْهُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ النَّقْضِ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ قَالَ بِهَا غَيْرُهُمْ بِأَدِلَّةٍ عِنْدَهُمْ.
قَالَ السُّبْكِيُّ: أَوْ خَالَفَ الْمَذَاهِبَ الْأَرْبَعَةَ لِأَنَّهَا كَالْمُخَالِفِ لِلْإِجْمَاعِ (نَقَضَهُ) وُجُوبًا أَيْ أَظْهَرَ بُطْلَانَهُ وَإِنْ لَمْ يُرْفَعْ إلَيْهِ (هُوَ وَغَيْرُهُ) بِنَحْوِ نَقَضْته أَوْ فَسَخْته أَوْ أَبْطَلْته (لَا) مَا بَانَ خِلَافَ قِيَاسِ (خَفِيٍّ) وَهُوَ مَا لَا يَبْعُدُ احْتِمَالُ الْفَارِقِ فِيهِ كَقِيَاسِ الذُّرَةِ عَلَى الْبُرِّ بِجَامِعِ الطَّعْمِ فَلَا يَنْقُضُهُ بِاحْتِمَالِهِ (وَالْقَضَاءُ) أَيْ الْحُكْمُ الَّذِي يَسْتَفِيدُهُ الْقَاضِي بِالْوِلَايَةِ فِيمَا بَاطِنُ الْأَمْرِ فِيهِ، بِخِلَافِ ظَاهِرِهِ تَنْفِيذًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا) فَالْحُكْمُ بِشَهَادَةِ كَاذِبَيْنِ ظَاهِرُهُمَا الْعَدَالَةُ لَا يُفِيدُ الْحِلَّ بَاطِنًا لِمَالٍ، وَلَا لِبَضْعٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ بِنَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَضَيْت لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ بِشَيْءٍ فَلَا يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ لَوْ وَقَعَ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَلَكِنَّهُ فِي مَعْنَاهُ) أَيْ الْحُكْمِ (قَوْلُهُ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ بِهِ) أَيْ الثَّانِي (قَوْلُهُ: وَنَحْوُ الْوَقْفِ) كَالْوَصِيَّةِ وَالْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ.
(قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ) أَيْ أَقْدَرَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لَمْ يَكُنْ حُكْمًا) أَيْ فَلَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ (قَوْلُهُ: كَوَقْفِ فُلَانٍ) هُوَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ تَنْفِيذُ الْحُكْمِ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ: أَوْ فَائِدَتُهُ تَأْكِيدُ حُكْمِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: لَيْسَ بِحُكْمٍ مِنْ الْمَنْفَذِ) أَيْ وَلِهَذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ تَقَدُّمُ دَعْوَى (قَوْلُهُ: إلَّا إنْ وُجِدَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْحُكْمِ) أَيْ بِأَنْ يَتَقَدَّمَهُ دَعْوَى وَطَلَبٌ مِنْ الْخَصْمِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ (قَوْلُهُ: أَنَّ الْحُكْمَ بِهِ) أَيْ بِالصِّحَّةِ
(قَوْلُهُ: فِيمَا بَاطِنُ الْأَمْرِ فِيهِ بِخِلَافِ ظَاهِرِهِ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ إنْشَاءً بِأَنْ كَانَ إمْضَاءً لِمَا قَامَتْ بِهِ الْحُجَّةُ (قَوْلُهُ: أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ) أَيْ أَبْلَغُ وَأَعْلَمُ