بَعْدَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ فِي حُضُورِهِ وَهُوَ مِمَّنْ يَتَأَتَّى حُضُورُهُ (كَحَاضِرٍ فَلَا تُسْمَعُ) دَعْوَى وَلَا (بَيِّنَةٌ) عَلَيْهِ (وَلَا يُحْكَمُ بِغَيْرِ حُضُورِهِ) بَلْ يَجِبُ إحْضَارُهُ لِسُهُولَةِ ذَلِكَ لِيَدْفَعَ إنْ شَاءَ أَوْ يُقِرَّ فَيُغْنِي عَنْ الْبَيِّنَةِ وَالنَّظَرِ فِيهَا (إلَّا لِتَوَارِيهِ) أَوْ حَبْسِهِ بِمَحَلٍّ لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ أَوْ هَرَبِهِ مِنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ (أَوْ تَعَزُّرِهِ) أَيْ تَغَلُّبِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَتُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ وَيُحْكَمُ بِغَيْرِ حُضُورِهِ، لَكِنْ بَعْدَ يَمِينِ الِاسْتِظْهَارِ عَلَى أَرْجَحِ الْوَجْهَيْنِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَبَعًا لِجَمْعٍ مُتَأَخِّرِينَ احْتِيَاطًا لِلْحُكْمِ فَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ تَقْصِيرُهُ وَقُدْرَتُهُ عَلَى الْحُضُورِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ جُعِلَ الْآخَرُ فِي حُكْمِ النَّاكِلِ، فَيَحْلِفُ الْمُدَّعِي يَمِينَ الرَّدِّ عَلَى مَا ادَّعَاهُ بَعْضُهُمْ ثُمَّ يُحْكَمُ لَهُ، لَكِنْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِخِلَافِهِ وَتَبِعَهُ جَمْعٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ النِّدَاءِ بِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَحْضُرْ جُعِلَ نَاكِلًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ (وَالْأَظْهَرُ جَوَازُ الْقَضَاءِ عَلَى غَائِبٍ فِي قِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ) لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ فَأَشْبَهَ الْمَالَ (وَمَنْعُهُ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى) وَتَعَازِيرِهِ لِبِنَائِهَا عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالدَّرْءِ مَا أَمْكَنَ، وَمَا فِيهِ الْحَقَّانِ كَالسَّرِقَةِ يُقْضَى فِيهِ بِالْمَالِ لَا الْقَطْعِ. وَالثَّانِي الْجَوَازُ مُطْلَقًا كَالْأَمْوَالِ فَيَكْتُبُ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِيَأْخُذَ بِالْعُقُوبَةِ. وَالثَّالِثُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا لِخَطَرِ الدِّمَاءِ وَالْحَدُّ يُسْعَى فِي دَفْعِهِ وَلَا يُوَسِّعُ بَابَهُ وَحُقُوقُهُ تَعَالَى الْمَالِيَّةُ كَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ عَلَى غَائِبٍ بِإِسْقَاطِ حَقٍّ لَهُ كَأَنْ قَالَ كَانَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ قَضَيْتُهَا أَوْ أَبْرَأَنِي مِنْهَا وَلِي بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ وَلَا آمَنُ إنْ خَرَجْتُ إلَيْهِ يُطَالِبُنِي وَيَجْحَدُ الْقَبْضَ وَالْإِبْرَاءَ وَلَا أَجِدُ حِينَئِذٍ الْبَيِّنَةَ فَاسْمَعْ بَيِّنَتِي وَاكْتُبْ بِذَلِكَ إلَى حَاكِمِ بَلَدِهِ لَمْ يُجِبْهُ لِأَنَّ الدَّعْوَى بِذَلِكَ وَالْبَيِّنَةَ لَا تُسْمَعُ إلَّا بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ بِالْحَقِّ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَطَرِيقُهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَدَّعِيَ إنْسَانٌ أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ أَحَالَهُ فَيَعْتَرِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ لِرَبِّهِ وَبِالْحَوَالَةِ، وَيَدَّعِي أَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْهُ أَوْ أَقْبَضَهُ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى بِذَلِكَ وَالْبَيِّنَةُ وَإِنْ كَانَ رَبُّ الدَّيْنِ حَاضِرًا بِالْبَلَدِ
(وَلَوْ) (سَمِعَ بَيِّنَةً عَلَى غَائِبٍ فَقَدِمَ) وَلَوْ (قَبْلَ الْحُكْمِ) (لَمْ يَسْتَعِدْهَا) أَيْ لَمْ يَلْزَمْهُ لِوُقُوعِ ذَلِكَ صَحِيحًا لَكِنَّهُ بَاقٍ عَلَى حُجَّتِهِ مِنْ إبْدَاءِ قَادِحٍ أَوْ رَافِعٍ (بَلْ يُخْبِرُهُ) بِالْحَالِ فَيَتَوَقَّفُ حُكْمُهُ عَلَى إخْبَارِهِ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ، وَاعْتَرَضَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ الْإِعْزَارَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عِنْدَنَا لِصِحَّةِ الْحُكْمِ، وَرَدَّهُ تِلْمِيذُهُ الْعِرَاقِيُّ بِأَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ لِحُضُورِهِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةَ فَهُوَ الْمُتَمَكِّنُ مِنْ الدَّفْعِ، وَأَمَّا هُنَا فَلَمْ يَعْلَمْ فَاشْتُرِطَ إعْلَامُهُ (وَيُمَكِّنُهُ مِنْ الْجَرْحِ) أَوْ نَحْوِهِ كَإِثْبَاتِ نَحْوِ فِسْقٍ وَيُمْهِلُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ
وَلَا بُدَّ أَنْ يُؤَرِّخَ الْجَرْحَ بِوَقْتِ الشَّهَادَةِ أَوْ قَبْلَهَا وَقَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ، وَقَدْ اسْتَطْرَدَ ذِكْرَ مَسَائِلَ لَهَا نَوْعُ تَعَلُّقٍ بِالْبَابِ فَقَالَ (وَلَوْ) (عُزِلَ) أَوْ انْعَزَلَ (بَعْدَ سَمَاعِ بَيِّنَةٍ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَهُوَ الْمَشَقَّةُ فِي الْحُضُورِ هُنَا (قَوْلُهُ: وَحُقُوقُهُ تَعَالَى الْمَالِيَّةُ) أَيْ كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ: كَانَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ) الْأَلْفُ مُذَكَّرٌ وَحَيْثُ أُنِّثَ فَيُؤَوَّلُ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ نَحْوِهَا، وَعِبَارَةُ الْمُخْتَارِ: الْأَلْفُ عَدَدٌ وَهُوَ مُذَكَّرٌ (قَوْلُهُ: لَمْ يُجِبْهُ) هَذَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ أَوَّلًا وَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بَلْ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا يَصْلُحُ هَذَا جَوَابًا لَهُ، فَلَوْ قَالَ فَإِنْ كَانَ قَالَهُ إلَخْ كَانَ أَوْلَى
(قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْإِعْذَارَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ) أَيْ الِاعْتِرَافُ بِمَا يُرِيدُ الْقَاضِي الْحُكْمَ بِهِ وَأَبْدَى عُذْرًا فِي عَدَمِ الِاعْتِرَافِ بِهِ أَوَ لَا مَثَلًا، وَفِي الْمُخْتَارِ أَعْذَرَ: صَارَ ذَا عُذْرٍ (قَوْلُهُ: لِحُضُورِهِ) أَيْ ثَمَّ (قَوْلُهُ: وَيُمْهِلُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) أَيْ وُجُوبًا
(قَوْلُهُ: وَقَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ) أَيْ وَهِيَ سَنَةٌ (قَوْلُهُ: أَوْ انْعَزَلَ) أَيْ بِفِسْقٍ مَثَلًا
[حاشية الرشيدي]
الْمُصَنِّفِ الْآتِي أَوْ غَائِبٍ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ إحْضَارُهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: جَعَلَ الْآخَرَ فِي حُكْمِ النَّاكِلِ إلَخْ) هَذَا خَاصٌّ بِالْمُتَوَارِي وَالْمُتَعَزَّزِ بِخِلَافِ الْمَحْبُوسِ الَّذِي زَادَهْ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: لَمْ يُجِبْهُ) الْأَصْوَبُ حَذْفُهُ (قَوْلُهُ: فَيَعْتَرِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِاعْتِرَافِهِ مَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنْ يَقُولَ كَانَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مَثَلًا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ
(قَوْلُهُ: أَيْ لَمْ يَلْزَمْهُ) أَيْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute